من المتعارف عليه ان عملية التمثيل الضوئي تقتصر على النباتات فحسب، وهي عملية معقدة تحدث في خلايا البكيتريا الزرقاء وفي الكلوروبلاست في كل من الطحالب والنباتات العليا، الا انه وبعد عقود من البحث، وجد العلماء دليلاً مباشراً على أن البزاقة البحرية الخضراء الزمردية “emerald green sea slug” (الاسم العلمي Elysia chlorotica) تحصل على الجينات من الطحالب التي تأكلها لأداء عملية التمثيل الضوئي، تماماً مثل النبات، وهذا يعني أنه بإمكانها الحصول على كل الطاقة التي تحتاج إليها من أشعة الشمس، الامر الذي يسمح لها بالبقاء على قيد الحياة من دون طعام لأشهر عديدة.
في هذا السياق، يقول أحد اعضاء فريق البحث سيدني بيرس انه “خلال عملية التمثيل الضوئي، تقوم البزاقة البحرية بإنتاج الدهون حين يتم الجمع بين الطاقة من أشعة الشمس مع الماء وثاني أوكسيد الكربون، وهو ما يعطيها كل التغذية التي تحتاج إليها، ومن دون الحاجة للمزيد من الطعام”.
وتشير الدراسة الى انه من المستحيل ان تعمل الجينات من الطحالب داخل خلية حيوانية، الا انه في وضع البزاقة الخضراء، فهي تسمح لها بأن تعتمد على اشعة الشمس كأساس لتغذيتها، حتى اذا فقدت مصدر غذائها، فلا تتضرر جوعاً الى حين العثور على مزيد من الطحالب!
هذا التطور وضعه بيرس في خانة “التكيف البيولوجي المتوارث من جيل الى آخر وليس على نطاق الزمن التطوري لآلاف السنين”.
وكانت دراسة سابقة نشرت نتائجها في العام 1970 قد خلصت إلى أن البزاقة البحرية الخضراء الزمردية تحصل على البلاستيدات الخضراء من الطحالب الصفراء والخضراء التي تأكلها، وتسمّى Vaucheria litorea، وتحوّلها الى خلايا جهاز هضمي خاص بها، هذه العملية والتي يشار إليها بـkleptoplasty تسمح للبلاستيدات الخضراء بالإستمرار في عملية التمثيل الضوئي لدى البزاقة البحرية الخضراء لمدة قد تصل إلى تسعة أشهر بعد انتقالها من الطحالب.
رغم هذه الاكتشافات، الا ان آلية حفاظ البزاقة على طريقة العمل لفترة طويلة ما زالت تشكّل للعلماء لغزاً محيراً ومعقداً. واكبر دليل على ذلك، التجارب التي أشرف عليها باحثون من “جامعة دوسلدروف” في المانيا عام 2013، حين قدموا للبزاقة البحرية دواءً لايقاف اي نشاط يتعلق بعملية التمثيل الضوئي في خلاياها، الا ان النتيجة أتت معاكسة، وصمدت البزاقة وظلت على قيد الحياة لـ 55 يوماً دون ان تتناول اي طعام، رغم انه شحب لونها وقلّ حجمها. هذه التجارب، تؤكد ان ما حصلت عليه من الطحالب في وجبتها الاخيرة كانت قيد العمل ولم تتوقف بفعل الدواء!
في هذا السياق، تقول الباحثة كريستينا اجاباكيس انه “يمكن لكثير من الحيوانات، من الرخويات البحرية إلى السمندرات الاستفادة من الطاقة الشمسية، ونحن نتعلم كيفية تعظيم هذه الاستفادة”.
واشارت الى ان “عدداً من الحيوانات يحصل على غذائه بالفعل من خلال عملية التمثيل الضوئي، وأشهرها الشعاب المرجانية الاستوائية. ولكن العديد من أنواع الإسفنج وشقائق النعمان وزقاق البحر والهيدرا وثنائيات الصدفة يعتمد جزئيا أيضا على الطاقة الشمسية. في حين تساعد الحيوانات التي تتغذى على ضوء الشمس في إطعامنا بالفعل، على نحو قليل، فقد كان المحار العملاق جزءا من غذاء الإنسان لما لا يقل عن ١٠٠ ألف سنة”.
واستطردت للحديث عن ان “الدودة المسطحة التي تتغذى عن طريق التمثيل الضوئي والتي يصل طولها إلى ١٥ ملليمتراً، يمكن أن توجد بأعداد كبيرة في بعض الأماكن. ثم هناك الشراع الأرجواني، الذي يشبه قنديل البحر، الذي يطفو على سطح البحر، وقنديل البحر المقلوب. والأكثر إدهاشا هو الأنواع المختلفة من بزاق البحر الذي يتغذى على الطاقة الشمسية”.
وفي حين لا تتضمن القائمة اية فقاريات، يتساءل البعض لما لا تستطيع كل الحيوانات القيام بعملية التمثيل الضوئي؟ في هذا الاطار، يقول باتريك كيلينج من جامعة بريتيش كولومبيا: “أعتقد أن الإجابة ليست أن الحيوانات لا تستطيع، وإنما لانها لا تمتلك الأدوات المطلوبة فحسب”.
ويعود بالسبب الى ان “الشرط الأول المطلوب توافره هو الضوء، إذ ليس من قبيل المصادفة بالتأكيد أن الحيوانات التي تطورت فيها عملية التمثيل الضوئي، لديها بالفعل أساليب حياة تتضمّن البقاء في الضوء، وأن هذه الأنواع العديدة، على غرار الهيدرا وقناديل البحر، لديها أيضا أجساد نصف شفافة تسمح للضوء بالمرور خلالها. وكذلك لشكل الجسد أهمية، فالعديد من حيوانات التمثيل الضوئي، مثل شقائق النعمان والمرجانيات، لها بنية متفرعة تشبه بنية النباتات. أما الحيوانات الأخرى، مثل الدودة المسطحة وبعض أنواع بزاق البحر (ساكوجلوسان)، فتشبه في شكلها ورقة النبات المسطحة. وهذا الشكل يمنح هذه المخلوقات مساحة سطح كبيرة نسبة إلى حجمها، ما يزيد كمية الضوء التي يمكن امتصاصها إلى أقصى درجة، وهذا ما يزيد الطاقة أيضا”.
استطراداً، اشار كيلينج الى انه “ربما تفسر الحاجة للضوء السبب في أن عدداً من الحيوانات لا يقوم بعملية التمثيل الضوئي، فعلى سبيل المثال، وحتى لو كانت حيوانات السمندل المرقط البالغة تستطيع الحصول على قليل من الطاقة من خلال التمثيل الضوئي، فإن المخاطر الناجمة عن كشف نفسها خلال النهار ربما تفوق الفوائد، ما يعني أن هذه القدرة لن تتطور أبدا أكثر من ذلك. وبينما يحصل الكثير من الثدييات والطيور والزواحف على كثير من الضوء، فإن فراءها أو ريشها أو حراشفها تمنع الضوء من الوصول للخلايا الحية”.
الشرط الثاني المطلوب توافره هو “أدوات تحويل الضوء إلى غذاء، وتتمثل هذه الأدوات في النباتات في صورة البلاستيدات الخضراء، وهي السليل المتحدر من البكتيريا الزرقاء التي احتوت عليها أسلاف النباتات منذ حوالي ٢٫٥ مليار عام” بحسب كيلينج.
وبالعودة الى آلية عمل بزاقة البحر، اشار كيلينج الى ان “بزاق البحر يستخلص البلاستيدات الخضراء من الطحالب التي يتغذى عليها، ويضعها في خلايا الأمعاء. وتمتد أفرع أمعاء بزاق البحر عبر جسده، الامر الذي يوفّر مساحة سطح كبيرة لالتقاط الضوء”.
في المقابل، تحدث عن نقطة ضعف خفية “فعندما تتحول البكتيريا الزرقاء إلى بلاستيدات خضراء، تنتقل معظم جيناتها إلى جينوم المضيف، بما في ذلك بعض الجينات اللازمة لاستمرار عمل البلاستيدات الخضراء. وبما أن خلايا بزاق البحر لا تمتلك هذه الجينات، يجب أن تستبدل بلاستيداتها الخضراء كل بضعة أيام أو أسابيع. الاستثناء من ذلك هو بزاق البحر الأخضر الزمردي، فبعد أن يستولي على البلاستيدات الخضراء من نوع معين من الطحالب عند وصوله إلى صورته البالغة، لا يحتاج أن يأكل مرة أخرى لمدة الشهور العشرة المتبقية من عمره”.