تنذر الحصيلة الأوّلية للمساحة الخضراء التي أتت عليها نيران الحرائق خلال هذا العام في مختلف المناطق اللبنانية، بأن «الآتي أعظم» خصوصاً بعد الحريق الكبير الذي اندلع امس في احراج منطقة جعيتا.
وتدنت الرقعة الخضراء في لبنان الى 13% اراض غابية و10% اراض حرجية، علما ان المساحات الحرجية المضافة من خلال التشجير لم تحقق كل المرجو منها في ظل استمرار القطع العشوائي والرعي الجائر والحرائق التي تسارعت وتيرتها، مهددة بضياع الجهود الرسمية والاهلية، كذلك بخسارة تتعدى 0,4% سنويا من المساحات الغابية والحرجية.
وحذر الدفاع المدني من وقوع خسائر فادحة اليوم في الأحراج على مساحة شاسعة تشمل كافة الأراضي اللبنانية، وذلك بناء على بيانات نشرة احتمال اندلاع حرائق الغابات ، ودعت المديرية العامة للدفاع المدني المواطنين إلى ضرورة التنبه والتقيد بإرشاداتها حول التوعية من مخاطر حرائق الغابات. وذكرت المديرية العامة للدفاع المدني المواطنين بضرورة الإتصال بغرفة عملياتها على رقم الطوارئ 125 للتبليغ عن اي طارئ إضافة إلى أمكانية التواصل وقراءة إرشادات التوعية على موقعها الإلكتروني الرسمي
ويأتي تحذير الدفاع المدني بعد ساعات على اندلاع حريق كبير في احراج بلدة جعيتا – قضاء كسروان، والذي لا يزال مستمراً حتى الساعة واتى على مساحات شاسعة من الغطاء الاخضر، وكاد يهدد متحف الحياة البحرية في جعيتا، وادى الى اخلاء المتحف من الزوار. كما تم لاحقاً وقف تلفريك مغارة جعيتا ، وطلب من مرتادي المغارة المغادرة نظرا لكثافة الدخان.
وعملت 15 سيارة للدفاع المدني بكامل عناصرها وطوافتين للجيش، على محاصرة النيران، وسط صعوبات متنوعة منها ان بقعة الحريق كبيرة، إذ يمتد على مسافة حوالى كيلومترين بكيلومتر، وان الهواء قوي يساهم بتطاير الشرر واندلاع النيران مجددا في أي بقعة يتم اخمادها فيها، اضافة الى وعورة المكان حيث لا مسالك إلى كل مناطق الحريق، إضافة إلى نقص في المياهة التي تعمل بلدية جعيتا على تأمينها قدر الامكان.
وفي السياق نفسه اندلع حريق، امس، فوق المسلك الشرقي لأوتوستراد طبرجا مقابل كازينو لبنان، والذي أتى على مساحة واسعة من الأشجار، قبل ان تتمكن فرق الدفاع المدني من اخماده. وسجل خلال الاسابيع الثلاثة الماضية عشرات الحرائق في مختلف المناطق اللبنانية اتت على ما يزيد عن الف دونم من الاشجار المثمرة والحرجية، وتشير المعلومات الى ان غالبية هذه الحرائق اندلعت بسبب اطلاق المفرقعات النارية احتفالا بالفوز في الانتخابات البلدية والاختيارية ! اضافة الى حرق النفايات المرمية بشكل عشوائي خصوصاً في قرى وبلدات محافظة جبل لبنان.
يبدو واضحاً ان سرعة الرياح المترافقة مع طقس حار هي المسبب الرئيسي لتطور اي حريق بعد اندلاعه، وتعد هذه الظواهر المناخية المتطرفة، السبب الابرز للحرائق وهي ترتبط بوضوح بتغير المناخ عبر ارتفاع في درجة الحرارة مع هبوب رياح ساخنة، الأمر الذي يمثّل بيئة نموذجية للحرائق.
وإذا كانت ظاهرة الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة ليست جديدة، فإن الجديد هذا العام، وخصوصاً في الاسبوع الثاني من حزيران، أن الرياح الجافة التي من المفترض أن تهب في فصل الخريف، هبت باكراً وبات الأمر سمة مناخية بارزة حتى قبل بدأ فصل الصيف.
الملاحظة البارزة امس، ان الحريق في جعيتا، مسقط رأس الوزير السابق زياد بارود، صاحب فكرة جمع التبرعات من اجل شراء طوافات «السيكورسكي» لمكافحة الحرائق، لكن هذه الطوافات المتوقفة منذ سنوات كانت غائبة امس، ولم تعمل سوى الطوافات القديمة للجيش اللبناني والتي تحمل في اسفلها مستوعب بلاستيكي قادر على نقل كمية صغيرة من الماء، وغالباً ما يتم سحبها من البحر ، حيث يتعذر وجود بركة مائية مفتوحة يمكن استخدامها لنقل المياه عبر الطوافات، وتسبب المياه المالحة باضرار بيئية جمة وتدهور كبير في التنوع البيولوجي اذا استخدمت في اطفاء الحرائق.
وتوصي «الاستراتيجية الوطنية لإدراة حرائق الغابات في لبنان» التي تبنّاها مجلس الوزراء عام ٢٠٠٩، باستخدام بيانات التوقعات الجوّية المناخيّة لتجهيز وسائل المكافحة والإخماد مسبقاً. كما توصي ببذل الجهود اللازمة في سبيل إعداد محطات جوية تسجل درجات الحرارة ونسبة الرطوبة ومعدل سرعة الرياح واتجاهها. لكن مع استمرار ضعف التجهيز في الدفاع المدني وتعطل اسطول طوافات «السيكورسكي» يصبح من المشروع التساؤل حول قدرة الاجهزة المعنية على مكافحة الحرائق في لبنان هذا العام.
ويجب على لبنان أن يتمثل بتجارب العديد من الدول المتوسطية التي بنت شبكات رصد وكشف وطنية استناداً إلى محطات ثابتة ومتحركة. وتولي الاستراتيجية الوطنية أهمية كبيرة لأنظمة قياس الخطر وتصنفها بأنها من العناصر الضرورية في عملية إدارة الحرائق، وهي تتطلب تعاوناً دقيقاً مع مصلحة الأرصاد الجوية، فضلاً عن إعداد نماذج ومؤشرات لمختلف أنماط سلوك الحرائق. كما توصي بضرورة توفير المعلومات الجوّية اللازمة لتطوير مؤشرات الخطر المستندة إلى تحليل التوقعات المناخية المحلية عبر سنوات عدة. لكن غالبية بنود الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الحرائق لا تزال حبراً على ورق.
ورغم التفاؤل الكبير بقدرة أجهزة الرصد والإنذار المبكر في مكافحة الحرائق، لا تحول هذه الأنظمة التقنية دون اعتماد وسائل المراقبة الأرضية التي تعتمد على تقنيين ذوي خبرة عالية على المستوى الميداني، إذ إن العنصر البشري لا يزال محور حركة أعمال المراقبة والرصد. وما زال استخدام أبراج المراقبة عنصراً رئيسياً واسع الانتشار في بلدان عدة، فيما تعتبر الدوريات الميدانية القائمة على خبراء ميدانيين عاملاً متمماً لحركة المراقبة والرصد. وفي بعض الأحيان، يمكن لعمليات التقييم الميدانية أن تتكامل مع استخدام نظم الأشعة ما تحت الحمراء، وتنعدم في لبنان حركة أعمال المراقبة والرصد للحرائق إلا في مناطق قليلة مثل غابات القبيات وعندقت في عكار.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This