منتصف ليل اليوم تدخل آخر شاحنة محملة بالنفايات الى مطمر الناعمة – عين درافيل وفق ما اعلن وزير الزراعة أكرم شهيب المكلف متابعة ملف النفايات منذ ايلول (سبتمبر) العام الماضي. المطمر الذي افتتح على انقاض كسارة صغيرة في خراج العنازية في النطاق العقاري لبلدة عبيه – عين درافيل عام 1997، استقبل على امتداد 18 عاماً ما يزيد عن عشرين مليون طن من النفايات، وتوسعت مساحته من قطعة ارض مملوكة من قبل الرهبنة المارونية تمتد على 120 الف متر، ليصبح بعد عدة مراسيم استملاك ممتدا على مساحة تصل الى 293 الف متر مربع.
ومع الاغلاق النهائي لهذا المطمر الذي كان يستوعب نفايات ما يزيد عن 196 مدينة وبلدة وقرية في محافظتي بيروت وجبل لبنان، دخلت الحكومة اللبنانية في سباق مع الوقت لتجهيز مطامر بديلة في المواقع المقترحة التي وافق عليها مجلس الوزراء في الجلسة التي عقدت بتاريخ 12 آذار (مارس)، لا سيما مطمر برج حمود، الجديدة – البوشرية – السد، ومطمر مصب نهر الغدير في الشويفات المعروف باسم مطمر “الكوستابرافا”، في حين تركت نفايات قضاءي الشوف وعاليه والبالغة قرابة 650 طن يومياً لفترة غير محددة ترمى بطريقة عشوائية، ما لم يكتشف مجلس الوزراء حلاً سحرياً عجز عن إيجاده منذ بدء الأزمة في 17 تموز (يوليو) الماضي. وبحسب معلومات greenarea.info، فإن الحل المطروح لعاليه والشوف يقضي بايجاد مركزين للتخزين المؤقت في كل قضاء، الى حين الاتفاق على موقع للطمر، وهو امر مستبعد في ظل تعثر الاتفاق السياسي على هذا الموقع وانفاذه على الارض من خلال البلديات.
العرب يفوز بردم الكوستابرافا
تزامن موعد اغلاق مطمر الناعمة – عين درافيل مع اجتماع عقدته لجنة مؤلفة من “مجلس الانماء والاعمار” والاستشاري رفيق خوري لفض الملفات المالية، ودرس عروض الاسعار التي تقدمت بها الاسبوع الماضي الى دائرة المناقصات في “مجلس الانماء والاعمار”، ست شركات للمشاركة في المناقصة المتعلقة بإنشاء وتطوير المطمر الصحي قرب مصب نهر الغدير – الشويفات، والاعمال الهندسية اللازمة للانشاءات بما فيها الانشاءات البحرية. وتبين بحسب معلومات greenarea.info ان جميع الشركات قد تأهلت ملفاتها الادارية والتقنية الى مرحلة فض المغلفات المالية وهي: “إئتلاف مجموعة معوض – إدة” مع “شركة هيدرومار”، “شركة حورية للمقاولات”، “شركة حنا خوري للمقاولات”، إئتلاف “شركة دنش للمقاولات” مع “شركة خوري للمقاولات”، إئتلاف “شركة هيكون” مع “شركة نقولا ابو رجيلي” و”شركة الجهاد للتجارة والمقاولات”.
وبعد ان درست اللجنة الملفات المالية، تبين ان “شركة الجهاد للتجارة والمقاولات” قد تقدمت بالعرض المالي الادنى والبالغ ستة ملايين وخمسمئة واربع وخمسون الف دولار اميركي، تلتها “شركة حورية للمقاولات” التي قدمت سعرا وصل الى 608 مليون دولار اميركي، في حين تجاوز سعر إئتلاف “شركة دنش للمقاولات” مع “شركة خوري للمقاولات” 703 مليون دولار اميركي. ويتوقع ان يعطى امر المباشرة لـ “شركة الجهاد” للبدء بأعمال الردم مطلع الاسبوع المقبل، علماً ان الشركة المذكورة قد بدأت منذ فترة بتحضير المكعبات الاسمنتية اللازمة لاعمال الردم في جبّالات الاسمنت التي تملكها، كما تردد انها ستنقل المكعبات الموجودة في موقع الدالية والتي كان يفترض ان تستخدم لانشاء مرفا الصيادين لصالح وزارة الاشغال العامة، قبل ان تتراجع عن المشروع خدمة لانشاء مشروع عقاري ضخم مملوك من قبل عائلة الحريري، ونقل مرفأ الصيادين من هذا الموقع الذي يطالب البيئيون بالمحافظة عليه نظراً لفرادته واهميته البيئية والسياحية. وسربت معلومات ان “شركة الجهاد” وعدت المعنيين بأن تنجز اعمال انشاء المرحلة الاولى من الحاجز البحري في الكوستابرافا خلال فترة شهر كحد اقصى، الامر الذي يسمح ببدء تجهيز الخلية الصحية لطمر النفايات، في المقابل شككت مصادر بيئية بقدرة اي شركة على تنفيذ هذا العمل ضمن الفترة المحددة، واضعة اكثر من علامة استفهام حول طريقة العمل التي ستتبعها “شركة الجهاد” في هذا الموقع، وما اذا كانت ستشبه تلك التي نفذتها اثناء تأهيل مكب صيدا العشوائي، والتي شابها العديد من الخروقات لبنود العقد ودفتر الشروط.
وفي جميع الاحوال، فإن الشركة ستكون في سباق مع الوقت، نظراً للطاقة الاستيعابية الصغيرة والتي بدأت بالنفاذ لاستخدام المساحة البرية من العقار للتخزين المؤقت للنفايات، والتي بدأت في 4 نيسان (أبريل) الماضي، ويتوقع ان تستنفذ في غضون خمسين يوم، الامر الذي يحتم البحث عن اماكن بديلة للتخزين المؤقت، مع ترجيح امكانية إعادة التخزين المؤقت في منطقة المرفأ الى حين استكمال انشاء الخلية الصحية.
مناقصة مطمر برج حمود – الجديدة
تزامن إعلان إغلاق مطمر الناعمة ايضاً مع نشر “مجلس الانماء والاعمار” اعلان مناقصة تلزيم مركز مؤقت للطمر الصحي في منطقة برج حمود الجديدة – البوشرية – السد، والاعمال الهندسية اللازمة للانشاءات، بما فيها الانشاءات البحرية، وتشبه شروط هذه المناقصة تلك التي أطلقت لصالح تلزيم مطمر الكوستابرافا، حيث حصرت امكانية المشاركة فيها بالعارضين اللبنانيين المؤهلين لتنفيذ مشاريع حماية بحرية (سنسول/كاسر امواج) دون الاشارة الى ان العارض يجب ان يكون مؤهلا لتنفيذ مشروع مطمر صحي. وبحسب معلومات greenarea.info، فإن مجلس الادارة في “مجلس الانماء والاعمار” قد ناقش هذه المسألة، وخلص الى ان انشاء مطمر الناعمة عين درافيل في العام 1997 لم يستلزم حينها وضع شرط ان تكون الشركة الفائزة مؤهلة لانشاء مطمر صحي، وبالتالي، لم يجد مانع من اغفال هذا الشرط في المناقصات الجديدة رغم مرور قرابة عقدين من الزمن! ولقد دفع اغفال شرط الخبرة في انشاء المطامر العديد من الشركات الى الاحجام عن المشاركة في المناقصة، ومن بينها شركة “سوكومي” التي اعلنت انها لن تتقدم الى مناقصة لا تستوفي شرط الخبرة المسبقة بإنشاء المطامر، كذلك لوحظ ان شركات اخرى نفذت مشاريع مطامر مثل “لافاجيت / باتكو” لم تتقدم ايضاً الى مناقصة الكوستابرافا. امر آخر لافت للانتباه في مناقصتي برج حمود والكوستبرافا، وهو ان مجلس الانماء والاعمار سمح للمتعهد الواحد التقدم الى المناقصتين، في حين اشترط التقدم الى مناقصة واحدة من مناقصتي الكنس والجمع والنقل التي اعلن عنها بعد تقسيم بيروت وجبل لبنان الى منطقتين خدماتيين، الاولى تضم بيروت وكسروان والمتن، والثانية تضم بعبدا والشوف وعاليه، الامر الذي يؤشر الى احتمال فوز نفس المتعهد بمناقصة مطمر برج حمود، وهي مناقصة اكبر بكثير من مناقصة الكوستابرافا من حيث حجم المساحة المطلوب ردمها والخدمات المطلوب تنفيذها، حيث تتضمن هذه الخدمات تفكيك وتأهيل مكب برج حمود العشوائي وهو امر كان يفترض ان تطغى فيه الخبرة المرتبطة بمعالجة النفايات عن الخبرة المرتبطة بانشاء مشاريع الحماية البحرية! ويفترض ان تعقد لجنة المناقصات في مجلس الانماء والاعمار جلسة لاعلان الشركات المتقدمة الى مناقصة برج حمود عند الساعة الثانية عشر من ظهر يوم الاربعاء 7 حزيران (يونيو) 2016، على ان تدرس اللجنة المختصة العروض التقنية والادارية، وتعلن في وقت لاحقة الجلسة الثانية لفض العروض المالية واعلان الشركة الفائزة.
تعثر مناقصتي الفرز والمعالجة
أعلن “مجلس الانماء والاعمار” عن مناقصتين لتلزيم أعمال جمع وكنس ونقل النفايات المنزلية الصلبة، ضمن منطقتين خدماتيتين، الاولى تضم بيروت الادارية وقضاءي المتن وكسروان (1600 طن يومياً)، والثانية تضم أقضية بعبدا، الشوف وعاليه (1600 طن يومياً). واللافت للانتباه ان تقسيم المناطق الخدماتية لم يستند الى قرار واضح من مجلس الوزراء، على عكس القرار السابق في العام 2015 الذي حدد المناطق الخدماتية. ومن المقرر ان تفتح المغلفات التقنية والادارية لهاتين المناقصتين في جلسة علنية عند الساعة الثانية عشرة بالتوقيت المحلي لمدينة بيروت، من يوم الإثنين في 6 حزيران (يونيو) 2016، ويصار بعدها الى فض العروض المالية للعارضين الذين يستوفون الشروط الإدارية والفنية المطلوبة في جلسة علنية تحدد اللجنة موعد انعقادها في حينه.
في المقابل، لم يعلن مجلس الانماء والاعمار عن المناقصتين الاهم، والمتعلقتين بإنشاء وتطوير معامل الفرز والمعالجة وتشغيلها. ومعلوم ان ادارة النفايات في بيروت وجبل لبنان ما عدا قضاء جبيل، تستند في المرحلة الحالية الى معملين للفرز في العمروسية – الشويفات والكرنتينا – بيروت، اضافة الى مركز صغير للتسبيخ في منطقة الردم البحري في الكورال – برج حمود.
والسؤال الاهم الذي يطرح: هل سيتضمن دفتر شروط مناقصة الفرز والمعالجة نسبة استرداد 60 بالمئة من النفايات وطمر 40 بالمئة فقط، وفق قرار مجلس الوزراء الصادر في كانون الثاني (يناير) 2015، والذي تم تضمينه في دفتر الشروط السابق للمناقصات التي الغيت نتيجتها في آب (أغسطس) 2015؟ الاجابة عن هذا السؤال يستدعي حكماً ان تتضمن المناقصة انشاء معامل اضافية للمعالجة، ان لجهة التخمير الهوائي للنفايات العضوية، او لجهة انشاء معمل لتحويل النفايات الى وقود بديل RDF، وهذا ما لم يعلن عنه مجلس الانماء حتى اللحظة، لاسباب ترتبط بالقرار السياسي للمرحلة الانتقالية لادارة النفايات التي حددها مجلس الوزراء بفترة اربع سنوات، الى حين اتمام مناقصة تحويل النفايات الى طاقة وانفاذها. بمعنى ادق، ليس من مصلحة القوى السياسية المتحمسة لانشاء المحارق ان تبرهن المرحلة الانتقالية انه بامكان استرداد نسبة عاليه من النفايات قبل الطمر، لان ذلك يلغي حجة اعتماد خيار الحرق باعتباره الخيار الوحيد البديل عن الطمر الذي تعثر في الفترة الماضية بعد اغلاق مطمر الناعمة، اضافة الى ان وجود عقبات سياسية ترتبط بمواقع انشاء وتوسيع مراكز التخمير والوقود البديل (العمروسية او الكرنتينا)، واعتراض القوى السياسية النافذة في كلا الموقعين على اي توسعة او انشاءات جديدة (الطاشناق في برج حمود وحزب الله في العمروسية). والى حين اتضاح دفتر الشروط لمناقصة الفرز والمعالجة ، يتبين ان الاتجاه السائد هو الاستمرار بنفس النهج السابق، اي طمر 85 بالمئة من النفايات، واسترداد 15 بالمئة عن طريقة المواد المعاد تدويرها وتسبيخ رديء في الكورال، اي نفس النهج الذي ادى الى كارثة مطمر الناعمة – عين درافيل!
تأهيل مطمر الناعمة – عين درافيل
مع اعلان الوزير شهيب ان مطمر الناعمة – عين درافيل سيقفل أبوابه، وانه سيتحول الى مساحة خضراء في وقت قريب. وأعلنت شركتا “سوكلين” و”سوكومي” عن إنجازهما للأعمال الموكولة إليهما من رفع النفايات من مطمر الناعمة ونقلها وطمرها وضمن المهل المحددة من الحكومة اللبنانية (901 الف طن دخلت خلال شهرين عبر 32368 نقلة شاحنة). وأكّدت شركة “سوكومي” أن الأعمال في موقع مطمر الناعمة الصحي، بعد تاريخ 18 أيار (مايو) 2016، ستقتصر على أعمال الصيانة الضرورية التي تتطلبها مرحلة ما بعد الاقفال، بالإضافة الى الأعمال التقنية الفنية المتعلقة برفع قدرة توليد الطاقة الكهربائية من 0.5 ميغاواط الى نحو 7 ميغاواط، وكذلك الأعمال الهندسية المدنية المتعلقة بمرحلة التغطية النهائية، وتحويل الموقع الى مساحات خضراء، بحسب ما نصت عليه العقود الموقعة مع الحكومة اللبنانية.
ووفق رئيس “مجلس الانماء والاعمار” نبيل الجسر، فإن مهمة معالجة المطمر “تقع على عاتق شركة سوكومي وفقاً للعقود الموقعة معها، وقد جرى حجز جزء من مستحقاتها حتى تنفيذ هذا البند”. وحصل موقع greenarea.info على نسخة من كتاب موجه من الجسر الى الاستشاري “لاسيكو” المشرف على اعمال الطمر في الناعمة، يفيد ان بالاستناد الى المادة 26 من العقد رقم 2315 الموقع بتاريخ 19 كانون الثاني (يناير) 1998 بين “مجلس الانماء والاعمار” و”شركة سوكوم الدولية”، يتوجب على المتعهد عند انتهاء مدة العقد اعادة الموقع بعد تغطيته حسب المواصفات الفنية الواردة في العقد. وبناء عليه طلب من “لاسيكو” الايعاز الى المتعهد “سوكومي” تنفيذ اعمال التغطية والتغليف لمطمر الناعمة. وبالاضافة الى اعمال التغطية والتغليف تنفذ سوكومي عقد انشاء معمل توليد الطاقة الكهربائية الذي يفترض ان يبصر النور في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ويصل انتاجه الى 6 ميغا واط يفترض ان توزع مجاناً على القرى المحيطة بالمطمر، وذلك بناء على قرار سياسي، ودون الاستناد الى نص قانوني يلزم شركة كهرباء لبنان بانفاذه.
الحوافز ومناقصة تحويل النفايات الى طاقة
لم يسلك قرار تكليف وزيري المالية والداخلية والبلديات إعداد مشروع قانون للحوافز، تعطى للبلديات التي تقع في نطاقها معامل الفرز والمعالجة والمطامر الصحية طريقه الى التنفيذ، على غرار جميع القرارات السابقة التي بقيت حبراً على ورق، كما لم تعد وزارة المالية مرسوما بدفع /8/ مليون دولار اميركي للعام 2016 قابلة للتمديد بقرار من مجلس الوزراء، لكل من البلديات التالية التي تقع في نطاقها المعامل والمطامر، وذلك ريثما يقر القانون، وهي: برج حمود، الجديدة – البوشرية – السد، الشويفات، برج البراجنة، اضافة الى المنطقة الخدماتية الثانية (الشوف وعاليه). كما لم تعد وزارة المالية مرسوما لدفع مبلغ 6 دولار اميركي عن كل طن من النفايات المتراكمة التي تصل الى معمل الناعمة تحسم من مستحقات البلديات المستفيدة في الصندوق البلدي المستقل، كذلك لم تعد المراسيم المتبقية لتطبيق القانون رقم 280/2014 المتعلق بالحوافز المالية للبلديات المحيطة بمطمر الناعمة. وتقول مصادر وزارتي الداخلية والمالية ان مراسيم الحوافز المالية لن تطرح قبل انتهاء الاستحقاق البلدي الانتخابي. مقررات عديدة اخرى تضمنتها جلسة 12 آذار (مارس) لا تزال هي الاخرى حبراً على ورق، خصوصاً تلك المتعلقة بـ “الحل المستدام”، لا سيما لجهة البدء بتطبيق مراحل الفرز من المصدر، وتفعيل دور اللجنة الفنية المركزية برئاسة وزير الداخلية والبلديات وعضوية الوزارات وهيئات الامم المتحدة والمجتمع المدني، مهتمها مساعدة البلديات والمراقبة على تنفيذ الحلول المقترحة، ولقد اجتمعت هذه اللجنة مرة واحدة، وهو امر اثار حفيظة “حزب الكتائب”، وعلم موقع greenarea.info ان وزير الاقتصاد آلان حكيم وجه كتاباً بهذا الخصوص الى الوزير نهاد المشنوق دون ان يتلقى جواباً حتى الآن.
كما يبدو ان الحكومة قد غضت الطرف مؤقتاً عن بدء الاجراءات التنفيذية لتلزيم مشاريع تحويل النفايات الى طاقة، حيث اعلن مجلس الوزراء في الجلسة التي عقدت في 27 نيسان (ابريل) الماضي، عن تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة لدراسة دفتر الشروط العائد للمحارق المتعلقة بمعالجة النفايات، ما يعني عملياً نسف كامل للجدول الزمني الذي سبق واعلن عنه “مجلس الانماء والاعمار” لإطلاق مناقصة المحارق في 11 تموز (يوليو) 2016.