نهلا ناصر الدين – البلد
“عَ هدير الصهريج” لا “البوسطة” يعيش أهالي برج البراجنة في الضاحية الجنوبية، فما إن تطرق الفصول الدافئة الأبواب حتى يضرب اللبنانيون لأنفسهم في معظم المناطق موعداً مع زيادة منسوب التقشف في لقمة عيشهم لصالح تخصيص ميزانية يومية لدفع فاتورة المياه الثالثة، التي تضاف الى فاتورة مياه الشرب، وفاتورة مياه الاستعمال (مياه الدولة) التي تهجر البيوت مع ارتفاع درجات الحرارة، فيقضي المواطنون ربيعهم وصيفهم تحت رحمة مافيا المياه المتنقلة، ويدفعون أرقاما خيالية، تتغيّر معدلات أسعارها الملتهبة تبعا لكل منطقة أو حي، مقابل الحصول على ما هو في الأساس أبسط حقوقهم.
يعاني أهالي برج البراجنة منذ شهرين متواصلين، من أزمة مياه حادة، وإن وصلت المياه صدفةً إلى بعض منازلهم تصل مالحة بنسب غير محمولة وغير صالحة حتى للاستخدام. ما وضع أهالي البرج أمام خيارين كلاهما مرّ إما عيشة التصحّر في وسط المدينة، وإما شراء المياه بأسعار تلهب جيوبهم أكثر من شمس تموز الحارقة بحدّ ذاتها، والعيش تحت رحمة أصحاب الصهاريج الذين يقسمون الأحياء في ما بينهم ويمارسون عليها سياسة الاحتكار الممنهج فـ”لكل صاحب صهريج شارعه الخاص وسعره الخاص، وإذا كان صهريج المياه على سبيل المثال يباع في عين السكة بـ20 ألف ليرة، وفي شارع الإمام علي يُباع بـ25 ألفا لا يمكن لساكن الشارع الأخير بالتعامل مع صاحب الصهريج الذي يبيع في الشارع الأول حتى ولو كان أرخص بخمسة آلاف ليرة، ولا العكس”، على حدّ تعبير علي الذي يتذمّر بصوتٍ عالٍ من إهمال دولةٍ حرمت مواطنيها من أدنى مقومات العيش الكريم و”سلّمت رقابهم لمافيا الصهاريج من دون حسيب ولا رقيب”.
تهجير قسري
فيما يؤكد جلال صاحب أحد الصهاريج في الضاحية الجنوبية لـ”البلد” أن تقسيم الشوارع بهذه الطريقة “متفق عليه بين أصحاب صهاريج المياه” لتفادي المشاكل، وكي لا يضارب بعضهم على بعضهم الآخر”. وعلى مبدأ مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد يقول جلال “إنه موسم عملنا ويجب ان ننظم الاستفادة من الأزمة ليحصل كل من أصحاب المصلحة على رزقته”. وعن الأسعار المرتفعة، يؤكد بأن ربحه “قليل جداً ولا يتعدى الخمسة آلاف ليرة في نقلة المياه الواحدة”، ويرفض الإفصاح عن مصادر المياه التي يقومون باستعمالها لإبقاء محركاتهم “شغالة” 24 على 24 ساعة بينما تعاني المنطقة من أزمة مياه حادة.
يقوم العم حسن بشراء صهريج مياه (20 ليترا) “يومياً” لمنزله “بسبب عائلته الكبيرة” بسعر 25 ألف ليرة لبنانية للصهريج الواحد، ” أي بما يعادل 750 ألف ليرة لبنانية شهرياً. ويقول بحسرة عارمة: “أنا أضع معاشي ثمناً للمياه واتكل في المصاريف الأخرى على راتب ابنتي الذي لا يتعدى الـ900 ألف ليرة، (فلا كهربا ولا مي)… كل ما في هذا البلد يقول بأنهم يمارسون التهجير القسري علينا من بيوتنا”.
فرضيات الأزمة
هذا وحوّل تفاقم الأزمة ضحاياها إلى خبراء يحللون منطقياً أسباب ما يعانون منه كل صيف، حيث تدور في شوارع البرج فرضيات كثيرة يتناقلها أهالي الحي على هدير صهاريج المياه التي لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً. فترى هدى أن السبب الحقيقي في أزمة المياه السنوية التي يعاني منها أهالي البرج تعود إلى أن المسابح في خلدة تسحب المياه في فصل الصيف بينما هي في طريقها من المشرف إلى الضاحية. يخالفها الرأي مهدي ويتطلع الى الأزمة من باب كثرة الآبار العشوائية على طول الخط من المشرف إلى برج البراجنة الأمر الذي يؤدي إلى الجفاف وانخفاض منسوب المياه في الآبار الارتوازية وتفاوت مياه البحر مع مياهها ما يؤدي الى ملوحتها غير الطبيعية صيفاً. أما سارة فلا تقنعها كل هذه الفرضيات وتضع الحق على مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان التي لا ترفع التعديات على مجاري المياه الواصلة الى البيوت، كوضع شفاطات تحصر المياه القليلة ببيت واحد أو بناية واحدة وتحرم ما تبقى من المياه.
على سكة الحل
ولمعرفة الحلول التي توجهت لتنفيذها بلدية برج البراجنة كان لـ”البلد”، حديث مع نائب رئيس البلدية زهير جلول، الذي أكد لنا بأن البلدية وإن كانت ليست المسؤول المباشر عن إيجاد الحلول الناجعة لأزمة المياه في نطاقها البلدي لان الحل مرتبط بشكل مباشر بمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، إلا أنها وانطلاقاً من كونها تعتبر نفسها المدافع الأساسي عن حقوق أهلها وراحتهم، لم تفوت فرصة واحدة في سبيل إيجاد حد لهذه الأزمة، مؤكداً بأن الأزمة وضعت على سكّة الحل. وبدعوة من بلدية برج البراجنة تم عقد لقاء موسّع وتفصيلي في البلدية يوم الثلاثاء الماضي بحضور كل من المهندس علي راضي مسؤول منطقة بعبدا في مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، والسيد فادي شلهوب مسؤول الصيانة في المؤسسة ومسؤول حزب الله في برج البراجنة الشيخ علي حاطوم ومسؤول الخدمات في حركة أمل الحاج علي محمود عمار ورئيس لجنة الوقف المهندس محمد فايز حرب ومخاتير برج البراجنة إضافة إلى رئيس البلدية عاطف منصور ونائبه، وبعض أعضاء المجلس البلدي، وذلك للبحث في مشكلة المياه في برج البراجنة. وعرض شلهوب خريطة المعوقات والأسباب التي أدت الى هذه المشاكل، ومنها “عدم سلامة بعض أماكن تحويلات المياه فنياً، تسرب المياه بسبب تلف في بعض القساطل على خلفية وجود مآخذ بطريقة الاعتداء على الشبكة ووضع بعض الزعران يدهم على أماكن تحويل المياه، إضافة إلى شح المياه في بعض الأحيان وتعطل الضخ لأسباب فنية أو كهربائية”.
اقتراحات حلول
وتمّ اقتراح حلول عدة ستبدأ المؤسسة بالتعاون مع موظفي البلدية بتطبيقها على ورش عمل متتالية ستنطلق خلال الـ48 ساعة المقبلة، عبر الكشف على جميع تحويلات المياه للتأكد من سلامتها وصيانة المعطل منها فوراً، عدم السماح لأي حفرية لسحب المياه ما لم يكن هناك إذن خطي من قبل المؤسسة وبالتعاون مع بلدية برج البراجنة ومساندة القوى الفاعلة على الأرض، محاسبة بعض الموظفين في مؤسسة المياه من الذين ساهموا في أزمة المياه، مراقبة خزان المشرف الذي يضخ المياه إلى برج البراجنة للتأكد من وصول كمية المياه المطلوبة، مراقبة سكر صقر قرب حائط المطار وهو يغذي برج البراجنة، مراقبة وصيانة سكر خلدة وهو يغذي برج البراجنة أيضاً، مراقبة سكر حي السلم وفيه اعتداء كبير، على أن تعمل المؤسسة على ضبطه لمنع أي شخص من التحكم به سوى المؤسسة وبالتعاون مع البلدية، البدء بحفريات من قرب مدرسة الشروق إلى حي المناشر لإيصال الماء إلى مربع جامع العرب، البدء بحفر 3 آبار في التحويطة مع بناء خزان كبير ليصار الضخ من خلاله إلى برج البرحنة عبر شبكة مياه المؤسسة، وتحرير محاضر ضبط بحق الذين يضعون شفاطات على عيارات المياه ما يحرم المشتركين من حصصهم بالماء وذلك بالتعاون بين شرطة البلدية ومفتشين من مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان والقوى الأمنية وفاعليات المنطقة الحزبية.
مأساة مستنسخة
إذاً، اختلف الأهالي في تحديد أسباب الأزمة، ووحّدتهم المأساة المستنسخة التي يعيشونها سنوياً نفسها بنكهات تختلف بين المرّ والأمرّ، وتجدر الإشارة إلى أن الأزمة لم تكشّر عن أنيابها في برج البراجنة وحسب، بل تنضم إلى الأزمة نفسها مجموعة من المناطق اللبنانية، قسم من بيروت وكسروان، وصولاً إلى بعلبك وبنت جبيل.