بشكل عام يكمن الخطر البيئي في أي تلوث مائي بتعطيل السلسلة الغذائية، ما ينتج عنه نمو سريع للطحالب، بحيث تصبح سائدة مما يخفض القيمة الجمالية والسياحية للبحيرات، كذلك، فإن الطحالب والاشنيات تفرز مادة سامة (ميكروسيستين) تؤثر على الثروة السمكية في البحيرات والحياة الإنسانية ، ويؤدي رفع درجة حرارة المياه إلى خفض كمية الأوكسجين الذاتية مما يسبب صدمة حرارية للأسماك تتمثل في نفوقها أو هجرتها أو عزوفها عن وضع البيض، ومن أهم نتائجها، انتشار الطحالب الخضراء المزرقة كدليل على حدوث التلوث لأنها تفضل درجة حرارة تصل إلى 40 درجة مئوية.
في دراسة حديثة قام بها فريق من علماء الاحياء المجهرية من “جامعة أمستردام” UVA في هولندا، تم نشرها في المجلة العلمية الرسمية للأكاديمية الوطنية للعلوم في أميركا PNAS في 1/8/2016، تتعلق بالتبعات المترتبة على عدم نظافة خزانات مياه الشرب وسلامة حمامات السباحة والبحيرات، تبين أن أحد أشكال (نموذج بيئي، سلالة) الطحالب الخضراء المزرقة يستطيع أن يتكيف بسهولة مع ارتفاع مستويات ثاني أوكسيد الكربون، وهذا يعني أن هذه الطحالب والسلالات التابعة لها المنتجة للسموم أكثر قدرة على التكيف مع التغيرات المناخية مما افترض العلماء سابقاً.
تغير التركيب الجيني للطحالب
جيف هولسمان رئيس الفريق البحثي وجد تكاثرا واسعا لأحد أشكال الطحالب الخضراء المزرقة في البحيرات ومواقع تجمع المياه في الصيف، وبناء عليه، قام الباحثون بتحليل التركيب الجيني لهذه الطحالب في المختبر، وفي بحيرة KENNEMER تحت ظروف غنية وظروف فقيرة بـ Co2، وذلك لدراسة القدرة الكامنة على تكيف الطحالب في الاستجابة لزيادة ثاني أوكسيد الكربون، لأنها لم تدرس سابقاً، وقد ساعدت هذه الدراسة في التنبوء بكيفية تطور انتشار الطحالب في المستقبل كما أوضح (شينغ جي) وهو دكتور باحث في الفريق. وقد لوحظ (في المختبر والبحيرة) تغير التركيب الجيني للطحالب استجابة لزيادة CO2، ويقول الباحث الرئيس (جيوفاني ساندريني) هذا مثال حي للانتقاء الطبيعي، حيث تبين أن السلالة الأقوى هي التي تمتص وتحلل CO2 وتكسب اليد العليا في نهاية المطاف.
بعض سلالات من الطحالب الخضراء المزرقة لديها نظام امتصاص لـ CO2 بطيئة لكنها فعالة، وتمكنها من إخراج كل ما تبقى من ثاني أوكسيد الكربون من الماء حتى ولو كان بتركيز منخفض، هذه السلالات تصبح مسيطرة وسائدة في ظروف منخفضة من ثاني أوكسيد الكربون، وعلى النقيض، هناك سلالات اخرى لديها نظام امتصاص سريع يسمح لها بسحب الـ CO2 المذاب بمعدلات مرتفعة جداً عندما تكون بتراكيز عالية، وقد اكتشف الباحثون أن هذه السلالات العالية السرعة تتمتع بميزة انتقائية كبيرة في المياه الغنية بثاني أوكسيد الكربون، يواصل ساندريني أنه “نظراً لارتفاع نسب CO2 في الغلاف الجوي فإن هذه السلالات مهيأة للازدهار”.
ظاهرة الإثراء الغذائي
أما بالنسبة لمياه الشرب ومياه الاستحمام، فإن تكيف الطحالب الخضراء المزرقة لارتفاع ثاني أوكسيد الكربون هو مدعاة للقلق، وذلك لأن بإمكانها أن تنتج مادة سامة هي ميكروسيستين تسبب تلفا في الكبد عند الطيور والثديات، وبإمكانها أيضاً ضمن ظروف التركيزات العالية أن تعطل الأنظمة البيئية في المياه العذبة، مما يسفر عنها مقتل الاسماك والبلانكتون، وفي هولندا كانت هذه الطحالب سبباً في منع السباحة للعموم.
شينغ جي عاين شخصياً كيف أثبتت هذه الأحياء ضررها بالفعل في عام 2007، عندما كان يعيش في شرق الصين، حيث غطت الطحالب الخضراء المزرقة سطح بحيرة TAIHU التي تغطي مساحة 2000كلم2، وأدت إلى أزمة مياه شرب لخمسة ملايين نسمة، ويقول “شاهدت والدتي تتجادل مع متسوقين آخرين في السوبر ماركت وكانت أنظارهم متجهة نحو آخر زجاجات مياه الشرب المتبقية، ولأنني أدرك كيف يمكن لسوء نوعية المياه أن يؤثر على المجتمع يسعدني كثيراً أن أشارك في الابحاث التي يمكن أن تسفر عن رؤى ذات صلة.
إن هذا التلوث الذي تعاني منه أغلب المصادر المائية يندرج تحت مسمى ظاهرة الإثراء الغذائي، وتعني دخول العناصر الغذائية طبيعياً إلى الأنظمة المائية، وهي ظاهرة طبيعية، إلا أنه عندما تزيد هذه الكميات بصورة كبيرة نتيجة للفعاليات الإنسانية، فإن هذه الظاهرة تشكل خطراً بيئياً وتدعى بـ “الإثراء الغذائي الاصطناعي”.
بحيرة قطينة في سوريا
نعاني كثيراً في سوريا من هذا التلوث، إن كان على نهر الفرات (حيث تلقى المخلفات العضوية) أو غيرها من البحيرات المغلقة الاخرى، وأخص بالذكر بحيرة قطينة وما يطرح فيها من مخلفات معمل السماد الآزوتي الغنية بالعناصر المغذية.
إن توفر عنصري الآزوت والفوسفور بكميات كبيرة يزيد من نمو الكائنات بصورة كبيرة، إلى درجة تصبح معها أكثر من قدرة الأحياء الحيوانية على التهامها، وبالتالي عند موت هذه الأحياء تترسب وتتوضع في أسفل البحيرة لتتحلل شيئاً فشيئاً، ويتطلب ذلك الكثير من الأوكسجين المنحل في المياه، وهذا الطلب على الأوكسجين يكون على حساب الأحياء المائية الأخرى، مما يؤدي إلى اضمحلال تدريجي في عدد الأنواع، وبالتالي الاختفاء التدريجي للأحياء في الوسط المائي، وينتج عنه نمو سريع للاشنيات والطحالب، بحيث تصبح سائدة تعطي لونا أسود للبحيرة ورائحة كريهة، مما يخفض القيمة الجمالية والسياحية للبحيرات، لأنه كما ذكرنا في مقدمة البحث، إن الطحالب تفرز مادة سامة تؤثر على الثروة السمكية والحياة الإنسانية.