نهلا ناصر الدين – البلد
في بلدةٍ ضاربةٍ في القدم، وتدل على ذلك الآثار العديدة التي تملأ أراضيها، وتعاقبت عليها الأزمنة، من الآراميين إلى الصليبيين مروراً بالفينيقيين، الرومان، والبزنطيين، يُقال أن أعمال تنقيب مشبوهة تحصل في جرودها تحت حجة الصيد “المحرّم على غرباء العاقورة دون أهلها” وأن آثاراً مهمة تعود للعصر الروماني، وجراراً فخارية مليئة بالذهب على طريق العاقورة- اليمونة – البقاع، (التي يعتقد المؤرخون أنها أقدم طريق شُقّت في جبل لبنان) عرضةً للبيع والشراء من دون علم السلطات المختصة.
لم يتوقع أحد زائري جرود العاقورة، والذي تواجد في المنطقة مصادفةً، بأن يرى ما رآه من أعمال حفر وتنقيب عن ما أسماه الآثار الرومانية الكبيرة الحجم وخوابي الذهب. في مكان ظن أنه مخصص فقط لصيد الحجل وغيره من الطيور، ليتبين له بعد تلك الزيارة أن أعمال صيدٍ ولكن من نوع آخر “تجرى على قدم وساق في جرد العاقورة منذ أشهر” وذلك تحت حجة الصيد الذي يؤكد المصدر بأنه “ما زال متاحاً لبعض أهالي البلدة ومحرّم فقط على الغرباء”. وكشف لـ”البلد” بأنه عبر التواصل الدائم مع أبناء البلدة تأكد بأن “أيادٍ سيطرت ولا تزال تسيطر على خوابي الجرود وتبيع وتشتري فيها برعاية نافذين يتمتعون بسلطات محلية”. وأن تلك الأيادي اتخذت من قانون منع الصيد فرصة لإكمال عملها بالخفاء مستعينةً بخبراء لاستخراج الآثار التي يتعقبونها تبعاً لخرائط يملكونها وتبعاً لعلامات معينة موجودة على الآثار نفسها، والتي ” يبدو أن المنطقة غنية بها، حيث يتراوح وجودها على أعماق مختلفة، منها ما يتم رفعه بأدوات التنقيب التقليدية، ومنها ما هو بحاجة لأدوات تنقيب كهربائية”.
ويؤكد المصدر نفسه أنه يمكن للمارّ على الطريق الحالي من أول جرد العاقورة، مروراً بالبحيرات والطرق الفرعية العديدة التي تكثر في بعضها الألغام الآلية وعين روما وصولا إلى ما يسمى بتلة النسورة، أن يرى بالعين المجردة عدداً من أعمال التنقيب التي لا تزال مستمرة في ظل منافسة قوية على استخراجها بين عدد من أبناء البلدة.
ماذا يقول الأهالي
فهل في جرود العاقورة آثار تعود إلى أزمنة مختلفة فعلاً؟ سؤال يؤكده الأهالي، بينما لا تجزم الجهات المخولة بذلك ولكنها لا تنفي بالمقابل، ذلك أن الاطلاع على لائحة”جرد المواقع الأثرية” تحتاج إلى فترة زمنية لا تقل عن ثلاثة ايام .
بينما لا يستغرب أهالي العاقورة والجوار مقولة التنقيب عن آثار في جرود بلدتهم، المعروفة بغناها التاريخي هي وبلدات الجوار، لا سيما وأن الطريق الرومانية المشقوقة في الجبل على اتساع يتراوح بين ثلاثة وستة اقدام وبعمق يتراوح بين قدم وثمانية أقدام، وُجد على جدارها الشمالي نقش روماني يشير إلى أنها شقت بناء لأوامر الامبراطور دومينيانوس في القرن الأول ميلادي. ويقول علماء الآثار الذين فحصوا الطريق ودرسوها، أنها كانت موجودة قبل العهدين الروماني واليوناني وشقها الفينيقيون لسببين: الأول هو إيجاد منفذ تمرّ فيه القوافل التجارية القادمة من الشرق إلى داخل لبنان، حيث كانت العاقورة في مختلف الأزمنة سوقاً عالمية للتجارة. أما السبب الثاني فكان لمرور الحجاج والمحتفلين بطقوس أدونيس إلى بحيرة اليمونة للتطهير. ويروي أحد الأهالي لـ”البلد” أن تحركات “مريبة” تشهدها الجرود في أوقات مختلفة، حيث تقوم مجموعة من الأشخاص بقصد المكان بحجة الصيد بينما الهدف الحقيقي هو التنقيب عن آثار موجودة في المنطقة وبيعها من دون علم السلطات المعنية.
بين النفي والتأكيد
كثيرون من أبناء العاقورة يتحدثون عن الموضوع همساً وبالعلن، ووحده رئيس البلدية منصور وهبي ينفي علمه بالموضوع مطلقاً. وفي اتصال معه، ينفي وهبي علمه بحصول عمليات التنقيب في جرود العاقورة جملة وتفصيلاً، ويؤكد لـ”البلد” أنه تم توظيف 20 ناطوراً جديدًا للمراقبة و”إذا تم رصد أي من هذه الأعمال المشبوهة سيتم التصرف معها بما يلزم”، مشدداً على أن قرار منع الصيد أصبح نافذاً على كل من أهالي العاقورة نفسها كما على الغرباء، وأن القرار جاء تطبيقاً للقانون اللبناني، وحفاظاً على المحمية الموجودة في الجرود (محمية وادي الدبور) وعلى التنوع البيولوجي، الإيكولوجي والحيواني وبعض الطيور النادرة في المنطقة.
وبين النفي والتأكيد تبقى إشارات الاستفهام تدور وبقوة في فلك جرد العاقورة وبعض الأعمال المشكوك في أمرها التي تحصل في نطاقها… إشارات استفهام تبقى إجاباتها الشافية في المقابل برسم الوزارات المعنية وحدها.