حبيب معلوف – السفير

إن كثرة الكذب حول ملف النفايات لا يصنع الحقيقة.
كل ما يقال عن تاريخ ملف النفايات كذب وتشبيح على الحقيقة.
كل ما قيل رسميا عن الكلفة والهدر والفساد تهويل وتمويه وتضليل، كما معظم الكلام غير الحكومي تبجيل. في حين يمكن اعتبار معظم كلام ما يسمى «الخبراء» تطبيل. كل الأصوات العالية حول هذا الملف كان يمكن أن تتسبّب بالصرع، بالإضافة بعد ان تسببت بشتى أنواع الأمراض الناجمة عن تلوث كل شيء.
حقيقة الهدر والتشبيح في ملف النفايات لم تقل بعد. لا في مجالس الوزراء ولا في لجان مجلس النواب. وكل ما قيل وكتب في فترة الازمة وقبلها لا يقارب الحقيقة على الاطلاق، لا بل يتلاعب بها ويطمسها في طبقات بعيدة تحت اكوام النفايات.
فمشكلة النفايات الحقيقية والاصلية ليست عند من يجمعها ولا عند من يفرزها او يطمرها. انها بالدرجة الأولى في النظام الذي ينتجها ويسوقها. انها في اقتصاد السوق (السوء). انها عند النظام الإنتاجي والاستهلاكي، النظام الاقتصادي الحر، الذي تركت له كل الحرية بان ينتج ويستورد ويسوّق لكل ما يريد وبالشكل (الغلاف) الذي يريد… وان الدولة بكل اركانها هي التي تبنّته ودعمته وتعاملت معه واستفادة منه كل تلك السنوات… وهي التي تشرّع له منذ الاستقلال، بعد ان ساعدها ودعمها ماديا للوصول الى الندوة البرلمانية. فهذا النظام الاقتصادي هو الذي أنتج ايضا الطبقات السياسية المتراكمة التي تخفي رائحة عفونتها برائحة النفايات التي تركتها على الطرقات. هذه الطبقات التي كانت تنظر بقرف الى فضلات صناعاتها وتجارتها، عادت وتنافست على الاستثمار فيها بعد ان تحولت الى كارثة!
منذ ما يقارب الثلاثين عاما ونحن نحاول ان نقنع ممثلين عن الطبقات السياسية المتراكمة بضرورة تغيير السياسات والتشريع باتجاه ضبط المنتجات ومراقبتها، سواء عند الصناعيين او عند التجار والمستوردين والمسوقين للسلع الاستهلاكية، عبر التشريع وفرض ضرائب على السلع التي تتحول الى نفايات لتغيير اتجاهات التصنيع والتجارة والتخفيف من هذه الكارثة… من دون جدوى. ولا أي وزير بيئة او اي نائب تبنى طرح استراتيجية او مشروع قانون بهذا الاتجاه للمساهمة في التخفيف من انتاج النفايات او تجنب زيادة حجمها، قبل البحث في باقي التقنيات للمعالجة.
فلو حصل حراك بيئي جدي في لبنان وثورة فكرية حقيقية من رحم الازمة الأخيرة، لكان سأل الأحزاب التاريخية والقوى المسيطرة من موّلها ودعمها كل تلك السنوات، أليست طبقات التجار والصناعيين والمصرفيين الذين استباحوا كل شيء لترويج بضاعتهم من دون حسيب او رقيب؟
لم يكن مطلوبا إعادة توزيع الثروة كما كان يذهب اليسار القديم. كما لم يطالب أحد بالتأميم. كل ما كان مطلوبا هو إجراءات في الشكل كمثل ضبط اغلفة السلع. كل ما كان مطلوبا هو استبدال غلاف بآخر او إيجاد بديل أنظف او قابل للتحلل او الاسترداد. كل ما كان مطلوبا من التجار والوكلاء، تغيير نظام الاستيراد والتصدير والتنبه أيضا لأغلفة السلع ومكوناتها ومصيرها بعد البيع والاستعمال وتحمل مسؤولية استرداد الخطر منها… مع العلم ان هذه الإجراءات، التي قد تكون مزعجة بعض الشيء، لا تؤثر على الأرباح الا بشكل طفيف، وبالرغم من ذلك تم اهمالها ومحاربتها بالتحالف مع الطبقات السياسية اياها.
حتى النفايات العضوية التي تشكل نصف حجم النفايات المنزلية تقريبا، كان يمكن تجنب قسم كبير منها عبر تشجيع ودعم النظام الغذائي القديم القائم على هرم غذائي يعتمد الحبوب والفواكه ونظام التموين (المونة) القديم الذي يخفف من التسوق اليومي للمنتجات مع اغلفتها.
فمن يحاسب مجلس النواب (ولجانه البيئية والمالية) الذي لا يحاسب ولا يشرّع والذي يدّعي البطولات الان بعد صمته على خطة طوارئ منذ العام 1997 حتى اليوم وبعد محاباته التاريخية للقوى الاقتصادية والتجارية والمالية المسيطرة والمنتجة للنفايات!؟

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This