تعد السلاحف البحرية من أكثر الكائنات المعرضة للانقراض في العالم، ولم يكن من قبيل الصدفة أن يخصص لها يوم عالمي يصادف في السادس عشر من شهر حزيران (يونيو) من كل عام، ليكون مناسبة سنوية لتكريم هذه الكائنات البحرية التي يرقى تاريخ وجودها إلى أكثر من 110 مليون سنة، وتسليط الضوء على أهميتها في النظم الإيكولوجية البحرية.
ولا يمكن إلا أن يتذكر العالم في هذا “اليوم” الخبير الأميركي الراحل الدكتور آرشي كار Dr. Archie Carr (1909-1987) الذي يعتبر “الأب الروحي للسلاحف البحرية“، والذي ظل حتى وفاته في منزله في ولاية فلوريدا المرجع العلمي الوحيد المتخصص في مجال السلاحف البحرية، حتى أنه تم اختيار يوم ميلاده في 16 حزيران (يونيو) لإطلاق هذه الاحتفالية العالمية، في بادرة الهدف منها تكريمه وتخليد ذكراه، خصوصا وأنه ساهم طيلة حياته في تعزيز مسار المحافظة على السلاحف البحرية، فضلا عن أبحاثه ودعوته الدائمة للانتباه إلى الظروف التي تهدد ولا تزال السلاحف البحرية.
ما تجدر الإشارة إليه أن ليس ثمة ذكر لهذا العالم الراحل في المواقع العلمية والبيئية العربية، وأبعد من ذلك، هناك غياب عربي شبه كامل في يوم السلاحف البحرية، رغم أهميتها كونها ظهرت مع ظهور الديناصورات ولم تنقرض، لا بل قاومت تقلبات الطبيعة، وما زالت تقاوم الاضطرابات والتغيرات التي يلحقها الانسان بالبيئة البحرية، فضلا عن تغير المناخ، وما صمود السلاحف واستمرارها في الحياة البحرية، إلا بسبب قدرتها على مقاومة تلك التغيرات، فهي مخلوقات صلبة وقادرة على التكيف، ولكن هل تستطيع أن تقاوم وتتكيف مع الصعوبات الكثيرة التي تواجهها الآن؟
نوعان في لبنان
لقد خصص لبنان يوما وطنيا للسلاحف البحرية في الخامس من أيار (مايو)، بجهود من جمعية “الجنوبيون الخضر” في العام 2014، بعد أن أدركت هذه الجمعية الناشطة في مجالات البيئة في الجنوب خصوصا، ما تواجه هذه الكائنات من أخطار كثيرة، ونجحت حتى الآن في مراكمة ثقافة بيئية وعلمية، ولا سيما في الجنوب اللبناني، وبشكل خاص “شاطئ صور الرملي” الذي تحول محميّة طبيعية السلاحف، واهمها سلحفاة “كاريتا كاريتا” caretta caretta التي تعيش على شاطىء بلدة المنصوري والمناطق الصخرية، وتتغذى على الاصداف بشكل أساسي، وتقضي معظم وقتها بالقرب من سلسلة الصخور البحرية الضحلة من أجل تصيّد قناديل البحر والإسفنج والسلطعون والبطلينوس والسمك والحبّار والمحار، و“السلحفاة الخضراء” Green Turtle تعيش بين منطقتي استراحة “الريست هاوس” والرشيدية لخصوبة هذه المنطقة بالاعشاب التي تتغذى عليها، وتضع الاناث بيوضها في الرمل ابتداء من شهر أيار (مايو)، في المنطقة الخلفية لشاطىء “الجمل” و“برك رأس العين” لتعود الى البحر تاركة بيوضها في أماكن أمينة لتخرج منها صغارها بعد 40 يوما.
كما أن محمية جزر النخيل الطبيعية في شمال لبنان تمثل موئلا مهما للسلاحف وتكاثرها، لكن العديد من المواقع على امتداد الساحل اللبناني كانت تشكل مواقع تعشيش ملائمة للسلاحف البحرية، لكنها لم تعد صالحة لذلك في خلال العقود الماضية، بسبب الاساءات المختلفة اللاحقة بالشواطىء، وأخطرها رمي النفايات وشفط الرمال وتوسيع الشواطىء والتعديل الذي لحق بنظامها البيئي. كما تقع السلاحف البحرية عادة في شراك الصيادين، وغالبا ما يحدث ذلك عرضيا مما يؤدي الى قتلها، وتعلق الإناث في فخ الصيادين فيما تكون متوجهة نحو الشواطىء لتبني أعشاشها، ولذلك، اصدرت وزارة الزراعة قرار رقم 125/1 تاريخ 23/9/99 يقضي بمنع صيد الحيتان وفقمة البحر والسلاحف البحرية، فضلا عن أن لبنان وقع على اتفاقية برشلونة وبروتوكولها لحماية البحر المتوسط من التلوث. وتعتبر وزارة البيئة الجهة الرسمية المسؤولة عن تنفيذ بنود هذه الاتفاقية عبر وضع تشريعات وخطط عمل لحماية المحميات الطبيعية والسلاحف البحرية.
أنواع السلاحف البحرية
تنتمي السلاحف البحرية الحالية إلى أسرتين من سلالة الـ Chelonia، الأولى تعرف يأسرة Dermochelydae وتضم نوعاً واحداً من “السلاحف الجلدية الظهر” Dermochelys Coricea، أما الأسرة الثانية فهي Cheloniidae وتتكون من فصيلتين، الاولى Chelonini، وتضم السلاحف الخضراء Chelonia mydas، والثانية Carettini وتضم السلاحف الضخمة الرأس Caretta caretta.
مهددة بالإنقراض
في اليوم العالمي للسلاحف البحرية، ورغم ما يطاول هذه الكائنات الرائعة من مخاطر، إلا أنه لا بد من تسليط الضوء على زيادة نمو الإنتاج العالمي السنوي للبلاستيك من 1,5 مليون طن إلى 299 مليون طن في السنوات الـ65 الماضية، ما تسبب بزيادة معدلات التلوث بالبلاستيك في البحار والمحيطات.
فقد حذر الباحثون من أنه مع زيادة معدلات التلوث تشهد السلاحف البحرية أخطارا كثيرة محدقة بها، ما يعرضها لمخاطر الانقراض، ذلك أنه عندما تبتلع السلاحف مادة البلاستيك، فإنها تصاب بانسداد الأمعاء الذي يمكن أن يؤدي إلى سوء التغذية، وتاليا إلى سوء الحالية الصحية، وانخفاض معدلات النمو الذي يؤدي إلى نفوقها.
ويبقى البلاستيك المهمل من مخلفات النفايات يمثل التهديد الأخطر الذي يواجه السلاحف البحرية، ما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة من أجل فهم أفضل لهذه القضية الحيوية وآثارها على السلاحف البحرية.