لا يمكن الاطلاع على التقدم المحرز في تنفيذ مشاريع الصرف الصحي التي اوكلت الحكومة اللبنانية الى مجلس الانماء والاعمار تنفيذها من خلال التقرير الأخير حول تقدم العمل، الذي أصدره المجلس في تشرين الأوّل 2015 عن أعماله خلال العام 2014. فما هو مكتوب على الورق مختلف عن الوقائع المرصودة على الارض. العديد من المشاريع التي يفترض انها انجزت تواجه عقبات حالت دون استكمالها، او حالت دون تشغيلها، وفي الكثير من الاحيان يتوقف مشروع انفق عليه عشرات الملايين من الدولارات، بسبب عدم القدرة على تركيب محطة ضخ او استكمال شبكة رئيسية.
وازاء هذا الواقع يمكن القول ان غالبية المناطق اللبنانية سواء الساحلية او الداخلية لا تزال ترمي مخلفات الصرف الصحي في الأودية والانهر لتصل الى البحر، او الى باطن الارض لتلوث المياه الجوفية وتقضي على ما تبقى من ينابيع عذبة، كان حتى الامس القريب مصدراً هاماً لمياه الشفة خصوصاً في القرى.
انفقت الحكومة اللبنانية، ٥٧٠ مليون دولار اميركي، من خلال قروض وهبات وتمويل محلي على العقود التي نفذها مجلس الانماء والاعمار في قطاع الصرف الصحي منذ العام ١٩٩٢، وذلك دون احتساب كلفة الاستملاكات، مع الاشارة الى ان عدد من العقود المشمولة بهذا المبلغ لم تقفل مالياً بعد، بسبب تعطل اعمال التنفيذ لاسباب مختلفة. علماً ان مجلس الانماء والاعمار انفق على قطاع الصرف الصحي حوالي 21.66 مليون دولار في العام ٢٠١٤ ، علماً ان مجموع قيمة العقود منذ العام ١٩٩٢ ولغاية ٢٠١٤ تبلغ ٨٣٧ مليون دولار اميركي، بينها ٤٦٩ مليون دولار اميركي تمويل خارجي.
رغم هذا الانفاق الكبير، الى حد ما على هذا القطاع، يقتصر مستوى منشآت الصرف الصحي الموجودة على شبكات متفاوتة بين منطقة وأخرى. المدن الرئيسية مزودة بشبكات غير مكتملة لمياه الصرف الصحي، لكنها تفتقر إلى محطات لمعالجتها. اما معظم التجمعات السكانية الصغيرة، فهي غير مزودة بشبكات ومحطات.
في المقابل تزداد مشكلة تلوث المياه يوما بعد يوم، من المصبات البحرية العشوائية التي تلوث البحر والشاطئ، الى الجور الصحية العشوائية والمجاري السطحية والسواقي التي تلوث طبقات المياه الجوفية، ما يشكل تهديداً للبيئة الصحية للمواطنين.
يحيل مجلس الانماء والاعمار هذا الفشل الى عدم كفاية الإنفاق في القطاع، وعدم وجود هيكلية ادارية وتنفيذية مناسبة في القطاع لمواكبة زيادة الحاجة الماسة لخدمة الصرف الصحي، وتطبيق اساليب جديدة في الادارة وفي مجال التقنيات الحديثة للتخلص من المياه المبتذلة.
يؤكد الدكتور يوسف كرم ، الذي يتولى رئاسة دائرة مشاريع الري والمياه والمجاري والبنى التحتية في مجلس الانماء والاعمار، في مقابلة مع greenarea.info ان الاولوية في قطاع الصرف الصحي ، هي لتنفيذ أعمال التأهيل الطارئة للتجهيزات القائمة، من شبكات ومحطات ضخ وتكرير (خصوصاً محطة الغدير جنوب بيروت)، واستكمال المشاريع المتوقفة قسرا (خصوصاً في البترون وشكا وكسروان) وتوسعة وتأهيل الشبكات وفقا للاحتياجات، وذلك من خلال استكمال تنفيذ برنامجي حماية الشواطئ اللبنانية، ومصادر المياه من التلوث.
يلفت كرم الى انه في السابق كان هناك تضارب صلاحيات لجهة تنفيذ مشاريع الصرف الصحي، حيث كان يوكل الى المجلس تنفيذ محطات الضخ والتكرير في حين اوكل الى عدة ادارات والى البلديات تنفيذ شبكات الصرف الرئيسية والفرعية، ليتبين لاحقاً ان هذا الامر انتج العديد من المشاكل، ففي بعض المناطق الشبكات غير موجودة في حين يوجد محطات، والعكس في مناطق أخرى، اما حالياً فان التوجه بان يقوم مجلس الانماء والاعمار بتنفيذ كامل البنية التحتية للمشروع في المنطقة المعينة من الشبكات الى المحطات الضخ وصولاً الى التكرير والمعالجة، علماً ان العقبة الابرز التي لا تزال دون حل تتعلق باعمال الصيانة والتشغيل. وتكفل بعض العقود الحالية للانشاء، اعمال التشغيل والصيانة لفترة عام او عامين لكن ماذا عن السنوات اللاحقة؟ الاجابة على هذا السؤال بحسب كرم يجب ان يحيلنا الى مسألة الكلفة ومن يدفعها، علماً ان مصالح المياه في بعض المناطق بدات بجباية مبلغ رمزي (٢٠ الف ليرة سنوياً) لزوم خدمات الصرف الصحي، لكن الكلفة الحقيقة لاسرة مؤلفة من اربعة او خمسة افراد لا تقل عن ٢٠٠ دولار اميركي سنوياً، ولم تقدم اي من الحكومات المتعاقبة تصوراً واضحاً لجهة الضريبة التي يفترض ان تجبى لصالح خدمات الصرف الصحي، والمفترض ان تكون مشمولة ضمن فاتورة مياه الشرب الاساسية. كما تفتقد الادارات المعنية الى رؤية استراتيجية للتخفيف من استهلاك المياه ربطاً بكلفة الصرف الصحي وانعكاس هذا الامر ايجابياً على سلوك المواطنين تجاه استخدام المياه.
يعول كرم بشكل كبير على مشروع تجميع ومعالجة المياه المبتذلة في حوض نهر بيروت في منطقة بيروت الكبرى، والذي يفترض ان يبصر النور بالتزامن مع تأمين الارض اللازمة بالقرب من المطمر الصحي للنفايات الذي تم تلزيمه في منطقة برج حمود. لكن كرم لا يخفي ان هذا المشروع المدرج اساساً ضمن مشروع الينور، يفترض ان تخصّص له محطة تكرير ثانويّة للمياه المبتذلة قبل التخلص منها في البحر، في حين ان التمويل المؤمن حالياً هو لانشاء محطة تكرير اولي بكلفة ٢٠ مليون دولار اميركي، اما محطة التكرير الثانوية فكلفتها تتراوح بين ١٥٠- ٢٠٠ مليون دولار، وتشترط القوى السياسية في المنطقة ان تكوت محطة التكرير الثانوية وليست اولية.
مشكلة أخرى كبيرة تواجه مشاريع الصرف الصحي حالياً في غالبية المناطق اللبنانية، مرتبطة برفض السكان المحللين لها ، انطلاقاً من ظاهرة NIMBY والتي معناها “ليس في ساحة بيتي الخلفية”، وهي ظاهرة متفاقمة في مختلف الدول، لكنها تفاقمت بشكل كبير في لبنان تجاه اي مشروع يتعلق بالنفايات سواء السائلة او الصلبة، وهذا ما نشهده في غالبية المناطق، اذ ان المشاريع التي لم تبصر النور رغم توفر الاعتمادات وتوقيع العقود، هي مشاريع تواجه برفض محلي مدعوم سياسياً وفي غالب الاحيان بخلفيات طائفية ومذهبية ومناطقية، وصولاً الى الخلافات بين القرى والعائلات والاحياء. كما تواجه المشاريع مشاكل تتعلق بنفقات الاستملاك والدعاوى والطعون المتعلقة بقيمة التخمين والمرفوعة امام مجلس شورى الدولة (محطة غزير – قضاء كسروان على سبيل المثال).