مايا نادر

يعيش العالم اليوم تحت رحمة الاحتباس الحراري، وقد أجمع الخبراء ورؤساء الدول في مؤتمر باريس COP21 على ضرورة مواجهته عبر خفض استخدام الطاقة الأحفورية، مثل النفط والفحم والغاز، وشجعوا على اللجوء لمصادر الطاقة المتجددة، وتغيير أساليب إدارة الغابات والأراضي الزراعية.
وفي حين تعتمد كافة الدول على مصادر الطاقة غير المتجددة لتوليد الطاقة، بدأ العالم أخيراً التنبّه للمشاكل البيئية التي تسببها تلك المصادر، فضلاً عن احتمال نضوبها بعد فترة من الزمن، ليست ببعيدة، الامر الذي كان وراء البحث عن مصادر تحقق التنمية المستدامة ولا تؤثر سلبا على صحة الإنسان والبيئة، وهذا ما يتحقق في الإعتماد على مصادر الطاقة المتجددة التي تتولد بصورة طبيعية، وبصفة مستدامة، دون أن ينتج عنها أي نوع من أنواع التلوث الضار.
في هذا السياق، بدأت الدول الكبرى البحث عن مصادر الطاقة البديلة، حفاظاً على مستقبل واستمرارية اقتصادها المتعلق بالقسم الاكبر منه بالكهرباء.
وفي حين يتولى اقتصاد الدول دفّة الاستعمال الاول لكل طاقة، فضلاً عن رفعه لفاتورتها الاستهلاكية، خلص بحث أجرته الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إلى أن مضاعفة نصيب الطاقة المتجددة في السوق العالمية المتنوعة للطاقة إلى 36 في المئة بحلول عام 2030، يمكن أن يوفر للاقتصاد العالمي ما يصل إلى 4.2 تريليون دولارا في العام.
تاريخ اكتشاف مصادر الطاقة قد تطوّر مع تقدم العصور، فبدءاً من الاخشاب ومخلفات النباتات والحيوانات، مرورواً بالفحم الحجري وصولاً الى النفط، تنوعت المصادر اليوم لتشمل ثلاثة تقليدية رئيسية هي النفط، الغاز والفحم الحجري، وهو ما يسمى بالوقود الحفري Fossil Fuel، وفي حين بدأت الدول باستكشاف مصادر للطاقة البديلة، فالنتائج لا بد ستكون واعدة.

التوجه الى الطاقة البديلة… أسباب وتحليلات

160316_CO2_gr

قسم الهندسة الكيميائية في “جامعة أستون: البريطانية عرّف مصطلح الطاقة المتجددة على انه يشمل كل ما هو منتج من مصدر لا ينضب، أي متجدد طبيعيا، كمثال لذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
أما مصطلح الطاقة البديلة، فالمقصود به كل ما هو منتج من مصدر غير تقليدي، أي غير النفط أو الغاز، أو الفحم، وليس بالضرورة أن يكون متجددا، كمثال لذلك الطاقة النووية.
وفصّل بالتالي خمسة أسباب رئيسية أدت للبحث عن مصادر بديلة للطاقة، وبالتحديد المتجددة منها في السنوات الاخيرة:
أولا، ارتفاع أسعار الوقود التقليدي سابقاً، حيث قفز سعر برميل النفط بما يقارب 180 بالمئة خلال السنوات الماضية، الامر الذي أدى الى ارتفاع تكاليف الحياة اليومية.
ثانيا، القلق العالمي من جراء تزايد انبعاثات الغازات الحرارية التي تنتج بشكل رئيسي نتيجة لحرق الوقود التقليدي، ويعد ثاني أوكسيد الكربون من أخطرها، وهي لا تتسبب في ارتفاع الحرارة فحسب، بل تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في صحة الإنسان، وتتسبب في خلل التوازن البيئي. لهذا ظهرت القوانين والآليات اللازمة للحد من انبعاثات هذه الغازات، مثل اتفاقية كيوتو Kyoto agreement التي بموجبها التزمت أكثر من 169 دولة، بخفض انبعاثاتها الغازية بنسبة 5 بالمئة عما كانت عليه عام 1990 بحلول عام 2012.
ثالثا، ازدياد الطلب العالمي على الطاقة نتيجة لتزايد عدد المنشآت الصناعية ومركبات النقل. يتوقع الخبراء أن يتواصل التزايد بمعدل 4 بالمئة سنويا، إضافة إلى نقصان المخزون العالمي، فمن المتوقع نضوب المخزون من الوقود الحفري في فترة تراوح بين 30 إلى 50 عاما في أحسن تقدير.
رابعا، ثمة مخاوف من أن تؤدي بعض الكوارث الطبيعية أو الحروب إلى تعطيل الإنتاج في حقول النفط الرئيسية، أو توقفها لفترات طويلة، وأقرب مثال على ذلك هو إعصار “كاترينا” في خليج المكسيك عام 2005، حيث أدى إلى تحطم ما يقارب 30 منصة إنتاج بحرية، وإغلاق أكثر من تسعة مصاف نفطية.
السبب الاخير سياسي ويتعلق باهتمام بعض الدول، خصوصا الولايات المتحدة وأوروبا بتأمين الإمدادات المستقبلية من مصادر الطاقة، دون الاعتماد على مناطق إنتاج بعينها كالشرق الأوسط مثلا.

مصادر متعددة

مصادر الطاقة البديلة متعددة، ربما ابرزها الطاقة الشمسية، وفيها تركّب ألواح ضوئية تعمل على امتصاص أشعة الشمس، وتحويلها إلى طاقة حرارية تستغل في التدفئة والتسخين.
طاقة الرياح، تأتي بالدرجة الثانية، حيث تنصب مراوح عملاقة تتحرك بفعل الرياح فتحول الطاقة الحركية إلى طاقة كهربائية. الوسيلة الثالثة تقتصر على حركة المياه أو الكهرومائية (Hydroelectric)، وفي الأغلب تتضمن إنشاء السدود على مجاري الأنهار.
اما بالنسبة الى الطاقة الحرارية الأرضية (Geothermal)، فهي طريقة عالية التقنية تحفر فيها أنابيب عميقة في باطن الأرض، وتتولد الطاقة باستغلال الفارق في درجة الحرارة بين سطح الأرض وباطنها.
وسيلة أخيرة، هي طاقة الكتلة الحيوية (Biomass)، والتي تترجم توليد الطاقة باستخدام مواد عضوية من أصل حيواني أو نباتي، ويأتي جزء كبير منها من إعادة تدوير النفايات.

تصنيفات الدول

The-Future-of-Solar-in-USA

دول كثيرة باتت تعتمد على استنباط مصادر الطاقة المتجددة، وفي هذا السياق، واستناداً الى النسبة التي يشكلها إنتاج الطاقة المتجددة مقارنةً بالاحتياج الكلي للطاقة في الدول، تأتي آيسلندا في طليعة الدول المعتمدة على تلك الطاقة، حيث توفر 100 بالمئة من احتياجاتها للكهرباء عبر توليدها بالمصادر المتجددة، وبالأخص الطاقة الحرارية الأرضية في تدفئة المنازل، والطاقة الكهرومائية لأغراض الإنارة وتوليد الكهرباء للاستخدامات الصناعية وما شابه.
تلي آيسلندا النروج، التي تعتمد بشكل كبير على توليد الطاقة الكهرومائية، وبدأت بإضافة وسائل أخرى خلال العقد الأخير لتشمل طاقة الرياح والكتلة الحيوية، وتوفر هذه الوسائل مجتمعة ما يقرب من 97 بالمئة من إجمالي ما تحتاجه النروج من الطاقة على مستوى الدولة.
في المرتبة الثالثة، تأتي السويد وتستغل طبيعتها الجغرافية وتوفر المصادر المائية بكثرة في توليد الطاقة اعتمادا على الرياح وحركة الأمواج على شواطئها، بالإضافة إلى الطاقة الكهرومائية المتولدة من إقامة السدود على الأنهار. وتبلغ نسبة استخدام الطاقة المتجددة في السويد ما يقرب من 50 بالمئة من إجمالي الطاقة المستهلكة في البلاد.
تأتي في المرتبة التالية البرتغال، وتوفر ما نسبته 47 بالمئة من الطاقة اللازمة في الدولة عبر وسائل الطاقة المتجددة. ففي عام 2011 استطاعت البرتغال توفير ما يقرب من 20 بالمئة من الكهرباء اللازمة فقط عبر استغلال طاقة الرياح، بالإضافة لنسب أقل متولدة عبر الكتلة الحيوية والطاقة الشمسية، فيما تعتمد في الكمية المتبقية على الطاقة الكهرومائية.
تعتمد الدنمارك على الطاقة المتجددة لتوفير ما يقرب من 45 بالمئة من احتياجاتها الكهربائية على مستوى الدولة، وتقسم بشكل أساسي على ما ينتج عبر استغلال طاقة الرياح (حوالي 30 بالمئة) والكتلة الحيوية (15 بالمئة)، وتعتبر الدنمارك من أكثر الدول توليدا للطاقة باستخدام الرياح على مستوى العالم.
بالرغم من احتياج إسبانيا لاستيراد الطاقة من الدول المجاورة، إلا أنها توفر نسبة لا بأس بها من احتياجاتها عبر وسائل الطاقة المتجددة تصل إلى 30 بالمئة من الاحتياج الكلي للطاقة، وتعتمد بشكل أساسي على طاقة الرياح، وقد أصبحت في عام 2012 الدولة الأعلى عالميا في إنتاج الطاقة باستخدام الرياح، تليها بنسب أقل الطاقة الشمسية والكتلة الحيوية.
تأتي ألمانيا في المرتبة الأولى عالميا في توليد الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية، وتستغل هذه الوسيلة بالإضافة لطاقة الرياح والكتلة الحيوية في توليد ما يقرب من 20 بالمئة من الكهرباء اللازمة على مستوى البلاد، ويُذكر أن ألمانيا كانت قد أعلنت عن عزمها التخلي تماما عن محطات الطاقة النووية بحلول عام 2022، ومنذ ذلك الإعلان ازداد الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة سعيا للوصول إلى هذا الهدف، ويتوقع أن يزداد تدريجيا ما تنتجه ألمانيا عبر الطاقة المتجددة خلال السنوات القادمة.

طاقة بديلة… كلفة بيئية ومادية أقلّ

2303-11

اظهر تقرير معهد “بلومبرغ لتمويل الطاقة الجديدة” بأن الاستثمار قد ازداد بشكل كبير في السنوات الخمس الماضية، فقد ارتفع إجمالي الاستثمارات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2010 ليبلغ 1.28 مليار دولار أميركي، وعلى الرغم من هذا النمو الاستثماري، فهو ما يزال هامشياً بالمقارنة مع الاستثمار العالمي، إذ ارتفع إجمالي الاستثمارات العالمية الجديدة في قطاع الطاقة المتجددة عام 2010 ليبلغ 243 مليار دولار أميركي.
وطبقاً لبحث الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، فقد وفّرت الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والمولّدة من الرياح نحو 18 بالمئة من الاستهلاك العالمي للطاقة عام 2014، ووفق سياسات الدول القائمة حاليا سيرتفع نصيبها إلى 21 بالمئة عام 2030.
وذكر التقرير أن تكلفة مضاعفة الطاقة المتجددة بحلول 2030 ستصل إلى 290 مليار دولار في العام، لكن حجم التوفير السنوي الإجمالي الناتج عن خفض التلوث والانبعاثات وأثرها على صحة الإنسان والزراعة سيتراوح بين 1.2 و4.2 تريليون دولار.
وقال عدنان أمين المدير العام للوكالة “مضاعفة النسبة ليس ممكنا فقط بل هو أرخص من عدمه، الامر الذي سيخلق المزيد من الوظائف وينقذ أرواح الملايين بخفض تلوث الهواء، ويضعنا على مسار للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، ويقصره على درجتين كما اتفق في باريس”.

ميزات وفوائد

للطاقة البديلة مميزات عدة، اولها بانها لا تنضب، وتعطي طاقة نظيفة خالية من النفايات بكافة أنواعها.
تهدف أولا إلى حماية صحة الإنسان والمحافظة على البيئة الطبيعية، فضلاً عن ان كلفة انتاجها بسيطة، وتؤمن فرص عمل جديدة وتحسّن معيشة الانسان.
بيئياً، تساهم في الحدّ من الإنبعاثات الغازية والحرارية الضارة وعواقبها الخطيرة، وتؤدي الى إنخفاض عدد وشدة الكوارث الطبيعية الناتجة عن الإنحباس الحراري.
تساعد بشكل اساسي على عدم تشكّل الأمطار الحامضية التي تلحق الضرر بكافة المحاصيل الزراعية وأشكال الحياة.
في اطار التنوع البيولوجي، تعمل على حماية كافة الكائنات الحية، خصوصا المهددة بالإنقراض، فضلاً عن حماية المياه الجوفية والأنهار والبحار والثروة السمكية من التلوث وتأمين الامن الغذائي، وزيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية نتيجة تخلصها من الملوثات الكيميائية والغازية .
في النهاية، وفي مواجهة الطلب الكبير على الطاقة والنمو الاقتصادي السريع والمتزايد، بات امر تحسين نوعية حياة الانسان، وبالتالي البيئة العالمية والمحلية من الاولويات.. وخطوة البحث عن مصادر طاقة نظيفة تشكّل بداية المسار!

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This