فيما يدعي الحفاظ على البيئة وحمايتها، يستمر الكيان الإسرائيلي المحتل في ممارسات ليست بعيدة عن سلوكه اللاإنساني حيال الشعب الفلسطيني، فإن عجز عن قتله بالسلاح، فنراه يعمد إلى قتله ببطء من خلال تصدير نفاياته الكيميائية الخطرة إلى قراه ودساكره، بعيدا من أية معايير أخلاقية وإنسانية، ضاربا عرض الحائط القوانين والمواثيق الدولية.
وفي هذا المجال، أكدت بعثة دولية لتقصي الحقائق الشهر الماضي أن سلطات الاحتلال الاسرائيلي تتقصد تلويث المصادر المائية والبيئية والزراعية الفلسطينية، وأصدرت تقريرا وثقت فيه انتهاكات إسرائيل للبيئة الصحية في فلسطين، وعزت ذلك إلى الاستمرار في تصنيع واستخدام المبيدات المحرمة دولياً، وإلقاء مخلفاتها الكيماوية والسامة داخل القرى الفلسطينية، وتلويثها للمصادر المائية والبيئية والزراعية.
وسينشر تقرير البعثة على المستوى الدولي، وصولا إلى توجيه لائحة اتهام ضد الاحتلال الإسرائيلي، خصوصا بعد عرض التقرير على اجتماع المقررين الخاصين للأمم المتحدة، والذي سيعقد خلال الشهر الجاري، للاطلاع على حجم الكارثة البيئية والزراعية والصحية التي يتسبب بها الاحتلال للشعب الفلسطيني.
وفي سياق متصل، ومنذ أسابيع عدة، يعيش أهالي بلدة عرابة جنوب جنين في الضفة الغربية حالة من القلق، مع انتشار روائح كريهة مصدرها مكبّ “زهرة الفنجان”، يومها، أكّدت مصادر مطّلعة لوكالة “صفا” الفلسطينيّة أنّ الأجهزة الأمنية الفلسطينية، واستناداً إلى الأدلة المستمرة، نفذت حملة اعتقالات طاولت عاملين واداريين لتورطهم في تهريب وإدخال وطمر نفايات خطرة من مخلّفات المستوطنات الإسرائيليّة، لا سيما التي تحوي نفايات كيميائية خطرة وشديدة السمية.
فلسطين طرف في اتفاقية بازل
وإزاء هذه الكارثة، تحركت الحكومة الفلسطينية، من خلال سلطة “جودة البيئة الفلسطينيّة”، وقدمت بلاغاً إلى الأمانة العامة لسكرتارية اتفاقيّة “بازل”، اعترضت فيه على نقل إسرائيل نفايات خطرة إلى أراضي دولة فلسطين، مشيرة إلى أنّ طواقمها، بالتعاون مع الشرطة، ضبطت في 12 نيسان (أبريل) الماضي شاحنتي نفايات إسرائيليتين مهربتين من المنطقة الصناعية الإسرائيلية جيشوري غرب طولكرم، إلى جنين.
وأشارت إلى أن فلسطين طرف في الاتفاقية، وهي تعمل بموجب أحكامها التي تهدف إلى حماية صحة البشر والبيئة من الآثار الضارة التي تنجم عن توليد النفايات الخطرة والنفايات الأخرى، ونقلها وإدارتها عبر الحدود، موضحة في الوقت عينه أن الاتفاقية تُلزم الأطراف الموقّعة عليها بالوقوف أمام مسؤولياتها في نقل النفايات إلى الدّول.
ودعت “جودة البيئة” أفراد المجتمع الفلسطيني للتعاون مع طواقمها في مختلف المحافظات للتّبليغ عن عملية تهريب الشاحنات الإسرائيلية للنفايات إلى داخل الأراضي الفلسطينيّة، مشيرةً إلى أنّها تواصل جهودها في توثيق ورصد الانتهاكات الإسرائيلية بحقّ البيئة الفلسطينية والعمل على حماية البيئة الفلسطينية من التأثيرات البيئية والصحية وللعيش في بيئة نظيفة سليمة وآمنة وخالية من الأضرار والملوثات البيئية.
وبحسب الاتفاقية، يُمنع نقل النفايات من البلدان المتقدمة إلى البلدان الأقل نمواً، وهي تهدف إلى الحد من النفايات الخطرة بين الدول، وتقليل كمّية النفايات المتولدة لضمان الإدارة السليمة بيئياً قدر الإمكان. وقد انضمّت فلسطين إليها مطلع العام الماضي بعد أن وقع عليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
التلوث الإشعاعي
وجاء في تقرير سابق أصدرته منظمة الصحة العالمية أن إسرائيل بين الـ 40 دولة الاكثر تلوثا على مستوى العالم، بما يزيد كثير عن مستويات غالبية الدول الغربية، وكشف الباحث والخبير البيئي جورج كرزم أن النفايات الإسرائيلية السامة والخطرة يدفنها الإسرائيليون في مناطق مختلفة بالضفة الغربية (قلقيلية، بعض قرى غرب رام الله، مناطق الخليل وبيت لحم).
ويؤكد كرزم أيضا على مخاطر التلوث الإشعاعي الناتج عن المفاعلات النووية الإسرائيلية، والنفايات النووية التي تدفن في أراضي الضفة الغربية (صحراء الخليل)، وبالطبع الملوثات الإسرائيلية السامة المنبعثة إلى الهواء والأرض والمياه من المنشآت الصناعية الإسرائيلية.
يمكننا أيضا، وفق كرزم، إضافة عوامل التلوث الناتجة عن مقالع الحجر والكسارات الإسرائيلية الآخذة في توسيع نشاطاتها بالضفة الغربية؛ إلى جانب مقالع الحجر والكسارات الفلسطينية. يضاف إلى ذلك ظاهرة التصحر في قطاع غزة، والمخلفات الإشعاعية والكيميائية الخطرة الناتجة عن الأسلحة الإسرائيلية-الأميركية المستخدمة ضد الإنسان والبيئة في قطاع غزة.
ومن عوامل التلوث الخطرة جدا أيضا الاقتلاع المتواصل للأشجار والمساحات الخضراء بالضفة الغربية لأغراض التوسع الاسمنتي وحطب التدفئة وصناعة الفحم، دون تعويض المساحات التي تم تشويهها وتخريبها. وليس أقل خطراً من ذلك مستويات التلوث الإشعاعي (الراديوي غير المؤين) الناتج عن أبراج الخليوي المنتشرة عشوائيا في الضفة وغزة.