فيما تنطلق مشاريع صيد الاسماك المستدام من أجل تأمين سبل عيش أفضل لمجتمع الصيادين، وفيما تتضافر الجهود من أجل تأمين إدارة مستدامة للنظام البيئي البحري وتفعيل عمل المحميات الطبيعية والمحافظة عليها، تفاجئنا التعديات الصارخة، وآخرها وأخطرها، استخدام الديناميت لصيد الأسماك بطرق يحظرها القانون، عند ساحل مخيم الرشيدية جنوب مدينة صور، وبالقرب من مصب نبع رأس العين في منطقة تابعة لـ “محمية صور الطبيعية”.
كنا في عداد وفد من الغطاسين وبيئيين وخبراء أجانب وممثلين عن الوزارات والمحمية ضمن ورشة عمل ميدانية تدريبية، حول خطط وأدوات رصد التنوع البيولوجي البحري والساحلي في لبنان وتقييم فعاليات المحميات البحرية، عندما انطلقت اشارة تحذيرية من عناصر الجيش اللبناني المتمركز عند نقطة ساحلية قرب مخيم الرشيدية، تأمرنا بالابتعاد عن هذه المنطقة، والخروج من الماء فورا، وجاء هذا التحذير ليشكل صفعة لجهودنا، ولنفاجأ بأن هذه المنطقة عرضة للديناميت من قبل صيادين من داخل المخيم.
تهديد المنظومة الايكولوجية البحرية
لكن، المفاجأة الأكبر كانت عند سماعنا دوي الانفجار في الماء فور ابتعادنا، ليقوم بعدها “صياد” بالتقاط الأسماك تحت أنظار الجميع، مستهترا بوطن وارض حضنته، وبحر هو مصدر لرزقه، وغير آبه لمحاسبة او رقابة، كونه وببساطة ينتمي الى منطقة غير خاضعة لسلطة مباشرة من الدولة، لينسف “الديناميت” كل جهود المحمية والجمعيات البيئية، وليعري أمامنا سلطة سمحت لابنائها بكل التجاوزات، دون ان يرف لها جفن، ولتتكشف لنا حقيقة مؤلمة، وهي غياب التنسيق ما بين السلطة داخل المخيمات والدولة، وكم كان موقفنا حرجا امام الخبراء الاجانب، لنبرر ما لا يمكن تبريره، بأن هذه المنطقة التي من المفترض ان تكون محمية، لا سلطة ولا رقيب للدولة عليها ومسموح فيها كل التجاوزات!
وما شكل صدمة إضافية أن هذه المنطقة بالذات تعشش فيها السلاحف البحرية، وما شاهدناه بأم العين، يمثل ابشع وأخطر تهديد للمنظومة الايكولوجية البحرية، وتفريطا بالتنوع الحيوي وهدرا للثروة السمكية، وسائر الأحياء المائية، ومن بينها السلاحف، وقد بدأت صغارها تفقس وتخرج من البيوض لتبدأ رحلتها في ساحل وبحر لا نعرف كيف نحميه ونحافظ عليه.
نفايات وأكياس نايلون
لولا تحذير الجيش لنا في اللحظة المناسبة لربما تعرض أحدنا أو أكثر للإصابة، إذ كنا مجموعة مؤلفة من ثلاثين شخصا، إن هذه الحادثة تفرض على الفصائل المعنية في المخيم، التعاون مع الجيش اللبناني، وهي بالتأكيد لا ترضى بممارسات تسيء إلى المخيم وأهله، وهذا ما يرتب مسؤوليات على الدولة اللبنانية لجهة التنسيق مع هذه الفصائل، وإلا، فإن جهودنا لن تؤتي ثمارها، وسط العبث والفوضى، أبعد بكثير من المخيم، خصوصا وأننا رصدنا كميات من النفايات وأكياس النايلون، فضلا عن تعديات تطاول الشاطىء من قبل المتنزهين.
هي صرخة نطلقها اليوم علها تصل إلى المعنيين، لاننا وبكل بساطة نريد بيئة سليمة نعيش فيها ونورثها لاولادنا بعدنا، لن نقبل أن نكون شهود زور ونمضي في طريقنا، وكأن شيئا لم يكن، ولن نسكت كما لم نسكت حين اطلقنا صرخة ضد الفاسدين من أصحاب المرامل والملوثين في محيط طرفلسيه في قضاء صور، وسنظل نرفع الصوت في وجه من يحاول العبث ببيئتنا.