بين مواسم الصيف المثمرة بالكرز والمشمش والدراق والخوخ والعنب والصبار، يبقى موسم التين منتصف شهر تموز الأهم لدى أهالي قرى العرقوب، ولاسيما في كفرحمام وحلتا والماري والهبارية وراشيا الفخار العرقوبية، إذ لا يخلو منزل من التين الأخضر والمجفف والمربّى وأصناف التين من البويضي والبقراتي والشتوي وكعب الغزال والحميري والعسلي وغيره، ولكل نوع منه حكاية، إلا أن الحكاية المؤلمة تبقى لدى كبار السن الذين صمدوا في قراهم يعتنون بما تبقى من هذه المواسم ، فيما البعض الآخر يعمل على تأجير حقول التين بأسعار مقبولة لحراثتها وقطافها كما هو حال أبو محمد اسعد سعيد (80 عاما)، الذي يمتطي حماره مع ساعات الفجر الأولى متوجها الى حقله لقطاف التين، إذ يقول: «ولادي كل واحد بمكان يللي ببيروت أو مسافر، الناس بدها تعيش والمنطقة ما فيها فرص عمل وجامعات، ونحنا ما عاد إلنا غير هالأرض نهتم فيها عقدرتنا، وأنا عندي أكثر من 300 شجرة تين، وما عاد فيي اعتني فيهم متل أيام الشباب، لذلك أقوم بتأجيرها بأسعار مقبولة وبترك شوي أنا أقطفهم مونة للبيت وللأولاد«.
عطلة الصيف التي تجمع العائلة من صغيرها الى كبيرها في مختلف قرى العرقوب، يحتفل أهلها بعرس التين هذا، وهو طبق الضيافة الأساسي في أي منزل كونه خاليا من المواد الكيميائية وهو الأطيب والأشهى، على حد توصيف أم كرم عطية (75 عاما) التي تفتخر بما تنتجه أرضها من تين، إذ تقوم بتجفيف التين البياضي أو البويضي على شبك صنعته خصيصا لفلش التين عليه وتجفيفه تحت أشعة الشمس، تقول: «منجفف التين البياضي لأن لونه أشقر بس يتجفف ويمكن أكله مجفف أو نعمل منه مربّى، وحتى التين الأخضر بكل أنواعه نعمل منه مربّى مونة للشتاء ونضيف له الجوز واللوز والسمسم واليانسون وغيره من المكسرات، يعني كل شي عنا طبيعي، مع العلم انو الأسعار ما بتكفي تعبنا يمكن بسبب صعوبة التصدير الى الخارج«.
أم كرم، ما إن يذهب زوجها مع طلوع الشمس لرعي ماشيته، تتدرّج رويدا رويدا نحو الحقل لقطاف التين وتقوم ببيع بعض منه والبعض الآخر تشرحه وتجففه بمساعدة إحدى بناتها، مؤكدة أن «الرزق غالي وطالما بعد في عنّا همّة بدنا نضل نقطف التين اللي هوي صار رمز للمنطقة، والتين لازم نقطفو ساعات الصباح الأولى، يعني وقت وجود البرودة في الطقس ليلا أي «الندى»، وهو ضروري للتين حتى ينضج«.
ويشير أبو أحمد، علي مرعي، الى ان «الإهتمام بالتين وزراعته والعناية به يتجدد عاما بعد عام، لأن الناس في هذه المنطقة باتوا يعرفون قيمته الغذائية والإنتاجية كون سعره جيد وهناك اقبال على شرائه، إذ ان سعر كيلو التين الأخضر يتراوح بين الفين وثلاثة آلاف ليرة، وبما ان عمر التين الأخضر قصير، يلجأ الكثير من المزارعين الى تجفيفه وبيعه يابسا، أي مجففا، وسعر الرطل، أي 2 كيلو ونصف، نحو 30 الف ليرة، ويبقى مونة في المنازل من عام الى عام، وكذلك صناعة المربّى منه، يعني بكل الأحوال ما في خسارة«.
ويلفت حسيب عبد الحميد الى ان «الكثير من اهالي قرى العرقوب يعولون في انتاجهم الزراعي على موسم التين الذي تتميز به هذه المنطقة عن لبنان عموما، لكن يبقى المطلوب هو دعم الجهات المعنية للمزارعين لتطوير زراعاتهم وخلق أسواق لتصريف الإنتاج«.