كيفن مدلج، ابن الست سنوات، مات غرقاً في احد المسابح في لبنان، وقبله مات كثيرون، ورغم اختلاف الجهة المسؤولة، الا ان الحوادث تتكرر سنوياً وأعداد الضحايا الى ارتفاع.

تشكل الحوادث البحرية ثاني اهم مسبب للوفاة عند الاطفال بعد حوادث السير، بحسب “منظمة الصحة العالمية”، والغرق هو السبب الرئيسي الثاني للوفاة عند الشريحة العمرية من 1 الى 19 سنة، وتشير ارقام “الجمعية اللبنانية للوقاية من الاصابات الرياضية” و”مؤسسة الابحاث العلمية” الى تسجيل اكثر من 150 ضحية غرقا، واكثر من 800 اصابة سنوياً في لبنان و 500 الف ضحية في العالم، معظمهم من الاطفال.

 

أسباب ونتائج

أكدت “منظمة الصحة العالمية” أن 69 بالمئة من حوادث غرق الأولاد يكون بسبب غياب رقابة الأهل لمدة تقل عن خمس دقائق، بالاضافة الى تعرضهم طويلاً لأشعة الشمس من دون أي حماية. في المقابل، يلقي غالبية الاهل مسؤولية وفاة اطفالهم على اهمال المسابح  بالدرجة الاولى، من حيث اعتماد المعايير الاساسية في تأمين سلامة الاطفال العامة، والتي يعتبر من اهمها اعتماد المنقذين البحريين المدربين.

تنصح “الجمعية اللبنانية للوقاية من الاصابات الرياضية” LASIP بتعليم الاولاد السباحة من عمر اربع سنوات، حيث يكون استيعابهم جيداً لفهم اصولها، وتنبّه الى ضرورة التأكد في كل موسم جديد من ان الولد ما زال يتذكر هذه الاصول من الموسم السابق. أما الاعتماد على وسائل الطفو كالدولاب والعوامات فهو خاطىء، لانه من الممكن ان تثقب هذه الوسائل او ان تفلت من الولد وعندها تقع الكارثة.

في هذا الاطار، شدد رئيس الجمعية، مدرّب الغطس والمنقذ البحري زياد الحلبي على ضرورة مراقبة الاهل لاولادهم وهم في المياه، لان الولد “يغرق بدقيقة وبصمت تام”، وأشار في حديث لـ greenarea.info الى “ان القانون اللبناني الصادر عن وزارة السياحة، والذي يحتاج الى تحديث، يحتّم وجود عدد من المنقذين البحريين في كافة مراكز السباحة، ويحدد صلاحية شهادة المنقذ البحري بسنتين فقط، كي يضمن قدرات المنقذ البحري بشكل دوري”.

واعتبر ان المشكلة الاساسية تكمن في “عدم تجنيد المسابح لذوي الخبرات والشهادات لمنصب عامل الانقاذ، واستبدالهم بأشخاص اما انتهت صلاحية شهادتهم او لا يحملون الشهادة من الاساس”.

لهذه الاسباب تحددت صلاحية الشهادة بسنتين فقط، الا ان الامر الاساسي الآخر، فهو بحسب الحلبي “ضرورة التزام المنقذ بدورة اسعافات اولية، على اعتبار ان عمله لا يقتصر على انقاذ الغرقى من المياه فحسب، بل القيام بالاسعافات الاولية الضرورية لضمان استمرارية تنفّس الغريق الى حين تسليمه الى الجهات المختصة”.

في هذا السياق، شدد الحلبي على ان عمل المنقذ البحري لا يقتصر على عملية بسيطة بانتشال الغرقى من المياه فحسب، وإنما “مراقبة المسبح او البحر، واعتماد مبدأ ان المنقذ لا يبتلَ، بمعنى انه يراقب جيداً، ويحاول توجيه اي انسان لتفادي غرقه. واذا لاحظ اية العاب خطرة داخل المسبح يمنعها مباشرة، وان وجد احداً يغرق يحاول مساعدته عبر دولاب الانقاذ او الفواشة”.

اما وفي حال اضطر للنزول الى المياه لانقاذ الغريق، فيجب ان يدرك بان هذا الاخير يمكن ان يتحول لغريق شرس مما يجبره على ترك مسافة بينه وبين الغريق. ورغم ان المنقذ مدرّب للاحتكاك المباشر، انما 70 بالمئة من الحالات التي يغطس المنقذ اعتباطياً لاجل الغريق… يموت فيه. فالغريق في هذه الحالة وبسبب تعلقه بالحياة وخوفه من الغرق يستعمل المنقذ فواشة فيغرقه، وان لم يكن هذا الاخير على قدر من المعلومات واللياقة البدنية يخسر حياته. من هنا ضرورة الشهادة المجددة دائماً”.

وفي حين لا تتخطى مدة دورة الانقاذ البحري الشهر الواحد، شدد الحلبي على ان “مهمة الانقاذ لا تنتهي عند هذا الحد، بل يجب على المنقذ ان يقوم بالاسعاف اللازم دون ان يحق له بتاتاً ان يقرر وفاة الشخص. فعليه المباشرة بإجراء الاسعافات اللازمة والانعاش الرئوي الى حين وصول الصليب الاحمر، الذي بدوره يتابع الانعاش لحين الوصول الى الطبيب الوحيد الذي يملك حق تحديد وفاة الشخص”.

في هذا الاطار، سجّل الحلبي اولى نقاط ضعف وزارة السياحة التي تقتصر دوراتها فقط على اساليب الانقاذ دون ان تتطرق الى دورة الاسعافات الاولية، فضلاً عن عدم معاقبة اي مسبح تحدث لديه حالات غرق بسبب تقاعس فريق العمل.

وفي حين يكرر الحلبي تأكيده على “ان المشكلة تكمن في القانون اللبناني الذي يختصّ بالحمامات البحرية الصادر عام 1970 وغير المعدّل ابداً منذ ذلك الحين”، فنّد بعض الثغرات بالاشارة الى “ان القانون يشير الى وجود عدد كاف من المنقذين على المسابح دون اي يحدّد هذا العدد الكافي”.

واشار الى ان “مسبح  بطول 50 متراً، يحتاج اقله الى 4 منقذين، 3 منقذين لمسابح الـ 33 متراً، منقذين لمسبح الـ 20 متراً ومسابح الصغار تحتاج الى منقذ واحد”.

استطراداً، اشار الحلبي الى ان المشكلة الاساسية التي تلاحق هذه القضية هي “مهنة” المنقذ، بحيث انها موسمية  تسبب في خسارة الخبرات بين عام وآخر، فضلاً عن انها لا تضمن الاستمرارية للمنقذ “العامل”، الا في حالات المنتجعات والاندية التي تحتوي على مسابح شتوية.

وبالتالي، فانه من ضمن الحلول المطروحة “خفض عمر المنقذ البحري الى 17 سنة، وزيادة وزارة السياحة لعدد الدورات السنوية كي يستطيع التلامذة، الذين يريدون العمل خلال فترة الصيف، من الانضمام وتعلّم الارشادات اللازمة التي تخوّلهم العمل كمنقذين بحريين في الصيف”.

الى ذلك، اعتبر الحلبي ان “قضية السلامة العامة وحياة الافراد لا تحتلّ سلم الاولويات في لبنان، لان كافة الامور لا يتم أخذها بالجدية المطلوبة، خصوصاً في ما يتعلّق باعطاء المنقذين البحريين دورات اسعافات اولية يشرف عليها اشخاص من خارج الوزارة التي لا تملك الكادر التدريبي اللازم”.

قدّمت جمعية “lasip” مراراً طلبات بتعديل القانون، لانه يفتقر الى الدقة وعرضت استعدادها لتحضير قانون عصري يراعي شروط السلامة العامة، ويحمي مصالح المسابح في الوقت نفسه.

في هذا السياق، اشار الحلبي الى ان “آخر حديث في هذا المجال حصل مع وزير السياحة السابق فادي عبود، الذي أعطى الموافقة الشفهية لصياغة الجمعية لقانون جديد، الا انه لدى تحديثها لقوانين عديدة، فضلاً عن ترجمة قوانين اجنبية تستوفي شروط تطبيقها في لبنان، طلبت الجمعية موافقة خطية من الوزارة دون ان تلقى اي جواب في ظل عرقلات حصلت لاسباب او لأخرى”.

مسوّدة القانون الجديد والمتطوّر باتت جاهزة، والجمعية مستعدة للتعاون مع اي جهة مهتمة فعلياً للعمل الجدي في هذا المجال.

أسماء الاطفال، ضحايا الحوادث البحرية وخصوصاً الغرق، تتكرّر سنوياً والنداءات لتشديد الرقابة والاهتمام بالسلامة العامة يتكرر معها. الا ان المشكلة الاساسية تكمن في القوانين غير المجددة تبقى هي نفسها، والمطالبة بتجديدها مستمر، فهل تلبّي وزارة السياحة نداء الجمعية اللبنانية للوقاية من الحوادث الرياضية؟

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This