رنا جوني – البلد

تخطت مشكلة المياه في قرى النبطية كل الازمات، في ظل استمرار سياسات الاهمال واللامسؤولية في التعاطي مع القضية. والمفارقة ان قرى الجنوب تقوم على بحيرات عذبة من المياه، فيما السكان يعانون النقص، الى حد يفضح كل المستور، وخصوصاً مع استمرار البحث عن مصادر المياه في الآبار والبرك الاصطناعية والمشاريع المائية الصغيرة التي لا تؤمّن وفرة مائية تكفي احتياجات المواطنين، هذا طبعاً اذا ما استثنينا مشروع الليطاني، العائم على عناوين اساسية من الاهمال.

ليست أزمة المياه بجديدة في الجنوب، ولن تكون آيلة الى الزوال، طالما انّها ستبقى تشكل ازمة مجتمع، تخنق المواطن في ظل المشاكل الاقتصادية الكبيرة، التي تلازمه في تفاصيل يومياته. ارقام حسابية بسيطة، يمكن من خلالها معرفة الحد الادنى للدفوعات التي يتكّبدها المواطن شهرياً: 350 الف ليرة بين شراء مياه للاستهلاك، 280 الف ليرة اشتراك المياه الفعلي لمصلحة مياه نبع الطاسة. تلك المياه التي لا تصل للمواطن اصلاً، فمعظم القرى حفرت آبارا ارتوازية تعتمد عليها في عملية الضخ، وبالتالي فانّ السؤال الاول المطروح: لماذا يتم دفع اشتراك المياه طالما انّ المواطن يدفع ثمن شراء المياه اضعافاً؟، وكيف تجرؤ المصلحة على مطالبة المواطن بالدفع وهي تدرك جيدا انه يشتريها من مصادر اخرى؟.

الصرف الصحي
لا تخلو بلدة في منطقة النبطية من ازمة مياه. ففي يحمر الشقيف، جارة الليطاني الذي يزنرها النهر من ثلاث جهات عطشى، تعاني ازمة مياه خانقة جدا. والازمة الى مزيد من التفاقم، حيث ارتفع منسوب التلوث في نهر الليطاني متنفس الاهالي صيفا، وبات خطرا جدا مع انبعاث روائح الصرف الصحي منه. كانت البلدة تعتمد على مشروع المياه الذي نفذ فوق مجرى النهر، ومنه كان يجري ضخ المياه الى البلدة للاستهلاك فقط، ولكن هذا المصدر لم يعد صالحاً حتى للزراعة، كما يؤكد مواطنون كُثر، “تفوح من المشروع رائحة المجارير، اللون اسود قاتم، ما ادى الى تضرر المزروعات”. يشبّه مواطنون الازمة، بأزمة الوطن العربي، “لا حل لها”، على حد قول محمد “يوجد بئر ارتوازية من المفترض انّها تحل الازمة، ولكن انتشرت اخبار مفادها انّ المياه ملوثة، وهذا عار عن الصحة، فالعينة التي اُخذت الى المختبر تعرضت الى اشعة الشمس على مدى يومين في السيارة، وحتماً ستأتي نتيجة المختبر سلبية”. ويعتبر محمد انّ ذلك جاء حلاً معلباً من قبل البلدية التي “تريد التملص من مسؤولياتها تجاه تأمين كهرباء للبئر من اجل ضخ المياه للبلدة”.
مشروع الليطاني
ويتحدث الاهالي عن انّ بلدية ارنون “تتكرّم” عليهم احياناً بالمياه، فتضخ من آبارها للبلدة حين تستطيع ذلك، “صرنا نشحذ المياه، ونحن منبع المياه العذبة، فلو كان هناك مخطط واضح لمشاريع المياه لكنا بألف خير، ولكن مياه المشاريع تُسرق والعدو ينعم بالمياه”.
لا يختلف اثنان ان الحرب المقبلة ستكون بسبب المياه، واول الغيث تلوث الليطاني ما يعني ان مشروع الليطاني سيتوقف، فيما لا يوجد افق لمعالجة الكارثة، رغم الحملات القوية التي انطلقت لمعالجة التلوث وحماية النهر ليعود للاهالي. وقد انتشر على صفحات التواصل هاشتاغ “معا لنرجع الحياة الى الليطاني” علّ صوت الحملة التضامنية مع متنفس الاهالي الوحيد يصل صداه لمسؤولين لا يزالون غارقين في سبات ازمات سياسية المعقدة، متناسين مشاكل المجتمع التي تهدد المواطن.

ميفدون
تطرق ازمة المياه بلدة ميفدون، اصداء الازمة تتعالى يوميا، وتشكل صفحات التواصل متنفس الاهالي الوحيد ليصل صوتهم، بحسب عبد الله “كنا موعودين بحل للازمة مع بداية عهد البلدية الجديد، التي اغدقت الكثير بالوعود وان المياه ستصل الى كل منزل، ولكن عالوعد يا كمون”. فيما اوضح ابراهيم مزنر ان “البلدة ترزح تحت وطأة ازمة مياه ونفايات تتكدس في الطرقات، وهذا امر معيب بحق البلدة، لا احد يملك خطط معالجة، كله يتسلح بالكلام، هذه هرطقات، يفترض ايجاد حل للازمات لانها لم تعد تُطاق وقد تسبب باعتصامات وتحركات، فالمواطن تعب من تحميله مسؤولية اخطاء الزعماء”.
لا تتوقف ازمة المياه عند هذا الحد، فأكثر من 90 نقلة مياه يوميا يشتريها اهالي بلدة حاروف، اي ما يعادل 500 دولار يوميا، اي بحدود 15 الف دولار شهريا هذا عدا عن اشتراك المياه الشهري الذي يصل الى 450 مليون ليرة… اموال كانت لتحل الازمة لو استثمرت في مشروع مائي يُخلص الاهالي من ازمة باتت ترافقه لاكثر من سبعة اشهر.
يقترح الاهالي “الغاء اشتراكات المياه واعتمادهم على الآبار، طالما لا نستفيد منها”. تغذى البلدة من مصدرين من المياه آبار فخر الدين التي تصل فقط الى اول البلدة، ومن بئري البلدة، ولكن تفاقم المشكلة يتزايد يوميا ويستدعي وضع حلول لها يقول ابراهيم “ان احد الآبار التي يشتري منها الناس المياه يحتاج الى تنظيف بسبب تكدس طبقات من الرمل والردميات ولكن هناك من يعرقل هذا الامر ويحول دونه، ومشكلة الضخ وفق المصادر لا تتوقف هنا بل تضطر البلدية لشراء مادة المازوت وهذه مسؤولية مصلحة المياه، التي لا تزود البلدية الا بـ 2000 ليتر كل شهرين وهي كمية لا تكفي يومي ضخ وسط سطوع نجم التقنين مجددا”.

الآبار الارتوازية
يبدو ان ازمة المياه قد لا تنتهي، الآبار الارتوازية هي الحل في كل بلدة، فنبع الطاسة، وفق المصادر انخفض منسوبه بسبب شح المتساقطات، وبالتالي ان لم يجر اتخاذ تدابير التفافية على الازمة فان على المواطن ان يعيش في شح مياه وارتفاع فاتورته الاستهلاكية. والسؤال البديهي: لماذا لم يجر الاستفادة من مياه الامطار لتجميع المياه؟ فقديما كان اهالي القرى يعتمدون تلك الطريقة لتجميع المياه للافادة منها صيفا في الاستهلاك اليومي وري المزروعات، مع تقدم العصر باتت تلك التقنية “بالية” والبحث عن حلول اخرى كالسدود التي كان يفترض ان تكون جاهزة عند الوادي الاخضر والليطاني وطيرفلسة، بات في مهب الريح، وما ازمة المياه التي تعانيها كل القرى دون استثناء الا وليدة التقاعس عن الاستفادة من خيراتنا المائية التي تفيد المصادر ان بحر صور غني بفوارات المياه العذبة التي تخلص كل الجنوب من ازمته ولكن في بلد كلبنان تحول التجاذبات السياسية دون قيام المشاريع، وعلى المواطن ان يصبر كصبر ايوب.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This