بدأت كافة المجتمعات التكيّف مع التغيّر المناخي بشكل أو بآخر، ورغم عدم استدراك خطورة هذا الامر من قبل أعداد كبيرة من الشعوب، إلا انه بالنسبة الى العلماء فإن ناقوس الخطر قد قرع. ومن ضمن سلسلة الانذارات الواردة من كافة الجهات البيئية المعنية، دُق أول جرس إنذار من قبل برنامج الامم المتحدة للبيئة عام 2007، تقرير يحذّر من تأثر مستقبل المليارات من الأشخاص في جميع أنحاء العالم نتيجة ظاهرة التغير في سقوط الثلوج وفقدان البحار وجليد البحيرات وذوبان جليد القطبين الشمالي والجنوبي… وتوالت الحوادث، فبين العامين 1996 و2005 فقدت الكتل الجليدية ما يوازي في الحجم مترا من المياه ما يمثل ضعف الذوبان الذي لوحظ خلال العقد السابق (1986-1995) واربع مرات أكثر مما فقد بين 1976 و1985.

 

تحذير الامم المتحدة

 

حذر تقرير للامم المتحدة من ان معظم جبال العالم مهددة بذوبان ثلوجها الدائمة مع نهاية القرن ان استمرت ظاهرة الاحتباس الحراري بوتيرتها الحالية. ولفت التقرير إلى أن تغيرات طبيعية بين فترات الجليد وارتفاع الحرارة لوحظت دوما في تاريخ كوكب الارض، لكن الاتجاهات الحالية المسجلة من القطب الشمالي الى اميركا الجنوبية مرورا باوروبا الوسطى هي بوتيرة مختلفة.

وحذّر الخبراء من أن “الاتجاه الحالي على المستوى العالمي لذوبان الكتل الجليدية السريع، وحتى المتسارع، على مدى قرن منفصل على الارجح عن فترات مناخية طبيعية قد يؤدي الى ذوبان جزء كبير من الثلوج الدائمة بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين”.

 

جبل غرينلاند

 

الامثلة كثيرة في هذا المجال، والاكثر حداثة منها  دراسات استندت على بيانات وكالة “ناسا” الأميركية أظهرت أن قاعدة أحد الجبال الجليدية في غرينلاند (القطب الشمالي) تذوب بسرعة، بسبب الاحتكاك مع المياه الدافئة في المحيط، كما وحذر العلماء من انهيار “غير قابل للتصحيح” لمناخ القطب الجنوبي في حال ذابت جباله الجليدية الكبرى.

ويسجل جبل جليدي ضخم في شمال شرق غرينلاند، بالقطب الشمالي، وتيرة ذوبان متسارعة في السنوات الأخيرة بسبب الاحترار المناخي تقلق العلماء من إمكانية التأثير على غطاء جليدي مجاور، علما أن ذوبان هذا الجبل بالكامل قد يؤدي إلى رفع منسوب البحار نصف متر.

وكان هذا الجبل الجليدي مستقرا حتى السنوات الأولى من القرن الحالي، لكنه منذ ذلك الحين صار يفقد خمسة مليارات طن من الجليد سنويا، ثم تضاعفت وتيرة انحسار الجزء العائم منه ثلاث مرات اعتبارا من 2012. وبين 2002 و2014، فقد الجزء العائم للجبل الجليدي 95 بالمئة من مساحته. ومن شأن هذا الانحسار السريع أن يؤثر على جبل جليدي آخر يقع إلى الشمال من هذا الجبل.

ويقول جيريمي موغينو الباحث في قسم الجيوفيزياء في جامعة كاليفورنيا، والمشرف على دراسة نشرت في مجلة ساينس العلمية الأميركية “إنها المرة الأولى التي نشهد فيها جبلا جليديا ضخما في شمال غرينلاند البارد حيث لم نكن نسجل آثارا للاحترار المناخي، يفقد كتلته بهذه الوتيرة المتسارعة”. ويضيف: “الجبل الجليدي يتفتت وتنفصل عنه جبال جليدية يؤدي ذوبانها إلى رفع منسوب البحار في العقود المقبلة”. وبحسب الباحث، فإن الجبل فقد أربعين مليار طن من الجليد منذ 2003، بوتيرة خمسة ملايين طن سنويا، وهذه الوتيرة قد تتضاعف.

وبحسب أستاذ الجيوفيزياء في جامعة كاليفورنيا، إريك رينيو، أحد المشرفين على الدراسة “يذوب أعلى الجبل الجليدي تحت تأثير ارتفاع متواصل في حرارة الجو منذ عقود، أما أسفله فيذوب بسبب التيارات البحرية الدافئة”.

وتظهر الدراسات الجديدة  الجديدة أن التغير المناخي يذيب الجبال الجليدية بوتيرة متصاعدة في منطقة القطب الشمالي الأشد بردا. وإذا استمرت حرارة الأرض بالارتفاع، يمكن أن يبدأ الجليد في مناطق أكثر بردا على كوكب الأرض، مثل بعض مناطق القطب الجنوبي بالذوبان.

 

جبال مهددة

 

في السياق ذاته، بيّن العالم الجيولوجي ايريك ريجنوت من “جامعة كاليفورنيا” أن القسم الشرقي من القطب الجنوبي ليس مستقرا تماما، بعكس ما كان يعتقد العلماء حول القطب الجنوبي بأنه أكثر استقرارا. ونشرت مجلة العلوم  دراسات حديثة ركّزت على الجبال الجليدية الكبرى في العالم، في ألاسكا وواشنطن، ومن أهمها جبال جولكانا  ولفراين في ألاسكا شمال الكرة الأرضية، وجبل ساوث كاسكيد في ولاية واشنطن، وتعد هذه الجبال مؤشرا على مستوى الجبال الجليدية في العالم بأسره. ويذكر الباحثون أن تلك الجبال الجليدية العملاقة قد أخضعت لدراسات مستفيضة منذ عام 1957، وقد تبين للباحثين أن تراجع وذوبان الجليد في تلك المناطق كان على وتيرة أسرع مما توقعه علماء البيئة والمناخ سابقا.

وحول ذلك ذكر رئيس فريق البحث العلمي إدوارد جوزبيرغ أن هذه التغيرات حدثت في تلك المناطق وأن هناك شيئا يحدث في المناخ العالمي، وأردف قائلا “نعم الجبال الجليدية تتضاءل وتذوب بشكل سريع”، ودلل ادوارد على ذلك بقوله انه “تم تسجيل كميات الجليد المتساقطة على تلك الجبال وكميات الجليد الذائبة على مدى نصف قرن”، وقد تبين لفريق البحث أن التغير المناخي العالمي حقيقة، وأن العالم مقبل على فترة مناخية جديدة.

وفي ظل التغير المناخي الذي يعصف بالارض، يتوقع العلماء ان يذوب الجليد الذي يغطي جبال الالب عند مستوى ثلاثة آلاف و500 متر وما دون في آخر القرن الحالي، مثلما ذاب الجليد عن مرتفعات شاكالتايا على ارتفاع خمسة آلاف و300 م في بوليفيا عام 2009.ويقول الباحث الفرنسي باتريك جينو “خلال السنة الحالية، ذاب الجليد عند ارتفاع ستة آلاف متر، في ايليماني بسبب ظاهرة الـ نينيو المناخية”. ويضيف جيروم شابيلاز “بعد خمسين سنة، سيكون لدى البشر امكانات علمية اكبر، ولكن قد لا يبقى لديهم جليد محفوظ منذ عقود او قرون في مواقع كثيرة من العالم”.

تخزين الجليد
تخزين الجليد 1

تخليد الذكرى! 

 

في هذا السياق، برزت فكرة تخزين عينات من الجليد، ففي شهر آب (أغسطس) المقبل، سيذهب فريق من العلماء الى قمة جبل مون بلان في فرنسا لأخذ عيّنات جليدية وحفظها في القطب الجنوبي للذكرى، لان حياة الجليد على هذا الجبل مهددة بفعل الاحترار المناخي.

ويقول جيروم شابلاز مدير مختبر علوم الجليد والجيوفيزياء في غرونوبل جنوب شرق فرنسا “لا نفعل ذلك بهدف التسلية فحسب، بل للاحتفاظ بأثر شاهد طبيعة جبل مون بلان الذي يرجح ان يذوب عنه الجليد في المستقبل بفعل الاحترار المناخي”.

وسيتوجه نحو 12 عالم جليد من فرنسا وايطاليا وروسيا الى قمم الجبل، على ارتفاع اربعة آلاف و300 متر، في مرتفعات الالب الفرنسية والايطالية، حيث يمضون هناك بضعة ايام في استخراج العينات الجليدية. وستوضع هذه العينات التي سيبلغ وزنها بضعة أطنان، في صناديق عازلة للحرارة، ثم سيجري تحليل واحدة منها في مختبر غرونوبل لاستخراج نتائج علمية تكون متاحة لكل الباحثين في هذا المجال. اما العينتان الباقيتان، فستنقلان الى قاعدة كونكورديا الفرنسية الايطالية في القطب الجنوبي، في العام 2019 او 2020.

وهذه العملية ليست وحيدة من نوعها في العالم، بل ستجرى واحدة منها في ربيع العام 2017 في جبل ايليماني في بوليفيا، على ارتفاع ستة آلاف و300 متر، في ظروف اصعب بكثير.

والهدف من هذه العمليات هو الاحتفاظ للاجيال المقبلة بذكرى تشهد على ان هذه المرتفعات كانت مغطاة بالجليد قبل ان يودي بها الاحترار المناخي، وان تكون هذه الكميات مادة للباحثين.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This