وأخيراً أصبح لصيادي مدينة صور مقراً وملاذا، هم روح المدينة وقلبها، وذكريات لفَحَتْها الشمس، تعبٌ روى البحرَ بعرق جباههم، وأدعية تغدق الخيرات في شباكهم، مع هدوء الموج وعاتيات العواصف، هم الذين شقوا العُباب من أجل لقمة عيش مخضبة بروح المغامرة والمخاطرة، من أجل القليل من رزقهم، والكثير لبكثير من كرامة وعنفوان.
مبنى جديد لـ “نقابة الصيادين في صور” ارتفع على رصيف مينائها، وهو مشروع حيوي تنموي، واجه في البداية بعض العراقيل ومعوقات عديدة، فكانت ثمة اعتراضات من قبل “اللجنة الدولية لحماية صور”، لما اعتبرته تشويها للمرفأ الفينيقي وردم أجزاء منه، وأنه يتناقض مع مبدأ الحفاظ على المواقع الأثرية، ويهدد مكانة المدينة المصنفة من قبل “لجنة التراث العالمي” في اليونسكو وإمكانية شطبها عن لائحة “التراث العالمي”.
جزء من المسار الثقافي للمدينة
فيما أكدت بلدية صور من جهة ثانية، الحاجة إلى إعادة بناء هذا المركز بمواصفات تختلف تماما عن البناء القديم، تراعي طابع المكان، وبشكل ينسجم مع الواجهة البحرية، وانطلق العمل فيه من ضمن المرحلة الثانية من “مشروع الإرث الثقافي” الممول من “البنك الدولي” و”وكالة التنمية الفرنسية”، بإشراف “مجلس الانماء والاعمار”، وقد أبصر النور ليؤمن لاصحاب هذه المدينة خدمات جمة، ويوفر مناخا عصريا متطورا ومنسجما مع طبيعة الموقع، بالتالي بات جزءا من المسار الثقافي للمدينة.
وإلى جانب إنشاء المبنى الجديد، فقد تم تأهيل منطقة مرفأ الصيادين، أي الحوض ومكوناته، إنشاء سوق جديد للسمك، مشغل لبناء وترميم المراكب، مستودعات للصيادين، قاعة اجتماعات، مقهى للصيادين فضلا عن مكتب خاص بالنقابة.
دبوق: تراث غير مادي
وفي هذا السياق أكد رئيس بلدية صور المهندس حسن دبوق لـ greenarea.info على “أهمية مركز الصيادين في المدينة لما سيكون له من أدوار كثيرة”. وقال: “هناك أولا دور اجتماعي، فالمركز سيسهل عملية التقاء وتواصل الصيادين مع بعضهم البعض، ويساهم في عملية تواصلهم الاجتماعي، وأيضا التواصل بين مكونات مجتمعهم بمختلف مكوناته، كنقطة التقاء وتفاعل”.
وأضاف دبوق: “تاليا هناك دور اقتصادي يعود بالمنفعة العامة، وبشكل خاص بالنسبة للصيادين، فهذا المشروع سيؤمن سوقا خاصا بالصيادين، أسوة بباقي الموانئ في العالم”، وشدد إلى أن “هناك أيضا دورا تراثيا غير مادي، لأن الصيادين يمارسون مهنتهم التقليدية فيه، من حبك الشباك وإصلاحها، تجهيز الادوات وتحضير الطعوم الخاصة بالصيد”.
وختم دبوق لافتا إلى أن “المركز تم استكماله بعدما وافقت اليونسكو عليه مع بعض التعديلات التي تم الأخذ بها جميعا”.
موافقة اليونيسكو
وأشارت المنتدبة من “مجلس الانماء والاعمار” إلى بلدية صور سارة السوقي إلى أن “المشروع واجه مخاضا عسيرا بعد معارضة بعض المواطنين والصيادين، مع العلم أنه تم الأخذ بعين الاعتبار مطالبهم، وكانوا معنيين بمتابعة المشروع من خلال اجتماعات لتقريب وجهات النظر، حتى انه في بعض الاحيان كان يتم تنفيذ ما يطلبه المستفيدون من المشروع”.
واضافت بأن “المجلس واجه أيضا دعوى قضائية ردت لانتفاء الادعاءات، مما تسبب في وقف الاعمال فيه عدة مرات”، وقالت السوقي “تم الموافقة من قبل اليونيسكو، وتم تعديل الخرائط المتعلقة بالمبنى، ومراعاة الطبيعة التراثية للواجهة البحرية وتقليص مساحة البناء، وكذلك استعمال بعض المواد الاكثر ملاءمة لطبيعة المكان”.
نقيب الصيادين: حلم تحقق
وإذ أكد الصياد سعيد بحر أن “هذا المركز فيه كرامتنا وهو عبارة عن تقدير للتعب الذي نبذله، والمحافظة على هذه المهنة”، أشار زميله علي دايخ أنه “بعد اليوم لن يكون مصدر رزقنا رهينة السماسرة والوسطاء، وسنسوق إنتاجنا بما يحفظ جهدنا”.
وقال “نقيب الصيادين في مدينة صور” خليل طه لـ greenarea.info: “ان هذا المركز كان يثمل حاجة ضرورية لنا كصيادين، وهو من الانجازات التي قامت بها البلدية مع مجلس الانماء والاعمار وجهات دولية مانحة”، مشيرا الى ما “وفره هذا المركز النموذجي من كافيتيريا للصيادين ومكتب نقابي وسوق للسمك، وثلاجات وبرادات للاسماك”.
وأكد طه ان “إقامة سوق سمك كان بمثابة حلم للصيادين وقد تحقق، فمع هذا الانجاز يستفيد الصياد من بيع اسماكه في المزاد العلني، ما يعود عليه بمنفعة اقتصادية اكبر، كما ان هذا المبنى جاء بعد معاناة طويلة في مبنى قديم كان آيلا للسقوط في أية لحظة”، ونوه بما “نفذ في اطار المشروع من تنظيف للميناء وترتيب للالسنة وبناء 34 غرفة وصناديق خشبية لتوضيب عدة الصيادين، وانشاء ثلاثة مسارب لتبديل مياه الميناء”.
وأشاد طه “بوضع المشروع دفاعات للموج، خصوصا بعد الضرر الذي سببه البناء العشوائي في المرفأ التجاري”، خاتما “انها كلها إنجازات تصب في مصلحة الصيادين والسياح والمواطنين”.