دورة الحياة لدى الحيوانات تختلف بطبيعتها بين نوع وآخر، وبالتالي لضمان الاستمرارية والمحافظة على التنوّع البيولوجي، تمتلك بعض الانواع قابلية على تغيير جنسها، خصوصاً اذا كان عدد الذكور في جنس معيّن أقل من عدد الاناث والعكس كذلك، ولا سيما في عالم الأسماك.
في هذا الاطار، فنّد الباحث ريتشارد بيكوك، أنواع السمك الذي يغيّر جنسه وآلية فعل ذلك، فضلاً عن الاسباب، واعتبر في مقال نشر على موقع evolutionfaq.com ان “أنواعاً عديدة من الحيوانات يمكن أن تنفق قبل أن تصل الى تصل إلى مرحلة البلوغ والانتاج، وذلك، فإن المحافظة على استمراريتها تكمن في الانجاب المستمر. واعتبر انه بينما يقوم الذكر بإنتاج النطف خلال فترات قصيرة وتخصيب الانثى والحمل… تأتي الاجيال الجديدة بسرعة. وبالتالي، قد تتعرض المجموعات الى نقص أو انعدام احد الجنسين وسط تلك الدورة السريعة، فيبقى الحل الوحيد هو تبديل الجنس.
يشدد بيكوك في هذا السياق، على انه لا يحدث اي تغيير في الشكل الخارجي للسمكة ان من حيث الحجم او اللون، بل ان الجنس هو الذي يتغير بسبب تغيّر ما تنتجه الاعضاء التناسلية للسمكة. وبالتالي، فإن التبديل يكون في الاتجاهين، ويمكن للسمكة ان تحوّل ما تنتجه من بيوض الى نطف بشكل تلقائي، تماماً كما تستطيع تحويل النطف الى بيوض.
آلية بيولوجية غير واضحة
لكل عملية تغيير جنس قواعد تحكمها، وبالتالي اعتبر بيكوك ان الآلية البيولوجية التي تتحكم بتلك العملية لدى الاسماك غير واضحة بشكل تام حتى الآن، الا ان ما هو معروف ان العوامل المحددة لذلك هي عوامل اجتماعية طبيعية.
فوجود ذكر واحد وسط مجموعة من الاناث يمنعهنّ من تحويل جنسهّن، بينما قد يسبب غياب الذكر تحول انثى واحدة منهنّ – والارجح ان تكون الاكبر حجماً – الى ذكر لضمان الاستمرارية، والآلية نفسها في حال تراجع عدد الإناث وكثرة الذكور.
أمثلة من قعر البحار
عزّز بيكوك مقالته بأمثلة من قاع البحار، فسمكة الرأس المنظفة blue-streaked cleaner wrasse، تنقسم الى مجموعات صغيرة، وتعيش كل منها منفصلة عن الاخرى، وتتضمن ذكراً واحداً واناثا عدة. وحين عزل العلماء الذكر عن المجموعة، لاحظوا ان الانثى الاكبر قامت بتغيير جنسها بالتزامن مع عملية العزل.
اما النوع الذي تغيّر فيه السمكة جنسها من ذكر الى انثى، فيتمثّل بـ “سمكة المهرج” clown fish التي عادة ما تقيم علاقات يتزوّج فيها الذكر الواحد من انثى واحدة. وحالما تنفق الانثى يقوم الذكر بتحويل جنسه الى انثى، ليجد ذكرا له كي لا يبقى ذكرا يصعب عليه ايجاد انثى. ويعدّ غياب الانثى في “سمكة المهرج” هو العامل الابرز لتحويل الجنس.
ومع ذلك، فقد تمت ملاحظة بعض الحالات التي يجد فيها بعض الذكور إناثا اخريات دون ان يحوّلوا جنسهم. وذلك لان عملية التحول تستغرق ما يقارب الشهرين، والتي من الممكن أن يجد الذكر قبلها أنثى اخرى قبل ان يبدأ التحول، الذي قد يأخذ وقتا طويلا يتعرض خلاله للخطر وقد لا يحصل على فرصة اخرى للتزاوج مرة ثانية.
في هذا الاطار، استطرد بيكوك للحديث عن ان بعض الانواع يمكن أن تعود الى جنسها الطبيعي بعد تغييره لدواعي تناسلية ولمرات عديدة، الا ان هناك بعض الانواع التي لا يمكن ان تفعل ذلك الا لمرة واحدة فقط، فضلاً عن وجود انواع أخرى تمتلك من الاساس الاعضاء التناسلية الانثوية والذكرية في آن معاً.
وفي نهاية المقال، شدد بيكوك على ان شكل السمكة لا يتغير مع تغير جنسها، والاهم ان السمكة التي ولدت انثى ستضم الكروموسومات الانثوية XX، وان السمكة التي ولدت ذكرا ستضم الكروموسومات الذكرية XY، بغض النظر عن الجنس الذي ستتحول اليه.
سمكة نابوليون.. أكبر الاسماك المغيّرة لجنسها
في الاطار نفسه، وبعملية بحث سريعة، نجد ان هناك أنواعا اخرى من الأسماك تقوم بتغيير جنسه، ومنها “سمكة نابوليون” او “شاحنة الموج” Humphead wrasse، وهي من الأسماك الكبيرة التي تعيش بين الشعاب المرجانية في المحيطين الهندي والهادي، وتوجد أيضا في البحر الأحمر.
تتميز هذه السمكة الضخمة التي يزيد طولها عن المترين بألوان الذكور الخضراء والوان الاناث البرتقالية، وتستطيع أن تغير جنسها من أنثى إلى ذكر، وتعتبر من الأسماك المعمرة، ولكن معدل تكاثرها بطيء جدا، ما يجعلها مهددة بالانقراض بسبب تقنيات الصيد المدمرة، وحالات الصيد غير المشروع وغير المنظم أو غير المبالغ عنه.
أسماك الطباشير… وتغيير الجنس 20 مرة يومياً
في متابعة للموضوع، كشفت دراسة جديدة لـ “جامعة فلوريدا” أن أسماك الطباشير المتواجدة في الشعاب المرجانية في البحر الكاريبي، تدين بالكثير من نجاحها التطوري إلى حقيقة أنه يمكنها التبديل بين الجنسين 20 مرة يوميا، حيث يساهم كلا الشريكين في وضع البيض.
هذه التغيرات المتكررة جنسيا تسمح لهذه الأسماك بالبقاء في علاقة مع شريك واحد مدى الحياة، فعندما لا ينتج أحد الشريكين ما يكفي من البيض، يمكن للآخر أن يتحول وينتج أعداداً منها.
وفحص باحثون برئاسة البروفسور ماري هارت من “جامعة ولاية فلوريدا” الأسماك المخنثة لاكتشاف أي الأنماط العصبية التي تكمن وراء عاداتها الإنجابية الغريبة، ووجد الباحثون أن الأسماك تحتفظ بشريكها طوال دورة حياتها الممثلة في سنة واحدة ويمكن للشريكين مبادلة النوع. وأوضحت البروفسور هارت أن هذه الاستيراتيجية تسمح للأفراد بتخصيب ما ينتجونه من البيض، ويتحفز كل نصف من الثنائي إلى مشاركة البيض، وإذا افتقر أحدهما للبيض يقوم الآخر بإنتاجه.
وتابعت البروفسور هارت: “يحدث نوع من التطابق بين الشريكين في هذه الأسماك، فإذا أراد أحد الشريكين زيادة إنتاج الشريك الآخر من البيض فعليه زيادة إنتاجه هو من البيض، وبذلك تتحمس السمكة الأخرى لإعطاء المزيد، وتشير دراستنا إلى أنه في العلاقات طويلة الأجل تهتم الحيوانات بمشاركة الشريك الآخر في العلاقة بشكل عادل”.
ودرست البروفسور هارت وزوجها الدكتور أندرو كراتر طقوس التزاوج لدى هذه الأسماك لمدة 6 أشهر، ويجتمع الزوجان من هذه الأسماك معا لمدة ساعتين يوميا قبل غروب الشمس في المنطقة التي يعيشون فيها أو منطقة وضع البيض، ويقضيان نحو نصف ساعة من المداعبة والدوران حول بعضهما البعض، ويقرران أي منهما سيلعب دور الأنثى في أول جولة لهما لوضع البيض، ثم يسبحون ويطلقون الحيوانات المنوية والبويضات، ويأتون ذهابا وإيابا ويغيرون أدوارهم الجنسية مع نفس الشريك، إنه أمر غير عادي ولا أعرف أي نوع آخر مثل ذلك.