لم يكن ينقص أهالي باب التبانة والقبّة إلا شحّ المياه كي يكتمل صيفهم. فمنذ بداية تموز الماضي، يشكو هؤلاء من أزمة مياه لم يعتادوها في مدينتهم التي كانت تأتيها المياه بشكلٍ دائم، حتى في «عزّ» الشح. هذه الشكاوى فتحت الباب للحديث عن أزمات أخرى تسببت بهذا الأمر، لعلّ أهمها «التقنين» واهتراء شبكات التوزيع
يوماً بعد يوم، تكثر شكاوى المواطنين في منطقتي باب التبّانة والقبّة من «قلّة» المياه الواصلة إليهم. فمنذ بداية تموز، يعيش هؤلاء على وقع شحّ المياه، أو بالأحرى، وصولها بطريقة متقطّعة، في «عزّ» حاجتهم إليها.
ولعلّ ما يزيد الطين بلّة هنا أن الأزمة تترافق مع حرّ الصيف القاتل الذي لا طاقة لأهالي البلاد الفقيرة على تحمّل أزمة باتت مضاعفة.
هذه الشكاوى، التي لم يتوقّف عدادها إلى الآن، تطالب المعنيين بتوضيح ما الذي يجري؟ وكيف ستحلّ الأزمة؟
حول هذا السؤال، يجيب رئيس مصلحة استثمار طرابلس وجوارها، المهندس جمال كريّم، قائلاً إنّ «الأمور ليست بهذا السوء». ينطلق كريّم في حديثه من الجانب المشرق، فيشير إلى أنّ طرابلس «تنعم» منذ أكثر من عشر سنوات بخدمة مياه صالحة للشرب «24/24، وقد صُنّفت هذه الخدمة من قبل المؤسسات المحلية والدولية بأنّها أفضل خدمة مياه في لبنان». ويستطرد بالقول إنّ «المدينة لم تشعر عملياً بتغيير في تموينها بالمياه خلال فترة الجفاف التي عانى منها لبنان خلال صيف عام 2014». هذا في المبدأ، أما على أرض الواقع، فماذا عن الشكاوى؟ يقول كريّم إنّ «الشكاوى انحصرت بالمشاريع السكنيّة المسماة مشاريع مطر ونشابة وغانم والأبنية في شارعي ابن سينا والشارع الجديد في القبّة، وقد ظهرت نهاية شهر رمضان الماضي». ولئن كان كريم يعتبر أنّ هذه الشكاوى «مشروعة»، إلا أنّه يؤكّد أنّ «المياه لم تنقطع بشكل تام، وبقيت تؤمن احتياجات السكّان، وإن كان لساعات محدّدة من اليوم».
أزمة ضخّ في القبّة
إذاً، لا انقطاع تاماً في المياه، يحسم كريم. من هنا، ينطلق للحديث عن أزمة «ضعف في ضغط المياه» وأزمة انقطاع التيار الكهربائي. وفي هذا الإطار، يشير إلى أنّه في ما يخصّ منطقة القبة التي تتغذّى من خزان العيرونيّة البالغة سعته ثلاثين ألف متر مكعّب، فقد أدّى «انخفاض مستوى المياه فيه إلى ضعف الضغط فقط، الأمر الذي سيؤثر على استدامة الخدمة المقدمة للأبنية المذكورة التي تعاني من تقطّع الخدمة». ويمكن تلافي هذا الأمر، في حال تأمين التيار الكهربائي طوال اليوم.
ولكن، بما أنّ التيار «الرسمي» ليس ثابتاً دوامه، فقد استعين «بمولّد كهربائي خلال فترات التقنين لتأمين التيار الكهربائي لضخ المياه من بئر الجسر الذي يؤمن المياه لخزان العيرونيّة». هكذا، تجري الأمور في الحالات الطبيعية. ولكن في حال حدوث خلل «في عمل مجموعة الضخ عند البئر أو في المولد الكهربائي، فمن الطبيعي أن يؤثر هذا الأمر على مستوى حجم المياه الذي تؤمنه البئر لخزان العيرونية، وبالتالي على مستوى المياه في الخزان، وبطبيعة الحال على استمرارية واستدامة الخدمة في المنطقة». وهذا ما يحدث اليوم، «حيث أصاب المولد عطل أدى إلى توقف البئر عن العمل بشكل تام، خلال فترات انقطاع التيار الكهربائي جراء التقنين، الأمر الذي أدى إلى انخفاض في حجم المياه التي تضخها البئر الى خزان العيرونية، ولم يكن حجم المياه الذي تمكنت المؤسسة من ضخه من خزان المنار في أبي سمراء إلى الخزان، سعياً للاستعاضة عن توقف البئر، كافياً لسدّ الحاجة». هذا الأمر أدى إلى انقطاع جزئي للمياه «وليس الى انقطاع تام، إذ اننا لم نتمكن من ضخ المياه طوال النهار كما اعتاد المواطنون، فالمياه تبقى مؤمنة، لكن ليس بشكل كاف».
ولفت إلى أن «زيادة في الطلب حصلت نتيجة للأحداث الجارية في سوريا خلال العامين الماضيين، ليس فقط في طرابلس بل في جميع أنحاء شمال لبنان».
انطلاقاً مما يجري، أطلقت المصلحة، أخيراً، «مشروعين لمنطقة القبة لضمان استدامة الخدمة وتحسين ضغط المياه عام 2014، وقد تضمن المشروع الأول حفر بئر ثانية قريبة من بئر الجسر المستعملة، قدرتها 7.7 أمتار مكعبة في اليوم وتجهيزها وربطها بقسطل الدفع إلى خزان العيرونية، وقد أنجز وبدأت تجارب الضخ على البئر الجديدة منتصف تموز الماضي، بكلفة بلغت 600 مليون ليرة لبنانية».
أما المشروع الثاني، فكان عبارة عن استكمال شبكات التوزيع الجديدة في القبة، بهدف تقليص الهدر في شبكات التوزيع القديمة، لما له من تأثير أيضاً على استهلاك مياه خزان العيرونية، «وقد أنجز وبدأ العمل على تحويل المشتركين من الشبكة القديمة الى الجديدة بشكل تدريجي، ومن المرتقب إنجاز هذا النقل نهاية أيلول المقبل».شبكة التبانة: الحل القريب
تختلف المشكلة في التبانة ويختلف مصدر تزويدها بالمياه عما يجري في القبّة. وهنا، يشير كريّم إلى أنّ «باب التبانة تتزود بالمياه بشكل أساسي من شبكة طرابلس التي يتم تغذيتها من محطة البحصاص، وبشكل جزئي من بئر الملولة عن طريق شبكة توزيع قديمة ومهترئة، لكون شبكة التوزيع الجديدة التي كانت قد نفذت قي المنطقة تعرضت للضرر خلال السنوات السابقة». هذا الضرر «الذي أوقف العمل بالشبكة الجديدة أثّر بشكل كبير على تموين جزء من شارع سوريا ومحيط جامع الناصري، في حين بقيت الأجزاء الأخرى من التبانة تستفيد من الشبكة القديمة لتأمين حاجاتها، ولكن ليس كما تتمنى المؤسسة».
ولمعالجة هذا الوضع، أوضح كريّم «أنّ المؤسسة أمنت مشروعين، ويتضمن الأول إعادة تأهيل الشبكة الجديدة في التبانة، على أن يبدأ تنفيذه مطلع أيلول المقبل بكلفة مليار ليرة لبنانية، والمشروع الثاني يتعلّق بحفر وتجهيز بئر جديدة في حرم خزان القبة، ما يسمح بتأمين كمية المياه الإضافية اللازمة لتغطية الطلب وتأمين الضغط اللازم لشبكة التبانة بتكلفة 400 مليون ليرة لبنانية».