دخلت القضايا البيئية الحالية عصرا جديدا من المناقشات، تندرج ضمن الحاجة إلى الموازنة بين المكاسب ومخاطر مكافحة التلوث والآثار المترتبة على انتشار التلوث، فقد أدى الاهتمام المتزايد في نهاية القرن الماضي بالبيئة إلى الاحتجاج على كثير من المنتجات والممارسات، لكن بعض المنتجات والعمليات ما زالت موضع نزاع بالرغم من انها تقدم الكثير من الفوائد للمجتمعات.
كثيرة هي المنتجات المعروفة الناتجة عن الزراعة العضوية Organic Agriculture، وكثيرة هي المنتجات الحيوية المحورة وراثياً بهدف مقاومة إصابة أو فيروس معين، يقوم من خلالها المزارع باعتماد تقنيات طبيعية لوصول المنتج إلى المستهلك دون أي معاملة كيميائية (استخدام الأسمدة أو المبيدات الكيميائية)، لكنه يصطدم بواقع جديد عند نقل المنتج إلى البرادات أو مواقع التخزين بشكل عام، حيث تبدأ الاصابات الفطرية والبكتيرية وغيرها بالهجوم على المنتج، مما يضطره للمكافحة في المخازن بالمبيدات الفطرية، بحيث لم يعد منتجه يحمل صفة عضوي أو حيوي مصدق بيئياًEco-Certified . ويصبح مرفوضاً، إن كان للاستهلاك الداخلي أو للتصدير.
أدى الاستخدام المفرط للمبيدات الكيميائية لمكافحة أمراض النبات إلى أضرار كبيرة في الصحة العامة والبيئة، وللحصول على منتجات خالية من الأثر المتبقي للمواد الكيميائية وبيئة سليمة، وللحفاظ على التوازن البيئي درس الباحثون البدائل لهذه المبيدات الكيميائية (المكافحة الحيوية، المكافحة المتكاملة وغيرها). وكرد فعل للمشكلة الناجمة عن الاستخدام المكثف وغير الواعي للمبيدات بمختلف أنواعها كإحدى عوامل التلوث سواء الحشرية أو الفطرية، ظهر في الفترة الاخيرة اتجاه جديد نحو استخدام بدائل آمنة للبيئة بشكل عام، وهي المكافحة باستخدام المركبات العضوية الطبيعية المستخلصة من النباتات وتأثيرها في مكافحة الآفات المختلفة، حيث وجد أن المستخلصات والزيوت النباتية تمتاز بفعالية عالية ضد هذه الآفات، وإنها مركبات غير سامة للنبات وسهلة التحطم في البيئة، ويعزى ذلك إلى أن معظم المصادر النباتية تحتوي على مادة أو أكثر في تركيبها الكيميائي، لها القدرة على تثبيط وتطور نمو الكثير من الكائنات الحية المسببة للأمراض النباتية، وخصوصا الفطريات والبكتيريا والحشرات.
الانتخاب الوراثي الطويل
تعزى مقاومة النباتات للفطريات عموماً إلى عوامل وراثية، أو قد ترجع مقاومتها إلى وجود مواد في النباتات تمنع نمو الفطريات، أما السلالات المقاومة فإنها عموماً قد انتخبت بواسطة الانسان من خلال عمليات الانتخاب الوراثي الطويل، بهدف انتاج ثمار أفضل في حالة المحاصيل، أو الحصول على أخشاب جيدة من الاشجار الحراجية، لكن وجد بعد ذلك أن هذه السلالات قد فقدت عواملها الدفاعية جزئياً أو كلياً.
إن الاشجار الحراجية في مناطقنا تحتوي على مواد كينونية Quinines أو فينولية طبيعية لا تقاوم مهاجمة الحشرات فحسب، بل تقاوم نمو الفطريات أيضاً، فالكينونات تحمي الاخشاب من نمو الفطريات، وكذلك الزيوت الطيارة الغنية بالتربينات، وكذلك الفينولات تمنع نمو الفطريات على العديد من الأنواع النباتية، وهناك أيضاً مكونات خاصة مثل الكابيلين Capilin الموجود في نبات الشيح Artemisia (وهو مركب عطري مشتق من الــ Dialkyn يتميز بالإبادة القوية للفطريات.
هناك طرق بيولوجية وكيميائية عدة لاستخلاص هذه المركبات من بعض الاجزاء النباتية، واستخدامها تحت الظروف المعملية أو داخل الصوبات الزجاجية أو في الحقل، وتتم العملية باستخلاص مساحيق من مكونات النبات (أوراق، ثمار، قشرة وأزهار النباتات)، وعمل مستخلصات نباتية، ومعرفة مكونات المستخلص النباتي بواسطة جهاز الكروماتوغرافيا، ومعرفة النشاط الحيوي لمستخلصات النباتات موضوع الدراسة، ومقدرتها على تثبيط نمو الكائنات الحية الدقيقة، وخصوصا الفطريات المسببة للأمراض النباتية في المحاصيل الزراعية الاقتصادية، وكذلك اختبار فعالية المستخلصات النباتية ذات النشاط البيولوجي العالي في مقاومة الامراض النباتية بديلاً عن المبيدات الكيميائية.
إن أهم نتائج هذه العملية هي تقليل التلوث البيئي نتيجة استخدام المستخلصات النباتية الطبيعية بدلاً من المبيدات الكيميائية، والمساهمة في تقليل تكاليف استخدام المبيدات الكيميائية والحد من استيرادها من الخارج.
وبالنهاية نصل إلى منتج طبيعي نظيف صحي للإنسان والبيئة، إضافة إلى عائد اقتصادي للمنتج قابل للتداول داخليا والتصدير إلى الخارج.