ما تزال أصداء الاعتصام الحاشد أمام معمل الجية الحراري على الطريق البحرية القديمة، احتجاجا على التلوث والسموم التي يبثها المعمل منذ عشرات السنين، والمطالبة بزيادة ساعات التغذية بالتيار الكهربائي تتردد، بعد الإشكال بين معتصمين من بلدة برجا وعناصر من الجيش اللبناني، تسبب بوقوع عدد من الجرحى، ولكن دون تداعيات كبيرة، بحيث تمت تسوية الإشكال بين سائر الجهات المعنية، لكن من ناحية ثانية، تمكن الاعتصام من فتح كوة في جدار الأزمة وهي تتهدد حياة المواطنين مع ما ينفث المعمل من سموم، تطاول قرى وبلدات ساحل الشوف.

وقطع مسؤولون وعودا للمعتصمين بمعالجة مشكلة التقنين واتخاذ تدابير سريعة للحد من التلوث، إلا أن الأهالي لن يناموا على حرير الوعود، وأعطوا مهلة حتى الثلاثاء المقبل، وإلا العودة مجددا الى الاعتصام والتصعيد.

ونفذ الاعتصام أمس بدعوة من بلديات برجا والجية وجدرا وبعاصير وهيئات المجتمع المدني واحزاب، وشارك فيه رؤساء بلديات ومخاتير وممثلون عن الاحزاب، ناشطون بيئيون وحشد من الاهالي.

وتابع greenarea.info التطورات، والتقى بعض المشاركين في الاعتصام وخبراء بيئيين، للوقوف على المشكلة القائمة، وما تم التوصل إليه لجهة معالجة أسباب التلوث وزيادة ساعات التغذية بالكهرباء.

وأوضحت الدكتورة في القانون الدولي من الجامعة اللبنانية الحقوقية والناشطة الاجتماعية حليمة قعقور لـ greenarea.info أن “هذا التحرك هو الثالث”، لافتة إلى أن اعتصام أمس الذي شاركت فيه امام معمل الجية الحراري كان قد بدأ سلميا أمام مدخل المعمل”، وقالت: “توجهنا بعدة مطالب، وهي زيادة ساعات التغذية للمنطقة والحد من التلوث الحاصل من جراء تشغيل المعمل، وايجاد حل بديل”.

وأضافت قعقور: “كنا قد علمنا بأن البعض سوف يتخذ خطوات تصعيدية في الاعتصام، فطالبنا بضبط النفس، وهذا ما حصل عندما صعد بعض الشبان خطواتهم بالدخول الى الباخرة URBAN BAY ما أدى الى تصادم مع الجيش، وتطور الوضع اكثر عند ملاحظتهم لوجود عنصر مدني (تحري) يقوم بالتقاط صور فانهالوا عليه بالضرب، فأطلق الرصاص الحي باتجاه المتظاهرين، بعد هذه الحادثة دخل رئيس بلدية برجا نشأت حمية واللجنة الى المعمل واجتمعوا بمدير الشركة وعادوا الى المتظاهرين بسلسلة وعود عن لسان اكرم شهيب بعد ان اتصل بهم، ومنها زيادة ساعات التغذية بدءا من الاثنين، وتأليف لجنة للاصلاحات، ثم فض الاعتصام ليعود بخطى تصعيدية نهار الثلاثاء في حال لم يتم البدء بتنفيذ الوعود”.

عضو المجلس البلدي المهندس وجدي الغوش قال لـ greenarea.info: “نحن شاركنا بالتحرك الاحتجاجي على المعمل مع بلديات بعاصير جدرا والجية، وخلال الاعتصام تطرقت بعض الكلمات لموضوع النفايات، خصوصا وأن خطة الدولة لم تشملنا، كما طالبنا بصيانة المعمل وتزويدنا بساعات تغذية اضافية”، وأضاف الغوش بأن :المعمل الجديد على وشك ان يبدأ عمله وسوف يزود المنطقة بـ ٣٠٠ ميغاوات مما يؤكد بأنه ساعات التغطية ستزداد تلقائيا”.

وعما إذا كانت هناك توقيفات بعد الإشكال الذي وقع أمس، قال: “لا، خصوصا وأن التعزيزات التي استقدمها الجيش والقوى الامنية معظمها من ابناء المنطقة، وقد سويت هذه المسألة”.

رئيس بلدية برجا نشأت حميه قال لـ greenarea.info: “اعتصمنا مطالبين بعدة مطالب، منها ايقاف عمل المعمل القديم، زيادة ساعات التغذية وتغيير نوع الفيول المستخدم، كما طرحنا مشكلة النفايات، وعرضنا الضرر الناتج عن تشغيل المعمل وعدم استفادتنا بساعات كافية من التغذية في الوقت الذي يتمتع فيه معمل سبلين بـ 24 ساعة تغذية”.

واضاف حميه: “بعد تطور الاحداث والتدافع بين القوى الامنية والمتظاهرين من اهل برجا، حصل تدخل من السياسيين لضبط الوضع وتطويق المشكلة، فاتصل بنا العديد منهم الشيخ سعد (الحريري)، الوزير اكرم شهيب والنائبان محمد الحجار وعلاء الدين ترو، وتباحثوا مع المدير العام بسلسلة المطالب، فوعدهم بتنفيذ اكبر عدد ممكن من المطالب بخصوص ساعات التغذية والمعمل القديم واكد حميه ان المسؤولين اخذوا على عاتقهم تطبيق هذه الوعود”.

وأشار حميه إلى أنه “في حال لم نر تجاوبا سنتابع ما بدأنا به، ولن نسكت بمجرد تزويدنا بساعات اضافية من التغذية، سنكمل حتى تحقيق كل المطالب”، ولفت إلى ان “هذا التحرك جاء بعد عدة تحركات خجولة أوصلت رسالة، وهذا التحرك هو الاكبر من ناحية تكاتف البلديات والتنظيم ودراسة الخطوات”، وعن الدعوات القضائية، قال حميه “هناك دعوى مقدمة والآن سنقوم بتقديم دعوى قضائية ضد شركة كهرباء لبنان باسم كل البلديات المتضررة”.

وأشار مستشار موقع greenarea.info الخبير البيئي الدكتور ناجي قديح إلى أنّ “معمل الجية الحراري هو من أقدم المعامل في لبنان، وقد أنشىء في الستينيات من القرن الماضي، وخضع لعمليات تأهيل مرّات عدّة”، مضيفاً ان “تجهيزاته أصبحت قديمة جداً”. وأضاف ان “بعثة كهرباء فرنسا حضرت إلى لبنان لوضع مخطط توجيهي لحاجات قطاع الكهرباء في لبنان، وأشارت إلى ان هذا المعمل لا جدوى لإعادة تأهيله، ومن المفضّل ان يقفل ويفكّك وان يقام معمل حديث مكانه، شبيه بمعملي الزهراني ودير عمار، واعتماداً على توصيات البعثة الفرنسية، تمّ استقدام بواخر تركية لتوليد الكهرباء لتعوّض كمية الكهرباء التي ينتجها معمل الجية خلال فترة إيقاف المعمل، لإجراء التعديلات والتغييرات التقنية عليه، إن لجهة تأهيله جذرياً أو لجهة بناء معمل جديد مكانه”.

وقال: “ولكن ماذا حصل؟ استقدمت البواخر، واستمرّ العمل في معمل الجية على رغم كل المشاكل التقنية الموجودة، وهذا أحد أهم أسباب الانبعاثات التي نلحظها بشكل مستمرّ ويومي. هذه الانبعاثات السوداء التي تتكرّر مرات عدة يومياً، تشير إلى ان الحرّاقات العاملة في المعمل تتعرّض لتوقّف ولإعادة تشغيل، بحيث انه مع كل إعادة تشغيل نشهد إطلاقا لدخان كثيف أسود يستمر لمدّة طويلة. وثمة احتمال ثانٍ لتفسير هذه الانبعاثات، يتمثل في استخدام أنواع سيئة من الوقود، ويتم خلطها مع زيوت المحركات منتهية الصلاحية، ممّا يشكّل خطرا مع ارتفاع مستوى التلوّث الناتج عن هذه (الخلطة)، وخصوصاً بغازات الاحتراق والمعادن الثقيلة”.

وأضاف قديح: “أما بالنسبة لتلوث الهواء الذي تشهده المنطقة المحيطة بالمعمل، فهو من أربعة مصادر إضافية، وهي البواخر العاملة على مدى 24 ساعة في اليوم، المزبلة المحترقة على مقربة من المعمل بشكل يومي، ومعمل سبلين، الذي وبالرغم من وضع الفلاتر مؤخرا التي تحد من انبعاث الأغبرة، ولكنها لا تحد من انبعاثات غازات الاحتراق. أما المصدر الرابع، فهو السير الكثيف على الأوتوستراد، الذي يشكّل مصدراً لتلوث الهواء. وهناك مخاطر كبيرة على الصحة العامة الطبيعة الجغرافية للمنطقة، المتمثّلة بوجود البحر ومنطقة جبلية قريبة، تؤدي إلى تكوّن دورة للتيارات الهوائية، يتبادلها نسيم البحر ونسيم البرّ، ويتمّ بنتيجتها تراكم لكميات الملوثات في الهواء الجوّي، وهذا ما يؤدي إلى مخاطر كبيرة على الصحة العامة، مما يتسبّب بأمراض مزمنة، تنفسية وقلبية، إضافة إلى الحساسية والربو”.

واوصى قديح “بضرورة وضع مشكلة الكهرباء على جدول عمل الحكومة بحيث يتم اغلاق المعامل القديمة غير المنتجة، وبناء معامل جديدة وفقا لما ورد في الخطة الفرنسية، بحيث انه لو طبقت كانت ستغطي احتياجات لبنان الحالية، عوضا عن استئجار بواخر بملايين الدولارات وهدر المال العام بدون الوصول الى حلول جذرية”، وختم بأن “هذه المشكلة لا تعني اهل برجا فقط، لذلك على اللبنانيين جميعا ان يطالبوا بحل لهذة المشكلة ويرفعوا الصوت”.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This