الخامس من حزيران (يونيو)، يوم البيئة العالمي، في هذه المناسبة تستحق حكومتنا “عفارم” مفخَّمة، فهي بدون عناء يذكر نقلت بيئة لبنان إلى العالمية، وهذا إنجاز لا يجاريها فيه أي من حكومات الدول المتقدمة أو النامية أو ضعيفة النمو.
حكومة لبنان جعلت من نفاياتنا مادة بارزة في الوسائل الإعلامية العالمية، ولا تزال تتناقل وكالات الأنباء، الأكثر انتشارا في العالم، صوراً لـ”نهر النفايات الأبيض” في شوارع بيروت، وينتشر فيديو “سيل النفايات” في مشهد سوريالي تفرَّد به لبنان على مدى التاريخ القديم والحديث.
انفردت حكومة لبنان بـ”التكلُّس” الذي أصابها حيال تراكم النفايات في شوارع العاصمة والمدن والبلدات والهضاب والتلال والسهول والباحات والساحات، والأرصفة وتحت الجسور وفي كل الأماكن التي تخطر أو لا تخطر على بال. لم يسبقها أحد في العالم إلى هذا الإنجاز – الإعجاز حتى حققت رقما قياسيا عالميا في عدد المزابل العشوائية في العالم.
وانفردت حكومة لبنان في “بلادة” تعاطيها مع هذه الكارثة البيئية والصحية التي أوصلت البلد إليها، وتباطأت وتمهَّلت وتمادت في هدر الوقت، ولم يستعجلها لا روائح، ولا غازات حرق عشوائي، ولا انتشار الذباب والبعوض، ولا مخاطر انتشار الأمراض والأوبئة، ولا الدراسات العلمية التي ألقت الضوء على المخاطر الصحية والبيئية، وحذَّرت منها تحذيرا شديدا وجدِّيا، ولم يسبق لحكومة في العالم أن تعاملت بهذه الخِفَّة مع كارثة بهذا الإتساع والإمتداد والأثر. وحقَّق وزراؤها المعنيُّون أرقاما قياسية بالبلادة والإستهتار، حتى وصل بأحدهم تعميم النصح باستخدام الكمَّامات لمواجهة إجتياح البعوض الناقل للأمراض لأحياء العاصمة.
حكومة لبنان أصبحت موضوع وكالات الأنباء العالمية، وموضوع وسائل التواصل الإجتماعي وطنيا وعربيا وعالميا، وحقَّقت صور زبالة لبنان انتشارا لم تحقِّقْه برامج الإشهار والدعاية لوزارات السياحة في أكثر البلدان رواجا وشهرة. وتحوَّلت إلى موضوعٍ لسخرية الإعلام والثقافة والفنون.
حكومة لبنان نقلت بيئة لبنان إلى العالمية في تجاهلها وانتهاكها للإتفاقيات الدولية الموقِّعة عليها. فهي ذهبت بعيدا في تجاهل وانتهاك إتفاقية “بازل” بشأن نقل النفايات عبر الحدود، وتمادت في محاولاتها لتمرير موضوع “ترحيل” النفايات إلى بلدان أخرى بتعارض كامل مع إجراءات اتفاقية بازل، ومن وراء مؤسَّساتها المسؤولة، ولا سيما سكرتارية إتفاقية بازل في جنيف. ولجأت، عبر شركاتٍ غير ذات اختصاص، إلى محاولة إسقاط صلاحياتها ومسؤولياتها وتجييرها لشركة “شينوك”، التي أمعنت السير في الطريق الخاطىء، وذهبت بعيدا في تزوير وثائق نقل النفايات والتخلص منها وفق إلتزامات وإجراءات إتفاقية بازل. كنا شهودا على وثيقة موافقة مزوَّرة من سيراليون، ووثائق مزوَّرة من روسيا، وهذا ما شكَّل فضيحة عالمية تناقلتها وسائل إعلام عالمية، وتابعتها أجهزة قضائية في عدد من بلدان العالم.
وما لم يتم نشره بعد، معلومات مؤكدة على أن شركة “شينوك” كانت قد قامت بمحاولات واسعة لتحضير موافقات مزوَّرة من عدد كبير من الدول، ومنها على وجه الخصوص لا الحصر جمهورية جنوب إفريقيا والصومال. إضافة إلى المحاولات التي فشلت قبل الإرتقاء إلى تحضير وثائق مزوَّرة، مثل أنغولا، والكونغو كينشاسا، والجزء المحتل من قبرص أو ما يسمَّى “قبرص التركية”.
فضائح مدوِّية جعلت من لبنان موضوعا للسخرية و”البهدلة” في كثير من منتديات العالم، ولا سيَّما المهتمَّة بتطبيق الإتفاقيات الدولية، وخصوصا إتفاقية بازل، ومكافحة الإتجار غير المشروع بالنفايات عبر العالم.
حكومة لبنان، أمعنت في تماديها بتجاهل وخرق الإتفاقيات الدولية عبر رفسها بالأقدام لإتفاقية “برشلونة بشأن حماية البحر المتوسط من التلوُّث”، وكل بروتوكولاتها المتعلِّقة بالحدِّ من تلوُّث البحر من مصادر أرضية، من مكبات للنفايات والصرف الصحي غير المعالج والنفايات السائلة الصناعية والتسرُّبات المحتملة من المنشآت النفطية.
حكومة لبنان، وجدت في كارثة النفايات، التي سبَّبتها سياساتها الخرقاء في التعامل مع هذا الملف، صفقة دسمة لردم البحر واستحداث ما تسميه زورا “مطامر صحية” في المساحات المردومة من البحر على شواطىء الكوستابرافا وبرج حمود والجديدة، استمرارا لردم البحر في النورماندي وضبية، ومؤخرا في صيدا، بحجة معالجة مكبات عشوائية للنفايات أو حجج أخرى، ولمصادرة الأملاك العامة البحرية ووضع اليد عليها.
حكومة لبنان تتجاهل كلِّيا كل التوجُّهات العلمية والحديثة والعقلانية لوضع استراتيجة للإدارة المتكاملة للنفايات، سليمة بيئيا وآمنة صحيا ومعقولة الكلفة، وتمادت في استخدام ملف النفايات لتحقيق الصفقات المشبوهة على حساب بيئة لبنان وصحة شعبه وماله العام.
في هذا العام بالذات، الذي نقلت فيه حكومة لبنان كوارثه البيئية إلى مصاف الأحداث العالمية، كان شعب لبنان بقواه الحيَّة ينظِّم حملات الإحتجاج، ويطرح الحلول والمعالجات العقلانية، ويجهد لتقديم نماذج لإدارة سليمة للنفايات في العديد من البلدات والقرى، وفي العديد من الجمعيات البيئية الناشطة. لم تهدأ حركة الإحتجاجات المعارضة لسياسات الحكومة، ولم تملّْ من تقديم الخطط البديلة، ولكن حكومة لبنان لا تستجيب لصوت العقل، وتتمادى في سياسة الصفقات على حساب كل شيء. وهي مغرقة في تماديها بالسير قدما نحو عالميةٍ تجعل من لبنان مسخرةً بيئية لا شبيه لها على وجه الأرض.