لعبت الحراج في سوريا ولا تزال، دوراً هاماً من النواحي البيئية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، إلا أن عوامل سوء الإدارة والحرائق والرعي الجائر، أدت إلى تدهور جزء من هذه الثروة الحراجية القومية، وتقلص رقعتها وانخفاض تأثيرها الإيجابي، بالرغم من وجود قانون للحراج قديم، صادر بالمرسوم التشريعي رقم /66/ لعام 1953، ويتألف هذا القانون من سبعة أبواب و115 مادة. والواضح من خلال تاريخه أنه قديم في مفاهيمه ومصطلحاته، وعقوباته ليست صارمة، ويعتمد على المفهوم الاقتصادي للحراج فقط، ولا يعرف معنى كلمة محمية، فمثلاً المادة /107/ تنص (يُعاقب كل من خالف أحكام المادة /86/ والفقرة /1/ من المادة /93/ من هذا القانون، على أن لا تقل الغرامة المحكوم بها عن مئة ليرة سورية عن كل دونم، أو جزء من الدونم من الأرض المكسورة).
إن الحاجة إلى الثروة الحراجية بفوائدها ووظائفها المتنوعة، ستزداد مع ازدياد عدد السكان في سوريا، ولهذا السبب فإن المحافظة على هذه الثروة، وعلى تنميتها تنمية مستدامة، أصبحت من المواضيع ذات الأفضلية الأولى في نطاق صيانة الموارد الطبيعية المتجددة في الجمهورية العربية السورية، وهذا يتطلب التوفيق بين الدور الاقتصادي للغابات وبين دورها البيئي، أي أنه من الضروري اعتبار الخصائص البيئية جزءاً لا يتجزأ من السياسة الاقتصادية والتخطيط الشامل والمتكامل لاستغلال الموارد الطبيعية المتجددة.
وهذا ما حدا بالحكومة السورية، وخصوصا بعد (حضور مؤتمر قمة الأرض عام 1992)، إلى إصدار قانون جديد للحراج متشدد بالعقوبات الرادعة، من منطلق الحماية والوقاية، وهو قانون الحراج الحالي رقم /7/ لعام 1994، بحيث يحق لوزير الزراعة والإصلاح الزراعي إنشاء أي محمية بقرار رسمي.
إضافة إلى العقوبات المتشددة، وتصل حتى 15 سنة سجن، وخصوصا المادة /38/ الفقرة /أ/، والتي تقول أن كل من أضرم النار بأي وسيلة كانت بقصد إضرام حريق في الحراج أو الأراضي الحراجية أو المحميات الحراجية أو مناطق الوقاية، يُعاقب بالاعتقال المؤقت مدة لا تقل عن عشر سنوات. أما في الفقرة /ب/ فيزاد على العقوبة الواردة في الفقرة السابقة /أ/ نصفها، إذا أصيب من جراء إضرام النار على الوجه المبين فيها إنسان بعاهة دائمة.
إن المبدأ الأساسي الذي يجب أن تعتمد عليه أي استراتيجية من أجل تنمية مستدامة، تتلخص بإدخال البعد الاجتماعي الذي يرتبط مع الدور الاقتصادي والدور البيئي للغابات، وذلك من خلال إجراء التحاليل والدراسات الاجتماعية التي تقوم بوصف وتحليل التأثيرات المتنوعة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والثقافية للسياسة الحراجية، من خلال انعكاس كلفة الخطط الإدارية والاستثمارية في حياة السكان القاطنين ضمن المناطق الحراجية، بحيث يستفيدون من الوظائف والفوائد المتنوعة للحراج، وفي الوقت نفسه يساهمون بفاعلية في وضع الخطط الإدارية للغابات، الإنتاجية والوقائية.
بالفعل شُكلت لجنة وطنية من كافة الجهات المعنية، وبمشاركة الجامعات، لتحديث القانون رقم /7/ لعام 1994، بحيث يتضمن إدخال البعد الاجتماعي للقطاع الحراجي، جنباً إلى جنب مع البعدين الاقتصادي والبيئي، وقد نتج عنها القانون رقم 25 لعام 2007.
ومن الجدير بالذكر هنا، أنه بالرغم من أن السياسة الحراجية الحالية كما تفهم من قانون الحراج تعتبر أساساً في حماية الثروة الحراجية، إلا أنه لا بد من تواجد سياسة حراجية واضحة وطنية معلنة رسمياً، تأخذ بالحسبان كافة العناصر والفوائد والوظائف لهذه الثروة على المستوى الوطني، والتي يجب أن تتضمن:
1-الاعتراف بمفهوم التنمية المستدامة للغابات، وبمفهوم المردود المستدام والإنتاج الخشبي المتنوع وغير الخشبي.
2-الاعتراف بحق المواطنين بالمشاركة في صياغة السياسة الحراجية.
3-الانتباه إلى الحد من التأثير السلبي على الغابات من سياسات قطاعات الزراعة وتربية الحيوان والصناعة والطاقة واستخراج المعادن والمقالع الحجرية.
4-تصنيف الغابات إلى غابات إنتاجية وغابات وقائية، وغابات متعددة المنافع وغابات سياحية ومحميات.
5-تطوير البحوث الحراجية والإرشاد الحراجي، بما يتلاءم مع التنمية المستدامة للثروة الحراجية.
6-توفير الإمكانات لمراقبة مستمرة وتقييم متواصل للثروة الحراجية.
7-إجراء تقييم مسبق للآثار البيئية والاجتماعية لكافة المشاريع الحراجية والمشاريع الأخرى التي ستقام ضمن المناطق الحراجية.
8-تطوير الاستفادة من منتجات الغابة، بحيث لا يكون ذلك على حساب سلامتها وديمومتها.
وما زلنا بانتظار انتهاء الأزمة في سوريا، لتفعيل القانون بالاتجاه العلمي السليم، حتى نستطيع أن نرمم ونعيد تراثنا الطبيعي إلا عهده السابق.