ليس معلوماً بعد سقف المواجهة التي بدأها “حزب الكتائب” لتعطيل عقد تلزيم إنشاء مطمر برج حمود، الجديدة – البوشرية – السد والحاجز البحري المخصص لحمايته، والذي فازت به “شركة خوري للمقأولات” بعد قدمت أدنى الأسعار في المناقصة، وبكلفة تقديرية بلغت /109,370,668/ دولارا أميركيا بما فيها الضريبة على القيمة المضافة.
تجاهل النائب سامي الجميل في مؤتمره الصحفي اليوم الاشارات إلى العطب الجوهري في الخطة الحالية التي تسعى الحكومة إلى انفاذها، والمتمثل بغياب أي استثمار في معامل جديدة للمعالجة بما يكفل استرداد نسبة عالية من النفايات بدل طمرها. ومن المتوقع ان يفجر هذا التجاهل المتعمد لخطوة انشاء معامل معالجة جديدة – رغم هول الكارثة التي حلت باللبنانيين قبل عام – أزمة كارثية في ادارة النفايات المنزلية الصلبة، اكبر من التي حدثت بعد اقفال مطمر الناعمة. ستبدأ هذه الازمة الكارثية في المدى المنظور، اي بعد ايام أو اسابيع قليلة، لكن تفاقمها واستفحالها سيكونا اكثر وضوحاً بعد استنفاذ الطاقة الاستيعابية للمطامر البحرية (برج حمود والكوستابرافا) التي تُنازع قبل انطلاقها، وذلك ضمن المدى المتوسط، أي بعد عام أو عامين على اقصى تقدير.
ركز النائب الجميل خلال نقده للخطة الحكومية على مجموعة من البنود التقنية، أبرزها مسألة تكريس الفرز من المصدر، والاسترداد بدل الطمر، ما يعني امكانية استرداد ٧٠ بالمئة من النفايات بدل طمرها، لا بل خرج باستنتاجات مفرطة في التفاؤل.
ان تكريس مبدأ الفرز من المصدر هو حاجة وطنية وضرورة تقنية لضمان استرداد اكبر نسبة من النفايات بدل طمرها. منذ اندلاع ازمة النفايات في تموز (يوليو) ٢٠١٥، عمم عدد من البلديات على السكان تعليمات حول ضرورة البدء بأعمال الفرز من المصدر، وكانت هناك محاولات عدة لتثبيت اعمال الفرز من المصدر وتصويبه وترشيده في نطاق البلديات التي اتخذت مبادرات طوعية واحياناً ارتجالية في هذا الشأن، لكن النقاشات التقنية افضت إلى ان اقصى درجات الانتظام بأعمال الفرز من المصدر، لن تؤدي في المرحلة الحالية إلى تحقيق نسبة فرز من المصدر اعلى من ١٠ بالمئة، وبناء عليه، فإن ارتكاز اي مقترح بديل على معادلة تقول ان اعمال الفرز من المصدر ستحقق نسب تتجاوز ٧٠ بالمئة في المرحلة الحالية، يفوق توقعات جميع الخبراء المحليّين والدوليين، وابرزهم الاستشاري الالماني “فتشنر” الذي تحفظ اثناء دراسته للعروض المقدمة خلال المناقصات التي الغيت عام ٢٠١٥، على قدرة المتعهدين على الوصول إلى نسبة استرداد تصل إلى ٧٥ بالمئة خلال السنوات المقبلة، والتي تضاهي ما جرى التوصل اليه في اقتصادات صناعية متقدمة، بالاستناد إلى التقرير الصادر عن “الوكالة البيئية الأوروبية” عام ٢٠١٣.
ان احتساب كمية المواد القابلة لإعادة التدوير التي يمكن استردادها يبدأ مع الشركات التي تجمع النفايات من مصدرها (مدارس، مكاتب، شركات، مصانع، منازل)، اضافة إلى الدور الذي يؤديه جامعو النفايات من خلال جمع وانتشال المواد القابلة لاعادة التدوير من الحاويات. وتقدر النسبة الاجمالية للمواد القابلة لاعادة التدوير التي ينتشلها هؤلاء قبل وصول الشركات المكلفة اعمال الجمع بحوالي ٥ بالمئة في المرحلة الحالية، واذا اضفنا هذه النسبة إلى النسبة المتأتية عن اعمال الفرز المركزي (الكرنتينا والعمروسية)، يمكن الوصول إلى ما نسبته ٢٠ بالمئة من استرداد المواد القابلة لاعادة التدوير في المرحلة الانتقالية.
ماذا عن تسبيخ المواد العضوية؟ ان نجاح اعمال التسبيخ يحتم اقتصار المواد الأولية على نفايات عضوية خضراء مفرزة من المصدر، وذلك للحصول على درجة سباخ (أ) صالحة للاستخدام الزراعي، وهو ما جرت التوصية بشأنه في الخطة التي اقرتها الحكومة في ايلول (سبتمبر) ٢٠١٥. لكن إلى اين ستذهب هذه المواد؟ الجواب لدى “مجلس الانماء والاعمار” الذي يحيل دائماً إلى معمل الكورال، وهو مركز التسبيخ الوحيد الذي تتم فيه أعمال التسبيخ حالياً لحوالي ٣٠٠ طن من المواد العضوية المفرزة ثانوياً والتي تحتوي العديد من الشوائب، ورغم ان التقييم الحالي لواقع المعمل حتم التوصية بضرورة توسيعه وتضمينه تقنيات جديدة للمعالجة، فإن المناقصة التي اطلقها “مجلس الانماء والاعمار” وتقدمت اليها ثلاث شركات، تضمنت توسيع المعمل لاستقبال ٥٠٠ طن فقط! علماً ان الجهات السياسية التي تعترض على عدم معالجة النفايات قبل طمرها في برج حمود، تعارض أي توسيع لمعمل المعالجة في الكورال. ورغم الحاجة الملحة إلى انشاء معامل جديدة للمعالجة، لا تزال هذه القضية خارج التداول باستثناء معطيات تفيد عن محاولة لإمرار معمل للمعالجة في ساحل الشوف، لكن هذه المبادرة دونها موافقة بلديات اقليم الخروب وتوفر الظروف السياسية الملائمة، واطلاق مناقصة مخصصة لهذا المعمل الذي يحتاج لبدء تشغيله سنة على الاقل، اذا احتسبنا المهلة التي تشمل البناء والتجهيز والتشغيل.
وفي مطلق الاحوال يتجاهل منتقدو خطة المطامر البحرية، وتجدر الاشارة إلى ان السبب الرئيسي لغياب المعالجة يبدأ بإنتاج سباخ سيء النوعية في الكورال، ينتج من اختلاط المواد العضوية الخضراء مع مواد اخرى تحتاج إلى انواع اخرى من المعالجة (تحويلها إلى وقود بديل)، وهو ما يحتم بناء مصانع جديدة يفترض ان يجري استثمارها من قبل البلديات، ومن ضمن المنطقة الخدماتية التي يفترض ان يتم الاتفاق عليها، لكن المعترضين على المطامر لا يركزون في حملاتهم على ضرورة الزام الحكومة بإقرار انشاء معامل اضافية للمعالجة، بل يكتفون بالاعتراض على الطمر الذي سيبقى امراً واقعاً طالما لا يوجد معامل للمعالجة.
وفي المحصّلة، فإن القول أن اعمال الفرز الأولي من المصدر والثانوي في معامل الفرز القائمة، ومن ثم اعمال التسبيخ، ضمن الواقع الحالي لمعمل الكورال، يمكن ان تؤدي إلى التخلص النهائي لنسبة ٨٥ بالمائة من النفايات خارج المطامر، هو كلام لا يمكن انفاذه ضمن الواقع الحالي للمناقصات التي تم اطلاقها، لأن نسبة الاسترداد لن تتجاوز في مطلق الاحوال ١٥ بالمئة، وبقدر التعجيل في اتخاذ قرارات ببناء معامل معالجة جديدة (تخمير لاهوائي، تحويل إلى وقود بديل، و/أو تقنيات اخرى)، ومراكز تسبيخ للنفايات العضوية الخضراء، بقدر انتفاء الحاجة إلى طمر كميات كبيرة، علماً ان مطمري برج حمود والكوستابرافا لن تتجاوز طاقتهما الاستيعابية ثلاثة ملايين طن من النفايات، استنفذ منها قرابة ٤٥٠ الف طن مكدسة في ما يعرف بمواقف التخزين المؤقت، التي استنفذت بدورها الطاقة الاستيعابية، الامر الذ يفاقم الوضع الكارثي لإدارة النفايات، طالما لم يتم نقل النفايات المخزنة إلى الخلايا الصحية المفترض انشاؤها في برج حمود والكوستابرافا.