تعاني قرى غربي بعلبك، منذ أسابيع، أزمة مياه. عدا عن الشحّ وجفاف عدد كبير من الينابيع، جاءت «التعديات» على مصادر المياه المتبقية لتزيد الطين بلّة. أزمة لا يجد الأهالي حلاً لها سوى الاعتصام لمطالبة المعنيين بضبط المخالفات
تحولت طرقات قرى غربي بعلبك إلى حلبة لصهاريح بيع المياه. يذهب صهريج ليأتي آخر. هكذا، يمضي الأهالي جزءاً من نهاراتهم بانتظار العربات التي ستحمل المياه إلى البيوت التي غزاها الشحّ.
هذا الانتظار الذي يكلّف مالاً، حيث يصل سعر «نقلة» المياه الى 25 ألف ليرة في البلدات القريبة من مصدر تعبئة المياه، وما يزيد على 40 ألفاً في القرى والبلدات البعيدة… وإن كانت تعبئة الصهريج لا تكلّف أكثر من ثمانية آلاف ليرة لبنانية أو عشره آلاف ليرة، في الحدّ الأقصى.
أما لماذا يحصل كل هذا؟ الجواب لا يتعلق بالأسباب القديمة، من الشحّ إلى تدني منسوب المياه في الآبار إلى جفاف الينابيع، اذ ثمة سبب جديد يضاف إلى كل هذا، وهو يتعلق بتعديات عدد من المزارعين على مياه بلدة اليمونة. وهذه عادة درجت منذ سنوات، حيث يعمد مزارعون الى أخذ المياه لري مئات الدونمات في المنطقة الممتدة من أطراف سهل دير الأحمر وبتدعي وشليفا وبوداي والحفير والعلاق. هكذا، تجري الأمور، فالمزارع الذي ملّ مطالبة الدولة بدعم الزراعة وتأمين مستلزماتها، ولا سيما الري، يضطر الى تسديد مبلغ يتراوح ما بين 200 و300 دولار أميركي لعدد من «الزعران»، كي يوفّروا له فرصة ري أرضه جرّ وبلا وجع راس البخاخات والمولد والمازوت، بحسب رواية أحد أبناء بلدة بوداي، التي يعيش معظم سكانها أزمة مياه شفة. يسأل الرجل: «ليش عندما يقرر الجيش قمع التعديات بتوصل الماي ع شمسطار؟»، في تأكيد على أن سبب المشكلة هو التعديات.
إذاً، مياه اليمونة تباع «بالليلة والساعة وبأسعار متفاوتة، ومن قبل عدد من الأشخاص الذين تعرفهم الأجهزة الأمنية جيداً»، يؤكد رئيس بلدية شمسطار، سهيل الحاج حسن. ويلفت إلى أن مئات العائلات في قرى غربي بعلبك «تحرم من مياه الشفة، في الوقت الذي تتقاذف فيه الأجهزة الأمنية المسؤولية والصلاحيات حول دورها في قمع وضبط المخالفات على أقنية وقساطل مياه القرى». ولكن ماذا عن الحلول؟ لا يخفي الحاج حسن أن «لا حلول إذا لم تكن الدولة ممثلة بمؤسسة مياه البقاع وأجهزتها الأمنية حاضرة لمعالجة الأزمة، فالبلديات مؤسسات عامة لا علاقة لها بخدمات المياه والكهرباء، إلا أن تقاعس الإدارات دفعنا لنكون وجهاً لوجه مع أبناء القرى، وأن علينا تحمل المسؤولية». ويشير إلى أن «تدخّل قائد الجيش العماد جان قهوجي شخصياً، بعد زيارته الصيف الفائت، واعتباره مياه قرى غربي بعلبك من اليمونة خطاً أحمر، منع التعديات واستفاد أبناء القرى من المياه بشكل طبيعي لمدة شهر، لتعود التعديات بعدها نتيجة التراخي الأمني، فيما مؤسسة مياه البقاع تقف مكتوفة الأيدي، كما لو أن الأمر لا يعنيها».
من جهته، نفى مسؤول في مؤسسة مياه البقاع أن تكون التعديات هي السبب في انقطاع مياه اليمونة منذ أكثر من شهر، معتبراً أن شحّ المياه وتدني منسوب مياه اليمونة من 100 إنش، إلى 20 إنشاً، هو السبب الوحيد لعدم وصول المياه إلى قرى في غربي بعلبك. وبناء عليه، أين تذهب تلك «الإنشات» من مياه اليمونة بعد دخولها النفق عند مدخل البلدة؟ سؤال لم يجد مسؤول المؤسسة جواباً واضحاً عنه، حيث اكتفى بإعادة الأمور إلى شح المياه وأن قرى دار الواسعة وبوداي وفلاوى تتوفر فيها المياه. يجمع أبناء قرى غربي بعلبك على ضرورة تحرك الأجهزة الأمنية سريعاً لضبط التعديات وقمعها، فقد «طفح الكيل من الأعباء المالية المتراكمة، ومن ضمنها فاتورتا مياه شهرياً لا تقلّان عن 300 ألف ليرة»، يقولون.
ولكن، يبدو أن التعديات على المياه لا تقتصر على قرى غربي بعلبك. ففي الهرمل تعديات أيضاً على مياه نبع رأس المال، كما يؤكد صبحي صقر رئيس بلدية الهرمل، الذي أشار إلى أنه أحال كتاباً خطياً إلى وزارة الطاقة والمياه يطالب فيه بـ«قمع التعديات على نبع رأس المال، وتأمين نقطة حراسة دائمة على النبع، وتجهيزها بما يلزم».
في مدينة الشمس أيضاً، ثمة حديث عن تعديات. ولهذا السبب، نفّد عدد من أهالي المدينة اعتصاماً، صباح أمس، في منطقة رأس العين، احتجاجاً على «سلب» مياه نبع البياضة.