قرر رجل الأعمال بيار فتوش كسر صمته المعهود، والحديث تحت مسوغات الإنماء في لبنان، عن المشاريع المستقبلية وخلق فرص العمل ردا على اتهامه بـ “إثارة الغبار والتلوث بالكسارات”، فضلا عن “معمل الموت (الاسمنت)” المزمع انشاؤه، كما أسماه أهالي عين دارة،  وذلك في لقاء بث مباشرة على تلفزيون OTV ليضع “الحقائق” أمام الرأي العام والمعنيين وليفتح نقاشا واسعا حول ما يقوم به ليحاول أن يثبت أن “لا غبار عليه”!

وهنا من موقعنا greenarea.info، ومن منطلق مقاربة موضوعية لكافة الأمور المتصلة بالبيئة والتنمية، كان لا بد لنا من الإستماع ونقل رأي بيار فتوش، ومواقفه العديدة في بياناته الصادرة عن مكتبه الإعلامي في محاولة للوصول إلى الحقائق الدامغة والحكم الفصل، والإطلال في الآن عينه على “الرأي الآخر”.

كان العامل المشترك في البيانات الصادرة، والتي سبقها وأتبعها باستدعاءات عديدة طاولت عددا من أهالي عين دارة، هو “نلتزم في كل استثماراتنا ونشاطاتنا بالقوانين والأنظمة اللبنانية المرعية الإجراء، ونمارس أعمالنا بموجب تراخيص قانونية صادرة عن الوزارات والجهات الرسمية المختصة، متمنين على وسائل الإعلام الكريمة عدم الإنحياز، ونقل الوقائع بدقة وموضوعية بعيدا من الإساءة والتجريح”، بينما يتهمه أهالي عين دارة بـ “مخالفات تطاوله وغيره في جمهورية الكسارات، لا سيما المرسوم الرقم 8803/2003 الذي ينتهكه الفتوش وغيره يوميا”.

وهنا نود الإشارة إلى أن أهالي عين دارة ومجلسها البلدي يتجهون باتهامهم ليس لبيار فتوش فحسب، بل إلى مجموعة كاملة من الكسارات تمارس أعمالها في جبال عين دارة بشكل مستمر بدون عملية استصلاح للأراضي، ما يترك مساحات “ميتة” شاسعة، لا نستطيع الجزم بقدرتها على استرداد تنوعها الحيوي، وبالتالي، فإن المنطقة المصنفة “منطقة تزلج”، بسبب منحدراتها تحولت إلى مساحات مستوية بلا حياة ولا تضاريس تذكر.

شارك في اللقاء التلفزيوني مع فتوش الخبير البيئي الدكتور نبيل حداد، ومن لا يعرف الدكتور نبيل حداد، فهو من مدينة زحلة، وشريك السيد فتوش في العديد من الأعمال، آخرها في اللائحة المرشحة الخاسرة في الإنتخابات البلدية لمدينة زحلة، وأهمها استثمار مغارة جعيتا منذ 26 سنة، ومخالفاته العديدة تناولتها وسائل الإعلام من نواحٍ عدة.

 

قرارات ومراسيم واستهداف المسيحيين

 

ما يدعو للاستغراب أن يبدأ فتوش حديثه بعد “الإعتداء علينا كمسيحيين، وعدم قدرة السياسيين الدفاع عنا، فاضطررنا للدفاع عن أنفسنا، وتشويه صورتنا في الإعلام، وتصديق الناس هذه المزاعم، والإشاعات التي تتحول إلى حقيقة، وعلى الناس أن تسمع الوقائع”، ولدى سؤاله عن عملية استهداف المسيحيين، قال “كوني مستثمرا في البلد، يتعرضون لمشاريعي، ونحن موجودون في عين دارة منذ سنة 1994 بتراخيص قانونية، منها تراخيص صادرة عن مجلس الوزراء استنادا إلى المرسومين 4917 و5616 في حكومة الرئيس رفيق الحريري، وقد وقع حينها على المرسوم الوزير وليد جنبلاط، وهو ترخيص استثنائي لمجموعة صناعية باستثمار مقالع وكسارات ومجابل باطون وزفت ومعمل حجارة باطون وكلينكر لصناعة الإسمنت، ونحن الوحيدون المسموح لنا بالترخيص والذين نتعرض للهجوم”.

وساق فتوش سلسلة طويلة من التراخيص والمخططات التوجيهية نذكر منها: مخطط توجيهي للمقالع والكسارات، رقمه 4 تاريخه 12/3/1997، وكرس المنطقة منطقة مقالع وكسارات مصنفة فئة أولى صناعية، وقرار بإلغاء وإقفال المقالع والكسارات في سنة 1999، ولجأ فتوش حينها للقضاء متهما اصدار القرار منفعة سياسية ومالية، كون القرار استثنى كافة الكسارات الأخرى في لبنان (1200 كسارة)، وطاول كساراته المرخصة في أربعة مواقع في لبنان في منطقة الجية، البقاع وموقعين في ضهر البيدر رقم 38 تاريخ 21/7/ 1999 في حكومة الرئيس الحص تحت ولاية الرئيس إميل لحود، وأشار فتوش إلى أنه لا زالت هناك حوالي 800 كسارة عاملة في لبنان، ولدى الأجهزة الأمنية ووزارة البيئة قائمة بها، أما في منطقة عين دارة فهناك اكثر من 20 كسارة دون تراخيص.

واتجه فتوش بعد الإقفال بذريعة نقل الكسارات إلى سلسلة الجبال الشرقية إلى مجلس شورى الدولة، علما أنه لم يتم نقل أي كسارة، وبقيت الكسارات تعمل عدا كساراته، وأشار إلى أن السبب “مصالح مضاربة لكساراتنا، واتجهنا مباشرة للقضاء بشكل فردي إيمانا منا به، وعندها صدر قرار مجلس شورى الدولة رقم 395 بتاريخ 2001 بإبطال القرار ومعاودة الإستثمار، ولكن لم ينفذ، وطلبت الحكومة تفسير الحكم، للمماطلة وتضييع الوقت، عبر هيئة القضايا إلى مجلس الشورى”، وفي الناحية القانونية، قال فتوش: “إن قرار محلس الشورى ملزم، مبرم ونهائي، وله قوة القضية المحكمة، ولكن جرت المماطلة أيضا، ليستفيد الطرف الثاني (يقصد المقالع والكسارات غير القانونية)، وقد أقفلت مصالحنا بالشمع الأحمر، ومنعت القوى الأمنية دخولنا إلى مصالحنا، وكان الأسهل الدخول إلى مزارع شبعا من الدخول إلى مصالحنا، وبقي الوضع على ما هو عليه حتى صدور القرار التفسيري في 2003، باستمرار الترخيص والإستثمار، ولكن بعد ذلك بشهر وبتاريخ 26/6/2003 صدر قرار من مجلس الوزراء رقمه 31 في وزارة الرئيس رفيق الحريري، وكان وزير البيئة حينها فارس بويز، قضى بتفكيك المعدات للحؤول دون إعادة تشغيلها مجددا، وقمنا بإعادة مراجعة لتنفيذ وإبطال هذا القرار، وحدثت مماطلة في الرد على وقف تنفيذ القرار، حتى صدور القرار من الرئيس عدنان عضوم مدعي عام التمييز بتنفيذ أحكام مجلس الوزراء، وعلى الرغم من توصية نيابية بوقف التنفيذ لم يتقيد فيها أحد، فقد جرى (تقطيع) المعدات في 7/2003، فأوقفنا نهائيا، وتكدس 5300 ألف طن من البحص، لا نستطيع أن نستفيد منها ولم توقف أو تفكك أي كسارة أخرى”.

 

مشروع زحلة “وهمي”!

 

أما عن مشروع زحلة، فقال أنه “مشروع وهمي (اخترعولنا ياه) بعد ترخيص 1994،  وهو عبارة عن مستودعات ومكاتب”، وأضاف أن “عملية التراخيص كانت بيد المحافظ وفي العام 2002، وأصبحت وزارة الصناعة تصدر التراخيص، ورقم الترخيص الخاص بنا رقم 14، جزء منه لتكملة الصناعات الأخرى من جبالات الباطون والزفت ومعمل أحجار باطون وكلينكر لصناعات الإسمنت”.

وقال فتوش حول المجمع الصناعي: “في أواخر العام 2014 اضطررنا للتقدم إلى وزارة الصناعة، لتنفيذ قرار مجلس الوزراء، وحول وزير الصناعة في الحكومة الحالية الدكتور حسين الحاج حسن الطلب والترخيص إلى هيئة الإستشارات والتشريع، وإلى وزارة البيئة لتكليفهما بدراسة الأثر البيئي، وغيرها من الوزارات المعنية، وإلى لجنة التراخيص، وعومل كترخيص جديد، على الرغم من كونه ترخيصا تنفيذيا وتطبيقيا للتراخيص والأحكام القضائية السابقة وقرارات مجلس شورى الدولة، ومع العلم أن ترخيصنا لا يستوجب كل هذا، صدر ترخيص من وزارة الصناعة مرفقا بتقرير وموافقة وزارة البيئة، وكان تاريخه 8/10/2015، ورقم موافقة وزارة البيئة  3442/ب بتاريخ 19/8/2015، فحقوقنا مكتسبة بأحكام قضائية، وتبلغت البلدية واستوفت كافة الرسوم، والآن تقوم البلدية الجديدة بالوقوف ضدنا”.

وأضاف: “فرحنا بأن البلدية الجديدة ستعمل لصالح عين دارة، لكنهم يعملون كإعلاميين، ولم يعملوا يوما لمصلحة البلدة، بل أتوا لتنفيذ مآرب خاصة مادية وسياسية معينة، واستغلال عين دارة وشعبها، والذين نكن لهم كامل الإحترام، فلو كان مراد هذه البلدية إنماء عين دارة، فهذا المشروع هو أكبر مشروع استثماري جديد في لبنان، وبالطرق الحديثة، وسيخلق ما يزيد عن 1500 فرصة عمل، ويثبّت الناس في أرضهم، ولا يوجد فيه أي ضرر”، متهما المجلس البلدي بأنه “لم يتوجه إلا إلى كساراته مقابل 23 كسارة أخرى موجودة، لا يتجرأون بمطالبتهم بأية رسوم”.

 

مداخلة رئيس بلدية عين دارة

 

واتصل رئيس بلدية عين دارة العميد المتقاعد فؤاد هيدموس، فقال: “إن السيد فتوش يركز على موضوع المسيحيين، وهنا أؤكد أن عين دارة معظمها مسيحيين، وقد صمدت كل هذه الفترة ولم تهجر بسبب وعي أهاليها، واليوم فإن مشروع معمل الإسمنت سيهجرها بيئيا، وعلى الرغم من ترخيص السيد فتوش القانوني إلا أن هذا الترخيص له شروط، أولها احترام المخطط التوجيهي للمقالع والكسارات، أما ثانيا فالمساحات المسموح له بالعمل بها تبلغ 2000 مترا فقط، وثالثا يشتمل هذا المعمل على تفجيرات، ومواد كيماوية بالأطنان تلوث الهواء والمياه الجوفية، أما بخصوص المرسوم ورقمه 14 فيشتمل فقط على كسارات وزفاتات، ومعمل لصناعة احجار الباطون، وليس للإسمنت والكلينكر، (وهنا قاطعه فتوش أن ترخيص وزارة الصناعة الجديد اشتمل على الكلينكر ومصنع الإسمنت) وصحيح أن سبب عدم توقف الكسارات وعددها 17 كسارة لأنهم لم يستطيعوا إيقاف السيد فتوش، وحجم كسارة فتوش ثمانية كسارات، وطبقا للاعلام بأنه كان سينشئ معمل الإسمنت في زحلة، وحصل اعتراض عليه لدى مجلس شورى الدولة، ولذات الأسباب التي منعت زحلة انشاءه ستمنعه عين دارة، وأن عين دارة تستحق من السيد فتوش أكثر من ذلك، وخصوصا أنه جنى منها ملايين من الدولارات، ولم تستفد منه عين دارة إلا بالغبار، ويقول أنه سدد رسوماته وهي 20 ألف دولار بالسنة، وهي لا تكفي لإزالة آثار الغبار من كساراته، نحن ضد كل الكسارات، ولا نغطي أحدا، ومهما كان وضعها الكسارة مطلة على الطريق، قانونية أو غير قانونية”.

 

لن يلغى الوجود المسيحي في الجبل

 

وأضاف هيدموس “موضوعنا الحالي هو معمل الإسمنت، وقدم بواسطة القائمقام، وواجه أهالينا، الذين انتخبوا المجلس البلدي ولم يكن قد استلم بعد، ونكمل ما انتخبنا على أساسه، وسننفذ ما يطلبه أهلنا، وليوقف استدعاءاته إلى النيابة العامة ودعاويه بحقنا، التي شملت نصف سكان البلدة”، وعندها تدخل مقدم البرنامج سائلا هيدموس “إن كانت البلدية فوق القانون؟”، فرد هيدموس أن “فتوش يبني ذريعته على المرسوم الأخير 5270 الصادر من وزارة الصناعة، بينما الترخيص الأصلي لا يشمل تصنيع الإسمنت او الكلينكر، وأن البلدية لها صفة قانونية وشعبية والمرسوم مرفوض شعبيا، وأن الرخصة مطلوبة من البلدية”.

ورد الفتوش بحدة أن “لا داع للرد عليه، فهو لا يعرف الملفات، وأنه آت ليَسْتِغل ويُسْتَغَل، وينكر المراسيم والأحكام وغيرها، وأن المجلس البلدي الحالي مُسْتَأجَر، ولن أدع أحد يشاركني في جبلي ويلغي الوجود المسيحي فيه!”، وعندها رد هيدموس بأنه “سيرفع دعوى شخصية كونه ليس من أزلام أحد، وكرامة عين دارة فوق كل العالم، وأهل عين دارة لا يريدونه فيها”، وذكر هيدموس ببيان المجلس البلدي الإنتخابي بأنهم “مع تنظيم الكسارات لعدم قدرتهم على إقفالها، وأن كل الكسارات تابعة لحمايات”.

 

وشهد شاهد من أهله!

 

وبعدها فسر الدكتور نبيل حداد المشروع أن “الإنسان عدو ما يجهل، وأقرب بيت إلى هذا المعمل هو 15 كيلومتر، وهذا المعمل يصنع مادة الكلينكر (الكلينكر مادة سامة للغاية)، مستعملا موادا طبيعية وهي الحجر، من مقالع استعملت من أيام الفنيقيين والرومان، وساهموا باستخدامها ببناء مدن مثل جبيل وبعلبك، فهل لبنان مضطر للإستيراد من بلاد أخرى؟ (لبنان يُصّدر الإسمنت إلى سوريا، العراق، رومانيا، السودان، قبرص ومصر)، فقد تطورت معامل الإسمنت فلم يكن ثمة فلاتر أو مداخن، ونستخدم الطريقة الحديثة الجافة بدلا من الطريقة القديمة باستعمال المياه لمنع التلوث”، وقال أنه “كما تُسْتَخدم فلاتر من أنواع عدة تصفي الجزيئات والغبار بأحجام بالميكروغرامات، وبمعدل 99،99 بالمئة، ومطابقة للمعايير الأوروبية”.

وعند سؤاله عن الأرض وما يطاولها من حفر وتفجير وهدم والخ، قال حداد “بعد استنفاذ المخزون يعاد استصلاح وتأهيل الأرض، (وطبقا لمعلوماتنا حتى تاريخه، لم يجر تأهيل واستصلاح لأي قطعة أرض عملت عليها المقالع والكسارات)، تستعيد حالتها الأصلية خلال 20 سنة وتنوعها الحيوي”، أما عن تأثير المعمل على المياه الجوفية بسبب التفجيرات، فقال حداد أن “التفجير مضبوط وليس عشوائيا، فلا يؤثر على المياه الجوفية”، وتمنى على “أهالي عين دارة ورئيس البلدية والدكتور انطوان حداد أن يقبلوا المناقشة ولقاء بين جميع المعنيين لتخفيف الأوهام والخوف”، وأضاف أن “على أهل عين دارة الفخر بأن بلدتهم تضم مثل هذا المجمع الصناعي، فهذا المشروع خدمة للبنان واقتصاده، وبالحوار والنقاش وسد الحاجة الوطنية والإقتصادية نحصل على حلول”.

ومن الجدير ذكره أن سوق الإسمنت في لبنان محتكرة بين شركات ثلاث، ذات مراجع سياسية مناطقية معروفة، تمنع استيراد الإسمنت وتبقي اسعاره مرتفعة، مع العلم أن هذه الشركات تصدر الإسمنت لتعفى من ضرائب المبيعات، كما أن السوق المحلية مشبعة بالإسمنت، فهل هناك حاجة لاحتكار رابع؟

وهنا نحيل هذه المعلومات إلى الخبراء القانونيين والإقتصاديين المختصين، والباحثين البيئيين ليتم مناقشة المعلومات وتفنيدها، بهدف حماية أهلنا جميعا والبيئة في لبنان وبشكل مستدام.

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This