بدا واضحا اليوم أن سقف التحرك الأهلي المستمر في سياق حملة الدفاع عن الليطاني وحمايته من التلوث بكافة أشكاله ارتفع اليوم، ودخلت على خط المواجهة فاعليات سياسية، ظلت حتى يوم أمس متوارية، وكأنها غير معنية. لكن أيا تكن الاعتبارات، يجب ملاقاة كل من يرفع الصوت في انتظار أن تتحرك الوزارات المعنية (الصحة، الطاقة والمياه، الداخلية والبيئة)، وتتبنى هذه القضية بأبعادها الوطنية.
وترافقت الحملة مع “الفضيحة – الكارثة” في بحيرة القرعون – منطقة البقاع الغربي، بعد أن تسبب التلوث بنفوق أكثر من خمسة أطنان من الأسماك في اليومين الماضيين، خصوصا وأن تلوث الليطاني يطاول معظم أجزائه ولا سيما في سهل البقاع مرورا ببحيرة القرعون وصولا إلى المصب في البحر المتوسط شمال مدينة صور.
وتأتي هذه الفضيحة لتؤكد مدى إهمال الدولة بسائر وزاراتها ومؤسساتها، فالتلوث ليس بجديد على مستوى البحيرة، وكان من المفترض أن تكون هناك خطوات استباقية لجهة الرقابة والمعالجة والحماية، إلا أن الدولة اعتادت على معالجة النتيجة لا الأسباب، فحيال هذه الكارثة أقصى ما بذلته وزارة البيئة، تمثل في إحالة وزير البيئة محمد المشنوق “موضوع نفوق أطنان من الأسماك في بحيرة القرعون الى المحامي العام البيئي في البقاع للتحقيق في الأسباب وملاحقة المسؤولين”.
الخبير كمال سليم تضحيم للأمور
الخبير في “المجلس الوطني للبحوث العلمية” الدكتور كمال سليم أشار لـ greenarea.info إلى أنه “بالنسبة إلى نفوق الأسماك في القرعون هناك تضخيم للأمور من قبل وسائل الاعلام، من أن المادة الملقاة هي الزرنيخ، وأن أحد المعامل ألقاها في النهر، مع العلم أن ليس ثمة معامل عند المنطقة الشرقية للقرعون، ونحن كعلميين لا نعطي أي رأي قبل التأكد بعد إجراء فحوصات مخبرية”.
ورأى سليم أن “ما حصل هو نوع من تكاثر غير طبيعي لأنواع من البكتيريا والسموم الموجودة في البحيرة، وهذا علميا هو أحد الـسباب لموت الكائنات الحية في البحيرة، ما عدا سمكة واحدة هي الـ carp أو الشبوط”، ولفت إلى أن “هناك مزيجا من السموم قضى على كل الكائنات”، واضاف: “أخذنا عينات من السمك لدراستها ومعرفة نسبة تركيز السموم فيها، لذلك أرى أن لا نجزم قبل ان نتأكد، وإن كنت أرجح ان السبب ناجم عن سموم متراكمة منذ سنين طويلة، لأن بعض الصيادين اليوم كانوا يصطادون، ما يعني أن هناك أسماكا حية”.
وقال: “مشاهدتي اليوم الخصها بمياه خضراء وروائح كريهة، والليطاني عبارة عن مجرور أسود مكون من المياه الآسنة والصرف الصحي الذي يصب في النهر، كما أرى انخفاضا ملحوظا بمستوى المياه لاقل من نصف حجم البحيرة، بالتزامن مع ضخ أكبر للري بسبب ارتفاع الحرارة وضخ للكهرباء، ليصبح الاستهلاك اكبر وبدون مصادر”.
اما بالنسبة للحلول فقال سليم: “لا ارى حلولا، لان موضوع معالجة النهر يحتاج سياسة كبيرة وتمويل وخطة عمل مدروسة تكون فعلية ومرحلية، واذا توفرت هذه الشروط نحتاج لمدة زمنية طويلة ايضا”.
وختم: “ان الوضع يتفاقم يوما بعد يوم، وقد حذرت مسبقا من خلال مقالاتي، وقلت اننا قادمون على مراحل صعبة ولكن دون جدوى”.
الوزير علي حسن خليل
وفي موضوع التلوث الناجم عن المرامل، اعتبر وزير المال علي حسن خليل على حسابه عبر “تويتر”، ان “ما يحصل بحق نهر الليطاني يشكل كارثة وطنية حذرنا من استمرارها والمطلوب اجراءات حكومية سريعة سنقترحها في اول جلسة”، مؤكدا أن “مرامل المافيات التي تستبيح مياه الليطاني وضفافه ليست أقوى من صحة وحياة الناس المقاومين”.
ويأتي هذا الموقف ليؤكد رفع حركة “أمل” الغطاء عن مستثمري ومشغلي المرامل، وقال “يجب على جميع الوزارات والهيئات الحكومية والاهلية اعلان حالة طوارى لإنقاذ النهر من هذه المجزرة بحقه، وليكن صوتنا جميعا، انقذوا الليطاني، ونحن في حركة أمل عملنا لعشرات السنين لتحقيق حلم الامام موسى الصدرب مشروع الليطاني، ولن نسمح بأن نقتله بالتلوث والمرامل”.
النائب علي فياض
وقال النائب الدكتور علي فياض: “لدينا ضوء أخضر من قيادة حزب الله بمكافحة تلوث الليطاني ولن نتساهل وما في حدا فوق راسه خيمة زرقاء”.
من الواضح أن الجهد الشعبي والاعلامي لمجموعة من الحملات المطالبة بإنقاذ نهر الليطاني قد بدأت تجد آذانا صاغية لدى قياديي “حزب الله” وحركة “أمل”، إذ جاء كلام النائب فياض في برنامج الخط الساخن على “المنار” واضحا في هذا المجال، وتخطى ذلك الى الحديث بشكل شامل ومختصر عن آفة التلوث المزمنة التي يعاني منها النهر، فبدأ بتعريف المشاهدين بما يعانيه الليطاني وبحيرة القرعون، ليطرح لاحقاً تصوره لوضع حد لهذه الكارثة البيئية، وخلص الى الحديث عن الخطوات التي سيقوم بها بتكليف من قيادة الحزب.
وبحسب فياض “نحن أمام نهر في حالة احتضار، بيئة النهر التي طالما تغنى بها الشعراء هي في طور الانقراض”. وأضاف: “ان نهر الليطاني ملوث من منبعه الى مصبه، وذلك بسبب عوامل عدة، منها مجارير الصرف الصحي التي تصب في مجرى النهر في منطقتي البقاع والبقاع الغربي وبعض قرى الجنوب أيضاً، والمخلفات الكيميائية للمصانع، المبيدات وكذلك بقايا المسالخ”.
المشروع الاستراتيجي
وتحدث عن المشروع الذي طرح منذ اكثر من سنة في المجلس النيابي وكيف تزايدت تكلفته لترسو على 1100 مليار ليرة، او ما يقارب الـ 800 مليون دولار، وعزا ضخامة هذا المبلغ الى شمولية المشروع ليس فقط لمجرى الليطاني، بل أيضاً لانه يتضمن خطة لإقامة شبكات صرف صحي في كل بلدات ومدن حوض النهر وربطها بمحطات تكرير، وعلى ان تشمل الخطة حتى البلدات التي تبعد ما بين 10 الى 20 كيلومترا عن النهر لكنها تربطها به أودية.
هذا المشروع يطلق عليه النائب فياض تسمية “المشروع الاستراتيجي” الذي وعد بأن يطرحه للمناقشة في المجلس، وذلك تحت عنوان “تشريع الضرورة”، لأهميته ولكونه اصبح ملحاً جداً ولا يحتمل التأخير بتاتاً.
واللافت للانتباه في كلام الدكتور فياض هو حديثه عن البدائل المتاحة، مثلا ان تقوم الدولة بتمويل بعض الاجراءات الضرورية من خزينتها، ريثما يتمكن “مجلس الانماء والاعمار” من استجلاب قروض ومنح دولية.
في حديثه عن بحيرة القرعون، كان واضحا لديه الفصل ما بين منطقتي ما قبل وما بعد البحيرة، هذه البحيرة التي تعاني من تلوث كبير ومتنوع المصادر، مخلفات مصانع، مواد كيميائية، مياه صرف صحي، بقايا مسالخ وغيرها، مشيراً الى أن “البحيرة تفتح انابيبها على النهر من وقت لآخر وتفوح من منها رائحة المياه المبتذلة”.
وطمأن فياض المواطنين بأن “النهر ما بعد القرعون غير مصاب بتلوث كيميائي، مع وجود نوع من التلوث البكتيري الناتج عن مياه الصرف الصحي من بلدات وقرى البقاع الغربي، أما في الجنوب فيضاف إلى مجارير بعض القرى مجارير عدد كبير من المتزهات خصوصا تلك التي ليس لديها (جور صحية) التي تشكل حلا مؤقتا”.
ودعا الدولة الى أن “تتحمل مسؤوليتها”، ولأنه يشك بأن تسارع الى ذلك، أشار فياض الى أنه سيعمل مع البلديات “وأخذ ضوء أخضرا من القيادة، وما من أحد عليه خيمة زرقاء”.
وطالب الأحزاب “برفع مستوى اهتمامها بقضية تلوث الليطاني، وباتخاذ قرار حاسم لمعالجة هذه الآفة الخطيرة”. وحضّ القضاء متمثلاً بالنيابة العامة البيئية على مواكبة كل هذه الخطوات المزمع القيام بها، ووعد بأن يأخذ صفة الإدعاء الشخصي تجاه المخالفين. وخص فياض القرى التي لديها مجارير محولة على الليطاني ولا تمتلك محطات تكرير بنداء مؤداه أن “عودوا الى الجور الصحية كحل مؤقت حتى تتوفر محطات التكرير، لأنه بذلك يمنع الضرر عن النهر”. وكذلك دعا المنتزهات المخالفة الى التوقف عن تصريف مياه الصرف الصحي في مجرى النهر وان تراعي وجود جور صحية خاصة بها.
وأبدى النائب فياض استعداد الحزب لمواكبة أصحاب المنتزهات المتضررة في تحركاتهم الاحتجاجية. وموجهاً دعوة الى كافة الاحزاب والاتحادات البلدية في الجنوب والبقاع الغربي، ولاحقا في البقاع الاوسط للتعاون في ما بينها لإيجاد حلول حقيقية لهذه الكارثة البيئية التي تمس الجميع من دون ادنى استثناء”، وحث الوزارات المعنية والقوى الأمنية على أن تقوم بواجباتها، خاتما كلامه بالقول “ان قضية تلوث نهر الليطاني هي قضية حياة، فهذا النهر هو جزء من مخيلتنا ومن ذاكرتنا ولا يمكن أن نتسامح بقتله”.
الدكتور علي مزيد
وقال الدكتور علي مزيد لـ greenarea.info: “كمراقب يمكنني القول أنني لأول مرة أسمع من أحد سياسيي حزب الله كلاماً بهذا التفصيل وبهذه الدقة عن موضوع الليطاني، ووعوداً حقيقية قائمة على أساس رؤية واقعية، في ظل حذر شديد اثناء تناول قضايا البيئة خوفاً من الوقوع في أخطاء تمسكها المواقع والخبراء والكتاب المختصين بالشأن البيئي”.
وإذ أشار الى “الطمي المجهول المصدر” المفترض معرفة أسبابه وسبل معالجته، أضاف مزيد: “تبقى هناك قضية التنسيق مع حركة أمل التي لم يسمها بالاسم، لكنه أشار الى أن هذه المواقف والتحركات ليست موجهة ضد أي شخص أو أي جهة”.
الحملة الوطنية لانقاذ نهر الليطاني
من جهته رحب منسق الحملة الوطنية لانقاذ نهر الليطاني ورئيس بلدية زوطر الغربية حسن عز الدين “بهذه التصريحات الايجابية”، متمنيا “ترجمتها على أرض الواقع”، وواعدا “بالاستمرار في اعلاء الصوت والمطالبة ومراقبة كافة المخالفات والعمل على تقديم دعاوى ضدها لدى القضاء”، مشيرا إلى “وجود توصية من الرئيس بري بعدم التسامح مع المخالفات والتعديات على اشكالها”.