ارتدت مدينة صور ليل أمس حِلَّــــةَ المهرجان، وتأنّقت من جديد، وبعد طول غياب، وائتلقت عروسا تدثرت بسماء الجنوب، وتزينت بتنهيدات الجمال من بحرها وشواطئها، وأحيائها وأزقتها، وما استفاق من معالم التاريخ في ربوعها مع صخب الفرح وقد تماهى مع صوت الموج ونسائم الليل.
فقد شهد ليل أمس المدرج الروماني في المدينة عودة ليالي “مهرجانات صور الدولية” التي اشتاقتها المدينة، فكان الافتتاح بعرض مسرحي فني لـ “فرقة إنانا للرقص المسرحي” بعنوان “الملكة ضيفة خاتون” بحضور رئيسة اللجنة السيدة رندى بري، وكل من وزير الثقافة ريمون عريجي ممثلا رئيس الحكومة، وممثلين عن وزارتي الداخلية والسياحة وسفراء كل من كوريا الجنوبية والبرازيل ورومانيا، كما حضر وفد من الكتيبة الايطالية العاملة في لبنان ورئيس اتحاد بلديات صور عبد المحسن الحسيني، رئيس بلدية صور المهندس حسن دبوق وفعاليات سياسية وعسكرية واجتماعية واعلامية.
افتتح المهرجان بالنشيد الوطني وتلاه عرض “فرقة إنانا” الذي استمر حوالي ساعة ونصف الساعة، وأذهل الحضور وسط إتقان شكل متعة بصرية مع كل عناصر الاستعراض من أزياء وألوان، فضلا عن كوريغرافيا أظهرت حرفية القيمين على العمل الذي سلط الضوء على دور المرأة الحضاري عبر التاريخ، خصوصا الملكة “ضيفة خاتون” التي لم ينصف التاريخ ذكراها، وهي الملكة الوحيدة التي كانت ابنة ملك وأم ملك وزوجة ملك، وتخلل العرض لوحات مدهشة من الاستعراض الراقص صفق له الجمهور بحرارة وفرح.
وشرحت السيدة بري أسباب الغياب القسري للمهرجانات، وقالت انه “كان لا بد من الحرص من اجل سلامة المواطنين في ظل الظروف الامنية التي مرت على المنطقة وتقليص الدعم الرسمي، من جهة ثانية كان لا بد من اعادة هذا المهرجان“، وأوضحت أن المهرجانات الوطنية هي للناس بأبعادها الموجهة نحو الثقافة والفرح، ودعت المغتربين ليعودوا من خلاله ومن خلال الارث الانساني. واضافت بأننا توجهنا للمغتربين باختيارنا البث المباشر من اجل ان يحاكي المهرجان اكبر شريحة من ابنائنا في الخارج، لنساهم في تربية الاجيال على هذا الحب والتماسك والتواصل، وتطرقت بري الى البعد الوطني للمهرجانات كونها انطلقت في عام ١٩٩٦ بعد مجزرة قانا بشهرين، لتوجه رسالة بالفرح والحياة ضد الكيان الاسرائيلي المغتصب، وختمت بان المهرجان هو فعل ايمان ومقاومة ضد الارهاب والتكفيريين.
بدوره أكد الوزير عريجي على دور الوزارة في دعم وتشجيع هذه المهرجانات، وشكر السيدة بري على مجهودها المثمر ثقافيا وفنيا، خصوصا في مثل الظروف الامنية الصعبة التي تمر بها المنطقة، ووجه بالتالي تحية لأهل الجنوب الذين قاوموا الاحتلال الاسرائيلي وللشهداء الذين ارتقوا في دفاعهم عن هذا الوطن.
رئيس بلدية صور المهندس حسن دبوق توجه بكلمة الى greenarea.info قائلا “ان عودة المهرجانات كانت نتيجة اصرارنا وتمسكنا بالحياة والفرح بعد غيبت قسريا لمدة خمس سنوات، ولكن الاهم اننا عدنا لتحقيق حلمنا بإحياء هذه الليالي التي انطلقت مع موسم الاعياد، متحدية كل الصعاب“، ودعا دبوق “المواطنين لحضور باقي ليالي المهرجان والاستمتاع بفقراته المتنوعة“.
وأكد مديرة المهرجانات رولا عاصي عبر greenarea.info أن “هذا المهرجان هو تحدٍّ بالفن والثقافة والاستعراض لكل الموجات التكفيرية الارهابية التي تحاول طمس تاريخنا وحضاراتنا“، وقالت: “قمنا بتنظيم المهرجانات في فترة قياسية، واخترنا ان ننقل وقائعها بواسطة البث المباشر لنستطيع ان ندخل الى بيوت كل محبي مهرجانات صور في العالم، ولحرصنا على ان يشاركنا المغتربون ليالينا، وهذه الخطوة هي رسالة حب وفرح وسلام“.
وشدد المدير الفني والمسؤول الاخراجي عن المهرجانات نعمة بدوي لـ greenare.me ان “المهرجان في عودته يعتبر رسالة واضحة ضد القتل والموت، وهو فعل تحدٍّ بالحياة والثقافة والفرح، وهو رد صريح على كل الحركات الارهابية والتكفيرية في العالم، وان احياءه في مكان اثري ما هو الا تحد لمحاولات تدميرهم المعالم الاثرية“، واوضح بدوي ان “سياسة مهرجانات صور تتمثل في إحياء ليال عالمية وعربية وفنية“، واشار الى ان :المهرجان يتصمن فقرات تفتقر لها المهرجانات الاخرى، وهي ليلة الشعر العربي التي يحييها كبار من شعراء العالم العربي“.
مدير فرقة إنانا الفنان السوري جهاد مفلح أعرب لـ greenarea.info عن ارتياحه حيال تنظيم المهرجان، مشيرا إلى أنه في “أغلب المهرجانات لا نصل الى بروڤا جنريك قبل المهرجان بيومين، وهذه دلالة جيدة، اما من ناحية التخوفات فرأى ان “خطوة المشاركة في المهرجان ايجابية وهي رسالة مهمة لجميع المهرجانات في لبنان والمحيط التي لم تقم بأن تبدد مخاوفها بالتحدي والاقدام وان كان الحضور ضعيفا، لكي لا نسمح لمن يحاول سرقة تاريخنا وثقافتنا بالوصول الى هدفه“.
وأثنى مفلح كما على لبنان وروح شعبه، وشبهه بطائر الفينيق في دلالة على حبه للفرح والحياة ورفضه لفكرة الاستسلام والموت، اما عن العرض، فقال ان العمل بعنوان “ضيفة خاتون، بنت الملك العادل الذي حكم حلب، ومن ثم حكم مصر وكان معروفا عنها تاريخيا بأنها الملكة الوحيدة التي كانت أما لملك وابنة لملك وزوجة لملك“.