جاءت كلمة وزير البيئة محمد المشنوق في الاجتماع الرسمي الاول لمجموعة العمل حول تنفيذ مساهمة لبنان المحددة وطنيا (نظمته الوزارة مع برنامج الامم المتحدة الانمائي، بالتعاون مع وزارة الطاقة والمياه)، مسبوكة أفكارا ورؤى وتطلعات، وحاملة فيضا من حقائق دامغة معززة بأرقام، ولا سيما في ما يتعلق بهدف وزارة البيئة منذ اعلان لبنان الطوعي في كوبنهاغن عام 2009 “الوصول الى تحقيق 12 بالمئة من الطاقة المتجددة بحلول عام 2020″، لكن إلى الآن لما نرَ مزرعة هواء واحدة، ولا حقول ألواح شمسية، في ما عدا “طواحين هواء” تدور في فلك الفساد والرشى والفوضى، وتنتظم في مدار مصالح زعماء الطوائف، اللاهثين للاستثمار في كل شيء… حتى النفايات!

بالتأكيد لا يتحمل وزير البيئة تبعات ما هو قائم، خصوصا لجهة إقرار وتنفيذ القوانين المفترض أنها قد أبصرت النور بعد نحو عشر سنوات من المماطلة، فضلا عن الكيدية في مقاربة ملف الطاقة المتجددة، لا سيما وأن القطاع الخاص أنجز مشاريع مهمة في هذا المجال، إلا أن المسؤولين في الدولة لم يكونوا جاهزين لـ “المضاربة” وغابوا عن مناقصة يتيمة تقدمت إليها شركتان، قبل عام ونصف العام.

لم تتضمن كلمة المشنوق أكثر مما ساقه سابقا، باستثناء أن “وزارة البيئة بدأت بتطوير بعض النشاطات، ومنها آلات قياس نوعية الهواء وخارطة طريق لمكافحة تلوث بحيرة القرعون، بحرص شديد على التجانس والتكامل بين نشاطات جميع الوزارات”، لا نعرف بالتحديد حدود هذا “الإنجاز”، فالإعلان عن استقدام آلات قياس نوعية الهواء، دون معالجة مسببات التلوث (قطاع النقل، عوادم المولدات، ودواخين المصانع والمعامل الحرارية المنتجة للكهرباء … الخ)، يعتبر في حد ذاته كارثة، أولا، لجهة أن وزارة معنية غير مجهزة حتى الآن بمثل هذه المعدات، فيما تبدو سحابة التلوث تغطي العاصمة بيروت من أعالي الجبال، ولا يعرف اللبنانيون حتى الساعة نوعية الهواء الذي يتنشقون، وثانيا لم ترد في كلمة الوزير ولو إشارة واحدة عن خطوات عملية لمكافحة هذا التلوث، من معمل الجية الحراري الذي انتهى عمره الافتراضي وبات مجلبة للأمراض، مرورا بمعمل الزوق الحراري وصولا إلى معامل الاسمنت والاترنيت في شكا، فضلا عن معمل سبلين وغيره من المصانع الملوثة في مختلف المناطق، ولم يقدم الوزير مقترحا واحدا لتعميم السيارات الكهربائية والإعلان مثلا عن حوافز لتشجيع المواطنين على اقتنائها، ومنها، الاعفاء من الرسوم الجمركية.

أما بالنسبة لخارطة طريق من أجل معالجة التلوث في بحيرة القرعون، فهذه قضية كان من المفترض أن تكون حاضرة كأولوية قبل نحو ثلاثين سنة، أي قبل أن “تموت” البحيرة وتلوث محيطها ومجرى الليطاني وصولا إلى البحر، ولم تتضمن كلمة المشنوق سوى أفكار “تزينية” كزيادة نسبة استعمال النقل العام بين 36 و 48 بالمئة، (علما أن النقل العام غير موجود) لكن بـ “حسب الدعم الدولي المتوفر للبنان”، وزراعة 40 مليون شجرة، وكأن مشكلتنا محصورة في ما لدينا من أشجار وليس في سوء إدارتنا لغاباتنا وأحراجنا.

نظلم الوزير المشنوق في ما لو حملناه مسؤولية ما نشهد من فضائح تطاول البيئة والصحة بشكل خاص، فواقع الحال يستحضر الفساد في وزارات الخدمات التي تؤمن وفرا ماديا يتيح إمكانيات السرقة وتمرير الصفقات والمحاصصة والعمولات، لكن على الأقل، كنا نتمنى أن يجاهر وزير البيئة بالإعلان عن مواطن الفساد، على الأقل لتعود الثقة بلبنان كبلد يحترم التزاماته، قبل أن يطرح أفكارا بدت “دون كيشوتية” مع نزوع فاضح للانفصام عن الواقع!

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This