نهلا ناصر الدين – البلد
تهدد قضية تغيّر المناخ العالم ولبنان بعواقب وخيمة وخطيرة، وفرضت هذه القضية نفسها في السنوات الأخيرة على كل المستويات العالمية والمحلية وبدأت الدول إعداد العدة لتغيير السياسات واتخاذ الاجراءات للتخفيف من تأثيراتها. فأين لبنان من هذه السياسات، وما هي الخطط التي أعدتها الوزارات المعنية لمواجهة الخطر المتمثل بتغير المناخ؟
يُعتبر التغيّر المناخي أكبر وأخطر قضية تواجه البشرية في العصر الحالي، فـ” تغيّر المناخ يعني تغيّر كل شيء وتأثيرات هذه القضية تصل إلى كل نواحي الحياة، حتى أنها يمكن أن تكون القضية التي ستهدد النوع الانساني في وجوده بشكل أو بآخر”. وأهم ما تتميز به هذه القضية هي أنها لا تصنف ضمن الكوارث الطبيعية، كونها ناجمة بأكثر من 95 في المئة حسب التقارير الأخيرة عن النشاطات الانسانية. وتعود بداية هذه الظاهرة “بقوة” الى ما بعد الثورة الصناعية، واكتشاف الوقود الاحفوري واستخدامه في الصناعة وادخاله من فحم وبترول ومشتقات نفطية في التصنيع وفي قطاعات إنتاج الطاقة والتصنيع وقطاع النقل، ما ادى الى الانبعاثات العالمية بعد تراكمها في الغلاف الجوي عبر السنين الى انحباس حراري وتغيّر مناخي.
سبق وقدم لبنان التزاماته تحت سقف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ قبل مؤتمر باريس الذي عُقد في نهاية عام 2015 والذي انبثقت منه اتفاقية دولية جديدة ملزمة لجميع الدول. ووقّع رئيس مجلس الوزراء تمام سلام على هذه الاتفاقية في 22 نسان 2016 في نيويورك. بحيث أصبحت الالتزامات التي قدمها لبنان في مساهمته المحددة وطنياً مع باقي التزامات الدول الاخرى، تشكّل خريطة الطريق للعمل المناخي لهذا العقد.
وضمن مواجهة هذه القضية ووضع الاستراتيجيات الدفاعية اللازمة لمواجهتها، نظّمت وزارة البيئة مع برنامج الأمم المتحدة الانمائي، برعاية وحضور وزير البيئة محمد المشنوق، يوم أمس الاجتماع الرسمي الأول لمجموعة العمل حول تنفيذ مساهمة لبنان المحددة وطنياً، Intended Nationally Determined Contribution، بالتعاون مع وزارة الطاقة والمياه وبتمويل من الاتحاد الاوروبي والحكومتين الأسترالية والألمانية، وبحضورالمدير العام للموارد المائية والكهربائية فادي قمير ممثلاً وزير الطاقة أرتيور نظريان، وسفيرة الاتحاد الأوروبي كريستينا لاسن والممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي فيليب لازاريني.
اهمية الاجتماع
تأتي أهمية الاجتماع الأول لمجموعة العمل حول تنفيذ مساهمة لبنان المحددة وطنياً من كونه “يشكل خطوة مهمة تعكس طموح لبنان” كما أشارت سفيرة الاتحاد الأوروبي كريستينا لاسن، التي نوهت بدور لبنان في مؤتمر المناخ في باريس العام الماضي. مشيرةً إلى أن “الاتحاد الأوروبي يموّل وينفذ في لبنان برامج عديدة متعلقة بتغير المناخ في قطاعات المياه والمياه المبتذلة والنفايات والطاقة وحماية الموارد الطبيعية”، بهباتٍ تتجاوز الـ 180 مليون يورو”. إلا “أن التحديات ما زالت عديدة أمام لبنان ليحقق طموحاته المناخية لهذه القطاعات”.
وأعطى الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي في لبنان فيليب لازاريني نبذة عن المشاريع المختلفة التي يتم تمويلها وتنفيذها في لبنان بالتعاون مع وزارة البيئة ووزارة الطاقة والمياه. مشيراً إلى “أن مستقبل الاقتصاد العالمي معني بالتنمية المستدامة والبيئة النظيفة “. وأن “اتفاقية باريس تُعنى بتطوير البيئة والاقتصاد وسيكون لها الأثر الايجابي على الاقتصاد والتنمية في لبنان”.
وأكد مدير عام الموارد المائية والكهربائية فادي قمير “دعم وزارته للمبادئ الواردة في اتفاقية باريس حول تغير المناخ، لا سيما تلك المتعلقة بالحوكمة المناخية وتأمين الإطار القانوني المناسب لتنفيذ التزامات لبنان تحت سقف اتفاقية تغير المناخ”. وعرض “بعض نشاطات وزارة الطاقة والمياه التي تم تنظيمها بعد قمة باريس للمناخ والتوصيات المنبثقة منها لجعل قطاعي المياه والطاقة أكثر استدامة وملاءمة للمناخ”.
أهداف وطنية
ورأى وزير البيئة محمد المشنوق “أن تغير المناخ هو عنصر أساسي في سياسات عديدة في لبنان، وليس فقط السياسات المتعلقة بوزارة البيئة”. لأننا عندما نتكلم عن تغير المناخ، نتكلم أيضاً عن فرص لتحسين السياسات المالية والاجتماعية والاقتصادية والمصرفية في قطاعات الطاقة والصحة العامة والزراعة والحراجة والمياه والصناعة وغيرها.
لافتاً الى “أن وزارة البيئة، ومنذ إعلان لبنان الطوعي في كوبنهاغن عام 2009 الهادف بالوصول إلى تحقيق 12% من الطاقة المتجددة بحلول عام 2020، في إطار مؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية تغير المناخ، بدأت بتوسيع دراساتها للاستفادة من الفرص التنموية والمالية والاقتصادية المتاحة تحت مظلة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وتحديداً منذ اعتماد اتفاقية باريس الجديدة التي وقع عليها رئيس مجلس الوزراء في 22 نيسان 2016 في نيويورك. ما يعكس مساهمة لبنان المحددة وطنياً عبر خطة عمل لسنة 2030”.
وتم في هذه الخطة تحديد أهداف وطنية ذات أفق زمني جديد. ففي قطاع الطاقة مثلاً، التزم لبنان بتوليد 15% من الطلب على الكهرباء والتدفئة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، إضافة إلى اعتماد إجراءات لكفاءة الطاقة، تؤدي إلى خفض الطلب على الكهرباء بـ 3% بحلول العام نفسه. أما إذا حصل على دعم تقني ومادي دولي، فقد يلتزم لبنان بزيادة الهدفين إلى 20% لجهة الطاقة المتجددة و10% لجهة كفاءة الطاقة.
“وبذلك، تكون اتفاقية باريس أتاحت الفرصة ليصبح للبنان هدفان جديدان حددا مع الشركاء الوطنيين في قطاع الطاقة: 15-20% طاقة متجددة و3-10% كفاءة الطاقة بحلول عام 2030.
اما في قطاع النقل، فحددت المساهمة هدف زيادة نسبة استعمال النقل العام بين 36 و 48% حسب الدعم الدولي المتوفر للبنان. وفي قطاع الغابات سيزرع لبنان على الأقل نصف الأشجار المخطط لزرعها في مبادرة الـ 40 مليون شجرة.
على أمل..
ويفترض كل ذلك أمرين لخّصهما المشنوق باستعادة لبنان، وبأسرع وقت ممكن، وضعه الطبيعي الذي كان سائداً قبل أزمة النزوح السوري. وعدم نشوء أية أزمة جديدة قد تنعكس سلباً على أوضاع البلد.وفي إطار تنفيذ هذه الأهداف عبر اتخاذ الإجراءات التطبيقية الضرورية من قبل كل وزارة معنية وفق ما جاء في مساهمة لبنان المحددة وطنياً، بدأت وزارة البيئة تطوير بعض النشاطات في هذا المجال، ومنها آلات قياس نوعيّة الهواء وخريطة الطريق لمكافحة تلوّث بحيرة القرعون، بحرص شديد على التجانس والتكامل بين نشاطات جميع الوزارات، ومن هنا أهميّة الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة التي شكلت هي أيضاً عنصراً أساسياً لصياغة مساهمة لبنان المحددة وطنياً .
ورأى المشنوق أن العالم أثبت عبر اتفاقية باريس انه أنجز قفزة نوعية في تحليل المخاطر المتعلقة بالاستثمار البيئي، وتحديد الفرص الاستثمارية والقدرة التحويلية الكبيرة لهذه الفرص نحو ازدهار أكبر. وبالتالي أصبح التصدي لظاهرة تغير المناخ عبر تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة من كافة القطاعات فرصة اقتصادية ذهبية يمكن للجميع الاستفادة منها، ليس فقط من خلال تأمين تمويل لمشاريع محددة النطاق والزمن، بل أيضاً من خلال مقاربة اقتصادية شاملة لسياسات تنموية. حتى “أصبح تغيّر المناخ السقف الذي يجمع الشركاء في الوطن لتنفيذ وتمويل مشاريع وسياسات تنموية تخدم التنمية المستدامة في لبنان. على أن تكون مرحلة تنفيذ الـ INDC مثمرة تماماً مثل مرحلة تحضيرها كي نتّجه إلى مؤتمر الأطراف الـ22 في مراكش في تشرين الثاني المقبل”.
إذاً، على مبدأ “أسمع كلامك أصدقك… أشوف أمورك استعجب” عقد الاجتماع الأول لمجموعة العمل حول تنفيذ مساهمة لبنان المحددة وطنياً، في ظل ظروف محيطة لا تبشّر بالخير أبداً، من أزمة نفايات ستعود وتطل على يومياتنا في القريب العاجل، وأزمة نقل لا تزداد إلا تعقيداً مع غياب استراتيجيات النقل العام المشترك، وأزمة تقنين كهرباء ومياه تجاوزت كل الخطوط الحمر… على أمل ألا يبقى نقاش الأمس في إطار النقد والتمنيات، ورسم الاستراتيجيات وحسب، وألا تبقى خريطة الطريق التي عرضتها الوزارات المعنية أسيرة الاجتماعات والجلسات الحوارية، بل تتمرّد عملياً على واقعٍ بيئي (غير مطابق) ما عاد يحتمل التنظير والانتظار، وباتت مواجهته حاجة ملحة على اختلاف الصُعد.