ما كان ينتظره أبناء مدينة الهرمل منذ سنوات طويلة كـ”نعمة” ترفع تلوث الحفر الصحية من بين أحيائها، فوجئوا به يحلّ عليهم “نقمة” صحية وبيئية. محطة تكرير للصرف الصحي “ع كتف العاصي، وع جبين الهرمل”.
هكذا يعرّف عدد من أبناء الهرمل المكان الذي اختارته البلدية لإقامة المحطة عليه. القرار ــــ الصدمة صعق أبناء المدينة، بعد إعلان بلدية الهرمل عن نيتها لإنشاء معمل تكرير لمياه الصرف الصحي، ودعوة المعترضين للتقدم باعتراضهم خلال 15 يوماً.
“كيف لمجلس بلدي مسؤول عن الإنماء أن يوافق على إقامة محطة للصرف الصحي في العقار 597 من منطقة الهرمل العقارية وفي محمية الصنوبر عند مدخل المدينة؟!”. يسأل علي عابدين، أحد أبناء المدينة وصاحب متنزه على مجرى العاصي، بكثير من التهكّم والحنق: “حتى الغريب لا يقبل بإقامة محطة للصرف الصحي على كتف العاصي وفوق المطاعم والمتنزهات”. ولمن لا يعرف العقار 597، يشرح عابدين، أنه يقع في محلة “وادي العين” التي تكثر فيها الينابيع والمياه الجوفية، وهي تتربع على “كتف وادي ومجرى نهر العاصي، وفي الحوض الإيدروجيولوجي للنهر وقريباً من الأماكن السياحية”.
الخبر “الصاعقة” استنفر الهرمليين الذين عبروا عن استيائهم من قرار البلدية، لانه “لا يراعي بيئة وطبيعة الهرمل، ولم ينتظر دراسة الأثر البيئي للمشروع للبناء عليه”، كما يقول أحد أعضاء تجمع شباب الهرمل لحماية البيئة. ويلفت الى أن الدعوة التي عُلّقت لصقاً على باب البلدية اعتبرت ان العقار 597 هو المكان “الأنسب”، وفي الوقت نفسه أقرت بأن دراسة الأثر البيئي “لا تزال قيد التحضير، متسائلاً: “كيف قرروا انه المكان الأنسب قبل انتهاء الدراسة؟”.
عبد المنعم عابدين، صاحب أحد المتنزهات، رأى أن اختيار البلدية للموقع “خاطئ” لكونه لا يبعد عن مكان إقامة سد العاصي، كاشفاً أن شركة “نزيه وطالب وشركاؤه” هي التي أنجزت دراسات مشروع سد العاصي، وهي نفسها التي أنهت دراسة مكان إقامة معمل تكرير الصرف الصحي في العقار 597، ما يدعو إلى التساؤل “هل الأمر فقط لهدر الأموال أم لإنجاز دراسات مجدية وذات نفع للمنطقة وأهلها؟”.
فور إعلان البلدية عن نيتها بدء العمل في المشروع، توالت الكتب الخطية المعارضة التي رُفعت الى البلدية والى قائمقام الهرمل طلال قطايا. الشاب أحمد الساحلي اكد أن اعتراض أبناء الهرمل ليس على المشروع، وإنما على المكان المزمع إقامته فيه. فالتخوف بحسب رأيه نابع من موقع المعمل، ومن “عدم ثقتنا بتوفر القدرة اللازمة لتشغيل المحطة، وبصيانتها في حال طرأت أعطال عليها بعد تشغيلها، والأضرار التي تنتج عن ذلك”. وفي جعبة المعترضين على إقامة محطة التكرير عدد كبير من المحطات التي شكلت مصدراً لكوارث بيئية في أماكن إقامتها ومنها محطات إيعات وحاصبيا ووادي ميمس والهبارية واليمونة، إذ إن “معظم هذه المحطات تحولت إلى مصادر للتلوث بسبب عدم قدرة البلديات على الإيفاء بتكاليف تشغيلها وصيانتها، وفي الحالات التي سُلّمت الى شركات خاصة كانت المصيبة أكبر لأن هذه الشركات تعمل وفق مبدأ التوفير، فتراها تطفئ المراوح والمولدات، ما يؤدي الى انتشار الروائح”، بحسب علي عابدين.
امس، نفّذ المعترضون اعتصاماً امام مبنى البلدية، وعقد اجتماع حضره رئيس المجلس البلدي مع ممثلين عن الشركة المنفذة والاتحاد الأوروبي وعدد كبير من الأهالي في الهرمل. وبعدما أخفقت حجج الشركة في إقناع المعترضين، تقرر تشكيل لجنة من البلدية والأهالي لدراسة الضرر من الموقع المزمع إنشاء المعمل عليه، والشروع في التفتيش عن مكان آخر.
نائب رئيس بلدية الهرمل عصام بليبل أكد لـ”الأخبار” أن مخاوف الأهالي سببها “عدم الثقة” بالبلدية وبالشركة المتعهدة من جهة، والأصداء السيئة لمشاريع محطات تكرير الصرف الصحي في بقية المناطق. ولفت إلى أن اختيار الموقع في العقار 597 جاء اثر اعتراض على إقامة المحطة في منطقة بين الهرمل والشواغير وحوش السيد علي، مشدداً على أن البلدية إلى جانب اللجنة التي تشكلت ستتابع البحث في ماهية الأضرار التي قد تنتج من إنشاء المحطة، والبحث عن مكان آخر لإنشائها.