لم تعد النظرة إلى المغاور والكهوف على أنها مجرد أماكن تقتصر فيها الحياة على منظومات إيكولوجية بدائية، وأنها ملاذ للخفافيش (الوطاويط)، وما تزال إلى الآن تمثل عالما مجهولا، تغلفه منظومة من الأسرار تتكشف للعلماء في سياق أبحاثهم المستمرة لمعرفة خصائصها الإيكولوجية، ليتأكد يوما يعد يوم أن المغاور تضج بأشكال متنوعة من الحياة لا نعلم عنها إلا القليل، ما يدعم مقولة أن الكهوف هي موطن للتنوع البيولوجي لأنواع تعيش تحت الأرض.

وفي هذا السياق، نشرت دراسة علمية في أواخر شهر أيار (مايو)، في مجلة Plos One، أعلن خلالها باحثون عن اكتشاف حشرة غريبة غير معروفة سابقا، وتتسم مجموعة مميزات، أهمها أن لها القدرة على السفر والطيران وسط الظلام الدامس، حيث يعتقد أنها أول حشرة تسكن الكهوف وتطير في الظلام في العالم، ما قد يلغي مقولة أن الخفافيش Bats، هي الحيوانات الوحيدة القادرة على التحليق في الظلام الدامس.

Troglocladius hajdi1

حيوان كهفي نموذجي

وبحسب صحيفة الدايلي ميلالبريطانية، اكتشفت هذه الحشرة في كهف Lukina jama–Trojama في كرواتيا على عمق نحو 1000 متر، ويعد هذا الكهف الرابع عشر من حيث العمق على مستوى العالم، وأظهر الباحثون أن الحشرة هي حيوان كهفي نموذجي بلونها الشاحب وعيونها الصغيرة وسيقانها الطويلة، وما يميزها هو أجنحتها الطويلة التي تجعل من الحشرة، واسمها العلمي Troglocladius hajdi فريدة من نوعها.

وأكدت مجموعة من الباحثين من النروج وألمانيا وكرواتيا في ورقة بحثية أن هذا الاكتشاف يتحدى المعتقدات السابقة بأن الخفافيش هي فقط الحيوانات التي يمكنها الطيران في الظلام الدامس، وتنقسم الكائنات التي تعيش في المغاور، إلى ثلاث فئات هي: “تورغلوفيلtroglophiles وترغلوبيونتtroglobionts وتروغلوكسينtrogloxenes، ووجدت فئة trogloxenes مصادفة في الكهوف حيث استخدمتها كمأوى وبقيت على مقربة من الضوء، إلا أن النوعين الآخرين تمكنا من التكيف مع الحياة تحت الأرض، ومن بين 21 ألف نوع من الأنواع التي تعيش في الكهوف والمغاور ، لم تتواجد أنواع معروفة طائرة من فئة troglobionts، وتقضي هذه الأنواع حياتها بالكامل في الكهوف، في حين أن فئة troglophiles مثل الخفافيش، يمكنها أن تبقى على قيد الحياة في الخارج، ولم يشهد الباحثون حتى الآن هذه الحشرة أثناء الطيران، لكنهم أوضحوا أن خصائصها الفيزيولوجية تدل على قدرتها على الطيران على الرغم من تصنيفها ضمن فئة troglobiont.

عذرية التوالد

وجاء في البحث يبدو أن الجمع بين العيون الصغيرة والأجنحة الكبيرة الواسعة صفات فريدة من نوعها بين أنواع troglobiont، وربما تشير إلى أن هذه الأنواع يمكنها الطيران ببطء أو التحليق في الظلام الدامس في الكهف، وربما تعمل الأرجل الأمامية الطويلة كوسيلة استشعار في حال مدها إلى الأمام أثناء الطيران، وتساعدها المنطقة حول العنق على الحفاظ على التوازن، وبالنسبة لمعظم الحشرات التي تعيش في الكهوف فهي إما لديها أجنحة صغيرة أو تفتقر إلى الأجنحة بشكل كامل

واستخدم الباحثون نوعا خاصا من الشراك لجمع هذه الحشرات، وبينوا أن هذه الحشرة المكتشفة ربما تكون عذرية التوالد reproducing asexually، أي أنها تتكاثر جنسيا دون الحاجة إلى الإخصاب، وعادة ما تعيش هذه الأنواع في بيئات قاسية يصعب فيها التزاوج.

وفحص الباحثون في البعثة العلمية إلى كوراتيا الإناث من هذه الحشرات فقط، وعثر عليها عميقا داخل الكهف في مكان معزول للغاية، ويقول الباحثون إن هناك فرصة ضئيلة للغاية في استطاعة هذه الكائنات التواصل في الحياة الخارجية.

وعلى الرغم من الحاجة للقيام بالعديد من الدراسات الأبحاث لمراقبة سلوك هذا النوع من الكائنات، إلا أن النتائج تدعم الرأي القائل بأن الكهوف هي موطن للتنوع البيولوجي لأنواع كثيرة تعيش تحت سطح الأرض، أي في الكهوف العميقة والمغاور.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This