أنور عقل ضو

في ما آلت إليه أوضاعنا، منذ الثورة الصناعية وما بعدها، نجد أن الأمراض ازدادت وكثرت بمعدل تخطى بكثير تطور العلاجات والأدوية، ولم نتمكن – رغم طَرْقِنا أبواب علوم شديدة التعقيد وتوظيفها في الابحاث الطبية – من تحدي الأمراض ووقف زحفها الدائم.
قبل عقود لم نكن نعلم أن للرفاهية ثمنا ندفعه أمراضا يقتلنا بعضها، ونتكيف مع بعضها الآخر، في ما نطلق عليه اليوم “أمراض العصر”، وهي ناجمة عن تغير عاداتنا وتقاليدنا، بحيث أصبحنا أقل حصانة تجاه الأمراض عموما، ومناعتنا تنهار وسط بيئة هشة لا تتوافر فيها الشروط الصحية الـمُثلى.
ثمة أمور لا يمكن تجنبها، كالهواء الملوث على سبيل المثال، كما لا يمكن في المقابل العودة لإيقاع حياة الزمن الماضي، وهو انتفى أساسا، فيما نحن أسرى نمط حياة متغير دائما، يفرض علينا مجاراته، لكن في المقابل، لا زال في مقدورنا استعادة بعض العادات وتغيير أنماط استهلاكنا في حدود تبدو متاحة في ما لو قررنا استعادتها.
وتبقى العودة إلى الطبيعة ملاذا، فالإنسان وجد بين ظهرانيها، وهنا يتجلى المفهوم الأساس لفلسفة البيئة المرتكزة إلى ثوابت لا يمكن معها الابتعاد عن جذور انتمائنا الأول مهما بلغنا في الحياة مراتب متطورة، فالمشكلات البيئية هي نتاج عدم فهمنا لحقيقة وجودنا، وأننا ننتمي إلى الأرض ونمثل جزءا من أنظمتها الإيكولوجية، فعدم مراعاة التوازن البيئي والحفاظ على موارد الأرض، يعني الابتعاد عن ماهية هذا الوجود، وهذا يتطلب ليس احترام الطبيعة فحسب، وإنما احترام حقوق كل الكائنات، فجميعها لها حقوق كما الإنسان.
ثمة معايير تحددها فلسفة البيئة، وهي تشمل الأخلاقيات البيئية وعلم الجمال البيئي، كما تهتم الفلسفة البيئية بدراسة الظواهر الطبيعية، لا بل أبعد من ذلك، كونها تختزل برؤية فلسفية ما وصلنا إليه من أزمات خصوصا في القرنين الماضيين.
البيئة علاجنا ودواؤنا، لكن يبقى التحدي ماثلا في مدى قدرتنا على المواءمة بين العلم كحاجة، والحفاظ على الأرض كضرورة، وإلا سنشهد المزيد من الظواهر الدرماتيكية، ولن نكون بمنأى عن كوارث وويلات.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This