مع قساوة الطقس في فصل الشتاء يسكت ما تبقى من الطيور في لبنان، مما يضفي جموداً على الحياة الطبيعية، ولكن طائر أبو الحن يأتينا هارباً من صقيع أوروبا ليمضي الشتاء عندنا في لبنان، ويكسر جمود السكوت بصوته العذب.
ومع أن الطيور تغني في فصل الربيع لتجلب الأنثى أو تبعد الدخيل عن العش، فأبو الحن هو الطائر الوحيد في بيئتنا الذي يغني في الشتاء، إذ يقبع في الشجرة بين الأغصان الكثيفة ليغرد حيث تصعب رؤيته. ولكن يمكن دفعه للظهور إذا ما وضعنا له صحناً من الطعام كالديدان والحشرات والأجبان والمرتديلا… الخ، أو قلبنا تربة الحديقة فيأتي ليقف على السور يراقب ظهور دودة أرض أو حشرة أخرى قد تخرج من الأرض مع المعول ليلتهمها.
وبالعودة إلى الغناء فهو يغرد طول السنة، وقد نجده يغرد ليلاً كالعندليب إذا ما صادف وجود إضاءة في المكان آتية من فوانيس أو ضوء القمر.
والجدير بذكره أيضاً أن الأنثى تغني أيضاً بينما لا تفعل ذلك بقية إناث الأنواع الأخرى. لقد سجلت دراسة قمت بها أن أبو الحن هو من بين أكثر العصافير التي تقع ضحية بين أنياب القطط، ربما يساهم في ذلك طبع هذا العصفور في العيش بالقرب من المساكن والبيوت. وفي جميع الأحوال يبلغ متوسط عمر أبو الحن ثلاث سنوات، علماً بأنه عاش أكثر من 17 سنة في الأسر.
إنه يشتي في كل لبنان، ولكن الأغرب أنني أراه يشتي دائما في منطقة ضهر البيدر حيث الثلج والصقيع، فأسأل نفسي لماذا يهرب من البرد في أوروبا وهو يستطيع بل ويختار برد الجبال والثلوج. عندما يشتد البرد نرى أبو الحن وقد نفش ريشه ليصبح مثل الكرة، وهذا يساعده على الاحتفاظ بطبقة من الهواء بين الريش تلعب دور العازل وتحميه من الرياح الباردة.
إن اسم طائر أبو الحن “روبن” يعود إلى وجود البقعة الحمراء أعلى الصدر، واقترن ببطاقات المعايدة العائدة لأعياد الميلاد، وما ذلك سوى لأن الرسائل كانت توزع من قبل رجال البريد أصحاب السترات الحمراء والذين كان يطلق عليهم اسم روبن.
وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أنه بفعل نتائج وأثر تغير المناخ، فإن أبو الحن قد بات يميل إلى التفريخ في لبنان، خصوصا وأنني شاهدته وهو يغرد حتى منتصف شهر أيار (ماية)، بينما المعروف عنه أنه يغادر لبنان والمنطقة في شهر نيسان (أبريل) من كل عام.