يحضر على جدول اعمال مجلس الوزراء، الخميس المقبل، ملف النفايات الملتهب منذ ازمة اغلاق مطمر الناعمة – عين درافيل في تموز (يوليو) ٢٠١٥. وبعد ان اوحت الحكومة ان شهر أيار (مايو) ٢٠١٦ سيكون شهر اطلاق مناقصات النفايات في بيروت وجبل لبنان، تكشفت معطيات بالغة الاهمية عن ان هذه المناقصات لن تبصر النور مطلع الاسبوع المقبل، وفق الروزنامة المحددة من قبل “مجلس الانماء والاعمار”.
في السياسة يستعد وزراء حزب الكتائب الى شن هجوم غير مسبوق على هذه المناقصات، وطريقة ادارتها ودفاتر الشروط التي حددت مسارها، وهو ما كان قد عبر عنه بشكل واضح رئيس الحزب النائب سامي الجميل، في مؤتمر صحفي عقده قبل اسبوع، حين بشّر “الحكومة والقيمين على “مافيا” النفايات أن (الكتائب) عائدة إلى المواجهة وخوض المعركة، فنحن لن نسمح لكم بسرقة المزيد من المال العام”. كاشفاً أن “هناك من يريد حصر كل المناقصات بيد مجلس الانماء والإعمار المتهم بأنه مسؤول عن التسبب بأزمة النفايات”، مشيراً إلى أن “دفاتر الشروط لم تعد تصل إلى مجلس الوزراء وهذا مخالف للقانون”.
وفي السياق نفسه، ادرج على جدول اعمال مجلس الوزراء بند يتعلق بإعادة النظر بالمناقصة التي اعلن عنها “مجلس الانماء والاعمار”، والمتعلقة بتلزيم مركز مؤقت للطمر الصحي في منطقة برج حمود الجديدة – البوشرية – السد، والاعمال الهندسية اللازمة للانشاءات، بما فيها الانشاءات البحرية. ويفيد مصدر واسع الاطلاع ان المطروح في الجلسة تعديل هذه المناقصة لتصبح مناقصتين، الاولى تتعلق بردم البحر، اي الاعمال الهندسية البحرية اللازمة لإنشاء مساحة برية قابلة للاستخدام كمطمر، والاخرى تتعلق بتأهيل مكب برج حمود وانشاء المطمر الصحي على المساحة المردومة. وبناء عليه، وفي حال اقر هذا البند في الجلسة، فإن “مجلس الانماء والاعمار” سيكون ملزماً بالاعلان عن إلغاء هذه المناقصة التي كان من المفترض ان يخصص لها جلسة لاعلان الشركات المتقدمة عند الساعة الثانية عشر من ظهر يوم الثلاثاء 7 حزيران (يونيو) 2016، على أن تدرس اللجنة المختصة العروض التقنية والادارية، وتعلن في وقت لاحق الجلسة الثانية لفض العروض المالية واعلان الشركة الفائزة. ومن المقرر ان يتخذ “مجلس الانماء والاعمار” قراره النهائي حول هذه المسألة صباح يوم الجمعة.
في المقابل ابلغ “مجلس الانماء والاعمار” رسمياً جميع الشركات المتقدمة الى مناقصتي الكنس والجمع، والتي كان من المفترض ان تعلن نتيجتها عند الساعة الثانية عشر من ظهر يوم الاثنين المقبل نيته تمديد المهل لغاية ٢٠ حزيران (يونيو) ٢٠١٦. التأجيل الجديد مرده، بحسب مصدر متابع للملف، الى كتاب تسلمه المجلس من محافظ مدينة بيروت عبر وزارة الداخلية والبلديات، يعلن فيه نية المجلس البلدي للعاصمة الانفصال التام والنهائي عن المناقصات المركزية التي تجريها الحكومة عبر “مجلس الانماء والاعمار”، على ان يطلق في اقرب وقت مناقصة محصورة بمنطقة بيروت الادارية. لا يعتبر قرار بلدية بيروت، التي يفترض ان يجتمع مجلسها البلدي يوم الاثنين المقبل للبحث في المسألة مفاجئاً، اذا سبق واعلن المجلس المنتخب في برنامجه الانتخابي، ان احدى المهام الاساسية التي سيسعى الى استلامها هي ادارة النفايات المنزلية الصلبة، وذلك انطلاقاً من قناعة المجلس، ان بمقدور بلدية بيروت التي تمتلك وفراً مالياً في حسابها لدى مصرف لبنان ان تطلق هذه المناقصة وتمولها، وبالتالي، ان تعزل نفسها مستقبلاً عن اي ازمة نفايات تصيب الضواحي واقضية جبل لبنان، خصوصاً بعد ازمة اغلاق مطمر الناعمة وما نتج عنها من كارثة صحية وبيئية غير مسبوقة، بعد ان تكدست النفايات في الطرقات.
وعلم موقع greenarea.info ، ان محافظ بيروت كان قد ارسل كتاباً رسمياً الى برنامج الامم المتحدة الانمائي UNDP يطلب فيه المشورة التقنية لاعداد دفاتر شروط جديدة تضمن الحل التكاملي لادارة النفايات، خصوصاً وان البلدية يقع في نطاقها العقاري معمل فرز النفايات في الكرنتينا، كما تبين وفق خرائط النطاق العقاري لبيروت، ان معمل تسبيخ المواد العضوية في منطقة الردم البحري في الكورال، تقع ايضاً ضمن نطاق بلدية بيروت، على عكس ما كان يروج سابقاً انه يقع ضمن النطاق العقاري لبلدية برج حمود.
وبناء عليه، شرع برنامج الامم المتحدة الانمائي UNDP، بإعداد تصور كامل لادارة النفايات في العاصمة التي تنتج يومياً قرابة ٧٥٠ طناً من النفايات، يضمن الكنس والجمع والنقل الى مركز الفرز في الكرنتينا، ويقترح الـ UNDP توسعته وتغيير طريقة عمله بالكامل، بحيث يجري فرز النفايات بطريقة آلية ضمن ما يعرف بتنقية المعالجة البيولوجية المكانيكية BMT، وبذلك يتحول مركز الكرنتينا الى مرفق لمعالجة النفايات، يضم وحدة آلية لفرز النفايات، ووحدة للمعالجة البيولوجية للنفايات عن طريق الهضم اللاهوائي (Anaerobic digestion)، على ان يتم انشاء محرقة صغيرة في الكورال لمعالجة النفايات ذات القيمة الحرارية، اضافة الى حرق بقايا المواد العضوية ذات الدرجة المتدنية، والتي لا تصلح للاستخدام في تحسين التربة الزراعية، على ان يتم ادارة الرماد المتطاير الناتج عن المحرقة، عن طريق صبه في مكعبات باطون وتخزينه في عقار تملكه البلدية في نفس المنطقة، ويصلح للتخزين لفترة تمتد لاكثر من ٢٥ عاماً، وبذلك تكون الخطة الجديدة قد راعت وفق تصور الـ UNDP، عدم وجود مطمر للنفايات، وهي المشكلة الاساسية التي كانت تعيق فصل بيروت عن بقية المناطق.
ومعلوم ان هذه الطرق من المعالجة ينتج عنها طاقة كهربائية تكون كافية لتشغيل المعامل، ويمكن ان يستخدم الجزء المتبقي منها عبر وصله على شبكة الكهرباء العامة، عن طريق محطة توزيع، او عبر وصله بمحطات التوليد الكهربائي القائمة حالياً. وليس معلوماً بعد كلفة هذا المشروع، لكن مصادر تؤكد ان الـ UNDP وافق على اعداد الدراسة التقنية والمالية للمشروع، واشترط ان لا يكون جزءاً من التنفيذ الذي يفترض ان يتم عن طريق اطلاق مناقصة علنية.
ويعد خروج بيروت من المنطقة الخدماتية التي حددها “مجلس الانماء والاعمار” وضمت ايضاً كسروان والمتن نسفاً للمناقصة السابقة، التي تضمنها احد اهم بنود مقررات جلسة مجلس الوزراء المتعلقة بملف النفايات، التي عقدت بتاريخ ١٢ آذار (مارس) ٢٠١٦. وبذلك تكون المحصلة النهائية حتى الآن لهذه الجلسة الشهيرة، انشاء موقع الردم والطمر في منطقة مصب نهر الغدير في الشويفات (الكوستابرافا)، والتي فازت بمناقصتها “شركة الجهاد للبناء”، بكلفة بلغت ٦٥ مليون دولار، هي البند الوحيد الذي طبق من قرار مجلس الوزراء، اضافة الى قرار طمر النفايات المتراكمة في مطمر الناعمة – عين درافيل.
واضافة الى تأجيل مناقصتي الكنس والجمع ومناقصة مطمر برج حمود،لم يعلن “مجلس الانماء والاعمار” عن المناقصتين الاهم، والمتعلقتين بإنشاء وتطوير معامل الفرز والمعالجة وتشغيلها. ومعلوم ان ادارة النفايات في بيروت وجبل لبنان، ما عدا قضاء جبيل، تستند في المرحلة الحالية الى معملين للفرز في العمروسية – الشويفات والكرنتينا – بيروت، اضافة الى مركز صغير للتسبيخ في منطقة الردم البحري في الكورال – برج حمود.
وبناء عليه بدأت الصورة تتكشف أكثر لجهة ما ستؤول اليه الامور وفق السيناريو الحالي، اذ من المتوقع ان تستمر اعمال التخزين المؤقت في برج حمود والكوستابرفا لفترة محدودة، وان يستمر تكدس النفايات في شوارع مدن وقرى قضاءي الشوف وعاليه التي لم تنقل الى اي مركز للتخزين المؤقت حتى اللحظة، ولم يتم الاتفاق على مطمر مخصصاً لها. وكشف وزير الزراعة اكرم شهيب لـ greenarea.info انه تقدم الى مجلس الوزراء بطلب لاقرار ثلاث مواقع للتخزين المؤقت، واحد في اقليم الخروب، والثاني في الشوف الاعلى والثالث في قضاء عاليه، وترك للبلديات تحديد العقارات التي ستنقل اليها النفايات، والتي باتت تمثل كارثة صحية وبيئية تشبه تماماً مشهد تموز (يوليو) ٢٠١٥، خصوصاً في البلديات التي لم تعمد الى خيار الحرق والرمي العشوائي. كما يدرس شهيب من بلديات القضاءين امكانية اطلاق مناقصة لتلزيم معمل للمعالجة، بقدرة ٦٥٠ طن، تكون كافية لاسترداد اعلى نسبة من النفايات، على ان يتم الاتفاق على طمر الكمية الباقية بالاتفاق بين اتحادات البلديات.
في المحصلة، يتوقع ان يتجاوز مجلس الوزراء عقبة مناقصة برج حمود، لكنه بالتاكيد لن يقر اي مناقصة لانشاء معامل جديدة، او تاهيل المراكز الحالية، وبذلك يكون قد حافظ على نفس نسبة الاسترداد المتدنية للنفايات، اي ١٥ بالمئة من اجمالي الكمية، وقرر عن سابق اصرار ان يطمر ما لا يقل عن مليون طن من النفايات سنوياً، في الموقعين المقررين في برج حمود والشويفات، ما يعني ان الخطة الجديدة التي ولدت متعثرة، لن تكون قابلة للاستمرار لاكثر من عام ونصف العام على ابعد تقدير، علماً ان الشركات التي تتولى حالياً اعمال النقل والمعالجة والتخزين المؤقت والمراقبة، سوف تستمر في عملها الى اجل غير مسمى تحت بند تسيير مرفق عام.