أعلنت سفارة جمهورية بولندا في لبنان، عبر صفحتها، على موقع فيسبوك، عن نفوق طائر اللقلق “بول”، وأصدرت على صفحتها بيانا تعبر فيه عن أسفها لمقتل هذا الطائر، وجاء فيه: “نحن آسفون لإبلاغكم بأن واحدا من طيور اللقلق لدينا (بول) نفق بعد اصطدامه بقطب التوتر العالي في بلغاريا، وكنا قادرين على ترقب حركة هجرة اثنين من طيور اللقلق هما (بول) و(إيرينا) لمدة سنة تقريبا، وعاد (إيرينا) بسلام بعد رحلة طويلة من أفريقيا، إلا أن (بول) لم ينجُ”.
وبحسب البيان “يعتبر الصيد غير الشرعي من العوامل العديدة التي تهدد حياة طيور اللقلق، فضلا عن خطوط كهرباء التوتر العالي، ومبيدات الحشرات، والتمدد العمراني والسكاني وما يتطلبه من بنية تحتية”.
خبر حزين
بدوره، اعتبر رئيس “الحركة البيئية اللبنانية” بول أبي راشد أن نفوق هذا الطائر “خبر حزين”، وعبر عن ذلك على حسابه على فيسبوك، قائلا: “خبر حزين، اتصل بي رئيس جمعية (غروبا ايكولوغيشنا) البولونية وبلغني عن نفوق اللقلق (بول) في بلغاريا، اذ اصطدم بخط توتر عالي وصعقه. هذا الحادث ربما يعطي درسا لكل الدول التي تهاجر الطيور فوق أراضيها أن أسباب مقتل الطيور المهاجرة متعددة ومن بينها الصيد العشوائي والسموم الزراعية وخطوط الكهرباء وغيرها…”.
وكان موقع greenarea.info قد ساهم في رعاية مبادرة لتتبع طائر اللقلق “بول” في رحلته الموسمية، عبر مسار هجرته من بولندا الى افريقيا، وهو الطائر الذي يحمل اسم الناشط البيئي بول أبي راشد، الذي زار بولندا العام الماضي بهدف التعاون مع الجمعيات التي تعمل على حماية طيور اللقلق الذي يعد الطائر الوطني في تلك البلاد.
ويستمر موقع greenarea.info في رفع الصوت عاليا منذ انطلاقته للتنبيه من المجازر التي تطاول هذه الطيور المهاجرة فوق أحد أهمّ الممرات التي تسلكها طيور اللقلق، ومن بينها لبنان، ولا سيما من خلال دعمه مسابقة التصوير التي أقيمت برعاية السفارة البولندية في بيروت في العام 2015، وانتقل الفائز بالمسابقة ميشال صوان الى بولندا بهدف تطويق ألف طائر لقلق لدراسة مسارات هجرتها من أوروبا الى أفريقيا مروراً بلبنان. ويخوض سكان قرية زيفكوفو في بولندا تجربة جميلة ومميزة مع طيور اللقلق، حيث تحمي هذه القرية طيورها التي يتخطى عددها في الصيف عدد سكانها الذين يؤمنون بأنها تجلب الحظ والسياح، وأيضا الاطفال بحسب الأساطير البولندية القديمة. وهذه القرى الواقعة شمال بولندا على مرمى حجر من الحدود مع كالينينغراد، تعول على طيورها لاستقطاب السياح ومكافحة النزوح من الأرياف.
ويبذل القرويون ما في وسعهم لاستضافة هذه الطيور البيضاء الكبيرة التي يعتبرها الاوروبيون الشرقيون وسكان الشمال جالبة للحظ. وقد وجدت طيور اللقلق في هذه المنطقة جنة على الارض، فأكثر من 15 ألف زوج من طيور اللقلق البيضاء يصل كل سنة إلى هذا البلد الغني بالبحيرات والمستنقعات. وتضم بولندا 50 ألف طائر من هذا النوع، أي 20 بالمئة من مجموع طيور اللقلق في العالم، بحسب السلطات المحلية. يذكر أن بولندا طلبت رسميا من لبنان العمل للسماح لطيور اللقلق بعبور سماء لبنان والعودة الى أراضيها للتكاثر بأمان، لافتة الى أن هناك صورة سيئة مأخوذة عن بعض اللبنانيين الذين يصطادون طيور اللقلق المهاجرة ويعرضونها على صفحات الفايسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي للتفاخر بمهاراتهم!
وكان وزير البيئة قد وعد سفير بولندا في لبنان بمتابعة القضية، مؤكدا أن “صدور قانون النيابة العامة البيئية الذي خصص محامين عامين بيئيين لشؤون البيئة سيضبط المخالفات وسيتم التعاون مع البلديات لمنع هذه الظاهرة”.
اللقلق “أيقونة” الطيور
يستضيف وادي البحر الأحمر أكثر من 2 مليون طائر عبر المنطقة خلال الهجرة الموسمية، مع أسراب ضخمة من الطيور الحوامة التي تهاجر بعشرات الآلاف في فصل الشتاء الى أفريقيا للوصول إلى مواقع تعشيش خصبة في أوروبا وآسيا الوسطى، وبالعكس على طول ثاني أكبر مسار لهجرة الطيور في العالم. وعادة ما يتم وضع الحلقات في ارجل الطيور من قبل المراكز البحثية المتخصصة بالحياة البرية، بهدف مراقبة الطيور المهددة بالانقراض ومعرفة أنماط عيشها ومناطق تكاثرها.
ويعتبر اللقلق “أيقونة” الطيور في عدد من دول أوروبا الشرقية، لما يسديه من خدمات للمزارعين في القضاء على الحشرات التي تهدد محاصيلهم الزراعية، فضلا عن أنه خلال هجرته، يسدي خدمة للمزارعين أيضا كونه يقتات في طريق هجرته على زواحف وحشرات تلحق أضرارا بالمواسم الزراعية.
وتشكل دول مصر والاردن وفلسطين ولبنان جزءا من مسار حفرة الانهدام – البحر الأحمر، ثاني أهم مسار لهجرة الطيور المحلقة المهاجرة على مستوى العالم، إذ يعبر سنوياً ما لا يقل من 1.5 مليون طائر محلق مرتين سنوياً خلال فصلي الهجرة في الربيع والخريف، وتشمل هذه الطيور 37 نوعاً من الجوارح واللقالق وابو منجل، خمسة منها مهددة بالانقراض على مستوى العالم. وتتعرض العديد من مجتمعات الطيور المهددة بالانقراض خلال فترة الهجرة الموسمية على هذا المسار إلى العديد من المخاطر التي يتسبب بها البشر، ويعد الصيد من أهم هذه المخاطر.
ويقتل عشرات الملايين من الطيور سنوياً بشكل غير شرعي في كافة أنحاء دول حوض البحر الأبيض المتوسط، وفقا لتقرير علمي اصدره سابقا “المجلس العالمي لحماية الطيور” Birdlife International، ويكشف التقرير حقائق مقلقة حول العدد الهائل من الطيور التي يتم قتلها من خلال الصيد العشوائي وغير الشرعي وغير المنظم، ويقول التقرير ان هناك عشرة دول سجلت النسب الاعلى من قتل الطيور، بينها لبنان حيث يقتل سنوياً ما يزيد عن 2.6 مليون طائر. ويشير التقرير إلى أن حوالي 248 طائرا في الكيلومتر المربع يقتل سنوياً في لبنان، وهناك 327 نوعا من انواع الطيور المقيمة والمهاجرة في لبنان، 59 بالمئة من انواع هذه الطيور يتعرض لكافة انواع الصيد الجائر.