منذ أن قال أرسطو بأن التجمعات الانسانية أرقى من التجمعات الحيوانية، والى يومنا هذا، لا تزال هناك أسئلة تحير العلماء والمختصين بالحياة البرية، وتشكك بمقولة أرسطو، ويبحث البعض عن إجابات لاسئلة كثيرة، مثل: كيف ترضخ العاملات في مملكة النحل لأوامر الملكة؟ وما هو سر الانضباط الرهيب عند عاملات النمل؟ وكيف يصطفي الشمبانزي أصدقاءه مع مرور الزمن؟

 

معجزة النحل

يعد النحل من أنشط وأذكى الكائنات على سطح الارض، فهي بارع ودقيق دقة مهندس يبني بيوته التي لها ذات الشكل مهما اختلفت البيئة التي يعيش فيها، وتتميز العلاقات بين النحل بأنها اجتماعية جداً، فهي تلقائياً وبشكلٍ غريزيّ تتغازل وتتكاثر، وتربّي صغارها وتحافظ على نسلها، وينقسم مجتمع النحل الى ثلاث طبقات، هي:

-العاملات: بغريزتها تعرف الواجبات المترتبة عليها، وتقتسم العمل على أساس العمر والحجم والحاجة.

-الملكة: مهمتها وضع البيض الذي ينتج عنه جميع أفراد الخلية. وتتميز الملكة بأنها وديعة وهادئة، تسير ببطء على أقراص الشمع داخل الخلية، وتسير حولها مجموعة من العاملات (الوصيفات) للسهر على رعايتها وإطعامها.

-الذكور: عملها الوحيد هو تلقيح الملكات، وهي لا تعرف جني العسل.

ويعتبر النحل من أنظف الكائنات، ففي الايام الاولى لخروج النحلة الكاملة، تقوم بتنظيف الخلية بدقة فائقة، فتخصص أول ثلاثة أيام من حياتها لأعمال النظافة، وفي ما يشبه العمليات التجارية البدائية تقوم النحلات بتبادل المواد الغذائية، وهو سلوك غريزي.

 

النحلات السكارى

من أطرف ما يذكره العلماء الذين درسوا عالم النحل خلال ثلاثين عاماً، هي ظاهرة السكر عند النحل، فعندما تتناول النحلة بعض المواد المخدرة مثل الإيثانول (يدخل في تركيب المبيدات الحشرية)، وهي مادة تنتج طبيعياً من تخمر بعض الثمار الناضجة، فتأتي النحلة لتمتص قسما من هذه المواد فتصبح “سكرى”. ويقول العلماء إن هذه النحلات السكرى تصبح عدوانية، ومؤذية لأنها تفسد العسل وتفرغ فيه هذه المواد المخدرة مما يؤدي إلى تسممه. ويضيف العلماء أنه في كل خلية هناك نحلات مزودة بما يشبه “أجهزة الإنذار”، تستطيع تحسس رائحة النحل السكران وتبعده عن الخلية!

إن النحلات التي تتعاطى هذه المسكرات تصبح سيئة السمعة، ولكن إذا ما أفاقت هذه النحلة من سكرتها يسمح لها بالدخول إلى الخلية مباشرة، وذلك بعد أن تتأكد النحلات أن التأثير السام للإيثانول قد زال نهائيا.

 

النمل والانضباط مثالي

النمل حشرات موجودة منذ 92 مليون سنة، فقد عايشت الديناصورات، والسلوك الاجتماعي لديه هو الأعقد بين عالم الحشرات، وتمتلك النملة دماغ ذو فصين، أي أنها قادرة على التحليل والتفكير، وتحكم الملكة الأم المملكة كلها بانضباط رهيب، حيث تلتزم العاملات بالاوامر، وتعيش هذه الحشرات في مملكة محكومة بتراتبية هرمية تشبه أي جيش في العالم.

كما النحل في مملكة النمل ثلاثة طبقات، هي:

-الملكة التي تضع البيض.

-الإناث العقيمات (العمال أو الجنود). وهي أصغر حجماً من النمل العادي، وتكمن  مهمته في توسيع وتقوية العش والدفاع عنه، وتهتم بجمع الغذاء والعلف ورعاية الملكة.

-الذكور ومهمتها التلقيح فقط.

يقلد صغار النمل آبائهم وأمهاتهم في العمل اليومي داخل المستعمرة في سلوك غرائزي، وقد وجد العلماء أن بعض صغار النمل يتمتعون بمواهب أكثر من غيرهم ويتعلمون بسرعة اكبر.

 

لغة النمل

يقوم النمل بمشروعات جماعية كإقامة الطرق الطويلة بصبر وجهد منقطع النظير، ويعمل ليلاً نهاراً، وقد يتعاون النمل من مملكة مع النمل في مملكة ثانية لبناء جسور فوق الماء.

ولكي تتواصل هذه الحشرات فيما بينها تفرز مادة كيميائية خاصة بها، تدعى “فرمونات” لها رائحة خاصة، تعمل بمثابة بطاقة شخصية أو جواز سفر للتعارف بين أفراد المستعمرات المختلفة، وتدل على العش الذي ينتمي إليه، والوظيفة التي تؤديها كل نملة في هذا العش .

وبينت تجارب أجراها علماء أنه إذا دخلت نملة غريبة مستعمرة ما لا تنتمي إليها، فإن النمل في هذه المستعمرة يتعرف عليها من خلال رائحتها ويعتبرها عدواً، ثم يهاجمها، كما أنهم أجروا تجربة على نملة حية بعد فركها بنملة ميتة وادخلوها الى العش ذاته الذي تنتمي اليها (حيث اصدقائها)، فقامت النملات بحملها ورميها خارج العش، بعد أن ظنوا أنها ميتة من خلال رائحتها.

 

النمل الذكي والعسل

يرسل النمل رسلاً منه لجمع بيوض حشرة تدعى “بق النبات”، وهي حشرة صغيرة تعيش على النبات، وتدر سائلاً حلوا يسميه علماء الحشرات “العسل”، ويرعى النمل هذه البيوض الى ان تفقس وتخرج منها اليرقات، ويستمر في تدجينها حتى تكبر فيقوم بـ “حلبها”، وذلك بمسها بقرونها.

 

القردة ايضاً اجتماعية

لا تتشابه القرود مع الإنسان بقدراتها العقلية فحسب، وإنما لديها قدرات تظهر مع تقدم العمر، ويمر القرد بمراحل منها الطفولة، المراهقة فالوعي ومن ثم الحكمة، وهنا اظهرت دراسات أجريت مؤخراً أن الشمبانزي يصطفي مع مرور الزمن أصدقاءه، فيبدأ بالتمييز بين الاصدقاء والمعارف والاقارب.

وبدراسة الأنماط السلوكية للغوريلا الجبلية باعتبارها أحد فصائل القرود، وجد الباحثون أن الحياة الاجتماعية لهذا النوع من القردة تشبه الى حد كبير تلك التي عند الانسان، فرغم أن الغوريلا تعد من الأنواع العدوانية بالغة الخطورة، إلا أن حياتها ضمن القطيع أو الاسرة الواحدة تتسم بالمسالمة، ونادراً ما ينشب بين أفراد القطيع أية صراعات، والعلاقة الودية بين أفراد الأسرة الواحدة لا تنقطع طيلة حياتهم، وخصوصاً العلاقة الحميمة والودية.

والقردة عموماً ذكية وعاطفية، تتأثر، تحزن وتفرح، وينعكس ذلك على وجوهها عند تعرضها للقهر أو الكبت، كما أن تقسيم الأدوار داخل الأسرة الواحدة يتشابه مع ما هو متبع لدى البشر، إذ يتولى ذكور القردة قيادة الأسرة وحمايتها، بينما الإناث يقمن برعاية الصغار وتربيتهن .ويلعب صغار الشمبانزيه مع آبائهم ويشعرون بالسعادة في احضان امهاتهم اللواتي تطورت عندهن غريزة الامومة بشكل كبير،كما يتصرف بنو الانسان في طفولتهم.

الانسان ليس الحيوان الاجتماعي الوحيد على سطح هذه الكوكب الأزرق، فبالاضافة الى النحل والنمل والقردة نجد الفيلة والدلافين والكثير من الطيور تعيش في مجموعات، وترتبط في ما بينها بعلاقات تكون غالباً متطورة ومعقدة الى حد كبير.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This