مع تقاعس الدولة وعجزها عن ملاقاة مشكلة النفايات بحلول ناجعة وقابلة للحياة، منذ أكثر من سنة على انفجار أزمة طاولت بيروت وجبل لبنان، وبعد أن “أفرغت” حمولة هذا الملف لنحو عقدين من الزمن في مطمر الناعمة – عين درافيل، عادت النفايات لتتصدر الشوارع والساحات والمداخل في قرى وبلدات المتن، ساحلا وجبلا، وكسروان وبعض بلدات بعبدا في مشهد مستعاد من صيف 2015.
نحو 4000 طن من النفايات تتكدس في شوارع قضاءي المتن وكسروان، فيما يواصل حزب الكتائب اعتصامه لليوم الثامن عشر أمام مكب برج حمود، وانضم اليه بعض فئات المجتمع المدني ويرفضون المغادرة قبل إعلان الحكومة عن خطة بديلة.

النفايات إلى الشوارع

فقد عادت النفايات لتتصدر واجهة معاناة اللبنانيين اليومية، بعد أن ظنوا أنها أصبحت جزءا من الماضي، لكن الطرق عادت وامتلأت في المتن وكسروان بأكداس منها بما فيها المستشفيات والأماكن القريبة منها، وخصوصا في منطقة الدورة – برج حمود، وتناقل الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي صورة لمستشفى مار يوسف، وبجواره كميات كبيرة من النفايات، فيما يرى المواطنون أن “الدولة وضعتنا بسياساتها المرتجلة أمام خيارين لا ثالث لهما”، بحسب المواطن طوني رزق الذي قال: “إما الموت من المطمر المزمع إنشاؤه وإما الموت من النفايات وهي بدأت تتكدس وتعلو في الشوارع وعلى مقربة من مؤسساتنا ومنازلنا”.
ورأى الناشط البيئي رجا أبو رسلان أن “من يزُر الدكوانة والمنصورية وسن الفيل وبيت مري والمكلس وساحل المتن يرَ حجم العاناة وهي تكبر يوما بعد يوم، وأنى توجهنا نشاهد أكواما من النفايات”، وقال لـ greenarea.info: “ما هو قائم غير مقبول، ولا نبرىء الدولة، وفي المقابل جاءت خطوة حزب الكتائب الرافض لإقامة مطمر برج حمود في الوقت الخطأ”.
ورأى “اننا عدنا إلى مقولة أن هذه المنطقة ليست مزبلة، وسنعود إلى هذه اللازمة من عكار الى الجنوب الى الجبل”، واعتبر أبو رسلان أن “لا حل إلا بأن تتحمل كل منطقة جزءا من المشكلة”.

سمعان: حل لامركزي لموضوع النفايات

وقال عضو المكتب السياسي الكتائبي غابي سمعان لـ greenarea.info قال أن “الهدف ليس تكديس النفايات، بل أن نتوصل إلى حل مستدام، وخصوصا في موضوع النفايات وأن نتخلص من المتاجرة بهذا الملف، ونحن على يقين أن كل العمليات التي تمت في السنوات العشرين الماضية هي عبارة عن سمسرة، وبكلفة عالية جدا، ومردودها البيئي سيء للغاية، وبضرر كبير على البيئة، ونحن لا نعارض خطة الوزير شهيب أو أي وزير آخر، بل نحن نطالب بحل لا مركزي وجذري لموضوع الأزمة هذه، ومن هذا المنطلق ننادي بحل لامركزي لجمع وكنس ونقل وفرز النفايات، وقد نادينا منذ البداية وقلنا بمبدأ الفرز من المصدر لكي نحصل على ما يزيد عن 35 بالمئة كعائد من المصدر فورا، وان هذا الموضوع يحل من خلال بلديات كبيرة كما تخطط بلدية بيروت، أو ما يمكن لتجمع أو اتحاد بلديات أن تتولاه، وهناك أمثلة مثل زحلة وطرابلس وصيدا، وكلفتها ليست كما يرصدون بمئات الملايين، لأن المبالغ الضخمة تشملها السرقة وثمة أمور “ملغومة” ومضخمة”.
وأضاف: “من الأمثلة الناجحة بلدة بكفيا في المتن على سبيل المثال، فبالتعاون مع سبع قرى مجاورة، وبكلفة زهيدة جدا، وبعد معاناة لفترة قصيرة تم حل الموضوع بشكل شامل، فقد تمكنوا من إنشاء معمل متواضع صغير، وهو يعمل الآن، وقد التقينا بالفاعليات ووسائل الإعلام في حفل غذاء داخل المعمل، ولم يكن هناك رائحة”.
وقال سمعان: “ما سيحدث غدا في مجلس النواب، وينادي به الشيخ سامي الجميل، أن الحل موجود إن كنتم تريدون، ولسنا نعارض إلا لمصلحة البلد، فلنضع أيدينا بأيدي بعض ولنبتعد عن الكيدية السلبية، فنحن نريد أن نطبق تجارب ناجحة ونحافظ على أموال البلديات التي هي أموال الشعب، لماذا يجب أن يظل مسروقا وعرضة للتجاذبات والمحاصصة، وكل يطالب بحصة أكبر وأن نبقى بدوامة السرقة؟”، وتابع: “لنترك للبلديات واتحادات البلديات وسائل إيجاد الحلول وتطبيق التجارب الناجحة، وما اجتماع الغد في مجلس النواب إلا لتثبيت وجهة النظر هذه”.
وأضاف: “إننا كحزب كتائب نطالب بهذه الخطة، وهذه الإتحادات لديها القدرة على حل المشاكل البيئية ومنها النفايات، بنصف وأقل من نصف الكلفة التي تدفعها حاليا، فبعض البلديات لا يبقى لديها ما لا يزيد عن 10-20 بالمئة من عائدات الصندوق البلدي المستقل، والسبب أن كل العائدات تذهب هدرا وبرطيل (رشى) لجهات سياسية، أو قوى نافذة ولا يستفيد منها المواطن، بينما يمكننا بهذه الأموال القيام بالكثير من المشاريع التنموية الهامة ونغير الكثير من الأمور في مناطقنا”.

تحرير أموال الصندوق البلدي المستقل

وقال سمعان عند سؤاله من يدعم “الكتائب” سياسيا في هذا التوجه، قال: “كنا وحيدين في هذا المجال، وكان هناك من يراهن على أننا قد نيأس ونتراجع، ولكن بعد الكثير من الاتصالات مع بلديات واتحادات بلديات، تبين أن هناك الكثير من الجهات السياسية والبلدية والأهلية والبيئية يهمها التعاون معنا في هذا الموضوع، وكما أن نوابا كثيرين تضامنوا معنا إلا أنهم لا يستطيعون الإفصاح عن ذلك، وبالمقابل، أجد أننا أثبتنا أن مطالبتنا هي مطالبة غير سياسية أو بهدف مكاسب آنية أو بقصد نكايات، بل نطالب بأشياء من حقنا ويجب أن نحصل عليها كشعب لبناني بغض النظر أن حزبا أو جهة سياسية يطالبان بها”.
وأشار سمعان إلى أن “هدفنا في الوقت الحاضر، وعلى الرغم من المعاناة التي سيمر بها المواطنون، ستظهر في الوهلة الأولى أنها سلبية، إلا أن الكثير من الإتحادات والبلديات بدأت تفكر في المردود الذي سيحصلون عليه من ملف النفايات إن تخلصوا من السماسرة وسوكلين، والتي تتقاضى على الطن الواحد 117 دولارا، على أنها تفرز وتعالج، وتبين أن الفرز لا يتجاوز 7 بالمئة، والفرق مثلا أن بلدية زحلة يكلفها الجمع 13 دولارا، والفرز 17 دولارا، أي أن الطن يكلف 30 دولارا، (الفارق 87 دولارا) يعني حكما أن ثمة خطأً كبيرا يرتكب، أي أن هذه الإتحادات والبلديات يمكن أن توفر أكثر من النصف إن اتبعت هذا الإتجاه، وأن اللامركزية التي نطالب بها، محقة وستكون رابحة بالمحصلة، فتوجه العديد من البلديات للمتابعة وتبني هذه الخطة ونطالب بإطلاق يد البلديات في هذا الموضوع وتحرير أموال الصندوق البلدي المستقل”.

اجتماع طارىء لجمعية “بلدتي”

وفي هذا السياق، وأمام ازمة النفايات المتراكمة عقد “تجمع بلدتي – المتن” اجتماعا طارئا لتقييم الوضع الحالي لملف النفايات في القضاء بمشاركة النائب غسان مخيبر وفريق عمله من خبراء بيئيين في مكتب جمعية “بلدتي” في مزرعة يشوع – اليسار.
وبعد المداولات أصدر المجتمعون بيانا، تناول النقاط الآتية:
1- بموضوع تراكم النفايات في الشوارع ووقف الجمع من قبل سوكلين، يؤكد التجمع انه لا يزال بالإمكان تجميع النفايات لمدة ستة اشهر في الموقع المستحدث في الكرنتينا كما حصل اثناء الأزمة الأولى في بيروت في 2015، وانه لأمر مريب ان يتوقف الجمع من اليوم الثاني من أزمة المتن الحالية. نرى في هذا التصرف تعمية على المطالب المحقة في تحسين شروط وآلية المراقبة لخطة الوزير شهيب، يدفع ثمنها الشعب غاليا من قبل الدولة المفترض ان تتصرف كالأب الصالح، بدل ان تستعمل وسائل ضغط سياسية لمنافع مشكوك بالمنتفعين منها.
2- بموضوع خلو خطة الحكومة من بعد استراتيجي لا مركزي ومستدام، وبعد ان استمع التجمع الى شرح مفصل للنائب مخيبر عن خطة لإدارة ملف النفايات على مستوى القضاء، والمستمدة من سلسلة لقاءات وخطط مقترحة كخلية الأزمة التي اقترحت من التجمع، ولم تفعَّل، والتي تعالج جذريا مشكلة اتخاذ القرار وحسن تنفيذه والشفافية في المراقبة وآلية معالجة المشاكل الطارئة، تؤكد ان تقاعس الدولة في اطلاق لامركزية فعلية مقررة منذ سنة 2006 وخلوها من آلية واضحة وعملية من ناحية الإدارة والتمويل والمراقبة هو السبب الرئيسي وراء تعثر الخطة وعدم السير بها ودعمها.
ودعا البيان “البلديات واتحادي البلديات في المتن وكسروان لتحمل مسؤولياتهم في التطبيق الفعلي للامركزية الإدارية في ملف معالجة نفايات القضاءين عبر حضورهم الفاعل في الملف، وعملهم على انجاح اجتماع لجنة المال والموازنة المدعوين للمشاركة بأعمالها وهم الأولى بالمسؤولية، وطالب “باعتماد استراتيجية الخطة الشاملة اللامركزية المقترحة من قبل النائب غسان مخيبر، ودعمها كخريطة طريق والتزام كل الاطراف بها تحت سقف الاتفاقات الدولية ومصلحة القضاء اولا وإبعاد التجاذب السياسي والمصالح الضيقة عنها”.
ودعا التجمع “الأحزاب والقوى السياسية للتضامن ولو لمرة اقله حول ملف يطاول صحة وبيئة مجتمعات قضاءي المتن وكسروان. وتأمين الغطاء السياسي الشامل والموحد لإنجاح الخطة الشاملة اللامركزية المقترحة، والتي يمكن اعتمادها في ما بعد لباقي الأقضية اللبنانية كمثال يحتذى لتطبيق اللامركزية الإدارية.

الجميل: عملية ابتزاز

أمام هذا الواقع المأزوم، وتوجيه أصابع الإتهام من قبل وزراء من الحكومة، إلى حزب الكتائب حيال الأزمة الأخيرة، أعاد رئيس حزب الكتائب قبل ساعات توضيح موقف الحزب في مؤتمر صحافي عقده في مجلس النواب بأن “ما يحصل في ملف النفايات هو عملية ابتزاز لاخضاع حزب الكتائب، وأنه بناء لاقتراح حزب الكتائب سيحضر رؤساء اتحادات البلديات اجتماع لجنة المال والموازنة غدا لطرح اقتراحاتهم”، داعياً باقي الاحزاب وخصوصاً المعنية بالملف “للوقوف معنا للوصول الى بديل بأسرع وقت، ونحن اليوم نعترض على تنفيذ هذه الخطة لاننا مقتنعون انها سيئة، كي لا نصل الى مشروع على ساحل المتن بطول 3 كلم وبعلو 15 متر والى مكبين من دون فرز، نورثه الى اولادنا ويعيش الاهالي وابناؤنا بظله على مدى 10 سنوات”، وناشد “كل المعنيين الى بذل الجهد غدا لانجاح حل صحي وبيئي مقبول وحلول بعيدة الامد لكي لا يعاد طرح موضوع النفايات بعد 8 اشهر”.
وقال: “يخيروننا بين القبول بالصفقة الكبيرة وتحويل ساحل المتن الى مزبلة جبل لبنان وبيروت ورمي النفايات من دون معالجة في مطمر بعلو 15 متراً وعلى امتداد 3 كلم، وان نعيش بالروائح على مدى 4 سنوات، وبعد 4 سنوات من ردم نفايات من دون فرز سنعيش 5 او 6 سنوات جديدة بظل غازات سامة، المطلوب اما نقبل بهذا الواقع والضرر الذي سيلحق بنا وبسكان ساحل المتن الشمالي، وان يجنوا ملايين الدولارات على حساب صحة الناس وان تتشوه هذه المنطقة وهذا امر غير قابل للعودة عنه. إذن يخيروننا اما نقبل بكل هذه الامور او تعود النفايات على الطرقات”.
واردف: “لا يريدون التحاور او تقديم بدائل او مناقشة هذه الخطة او الحديث عن الفرز، وقد اقروا في لجنة المال والموازنة امس ان الفرز هو بنسبة 10بالمئة فقط، اما نسبة الـ 90 بالمئة المتبقية من النفايات فستذهب الى المكبّ، وهذا الاعتراف مسجّل، كما تبيّن ان ارتفاع النفايات سيكون فعلاً 15 متراً، واقروا انه لن يكون هناك فرز وان لا خطة بعيدة الامد اي بعد كل هذا الضرر ستعود النفايات الى الطرقات”.
ووصف الجميّل اجتماع اليوم (الأربعاء) بـ “المهم”، وأمل أن يتم وضع اسس توضح انه بعد 8 اشهر سيتم انشاء المعامل في المناطق وتحلّ هذه المشكلة على المدى الطويل، ومن خلال ذلك ستهتم كل منطقة بنفاياتها ولن تتكرر هذه الازمة في المستقبل. إلا انه اردف: “المشكلة انهم لا يريدون وضع حلول ويريدون تركنا بالمؤقت لابتزازنا كل 4 سنوات وجني الاموال من هذا الملف”.

شهيب يستقبل كنعان

 وفي سياق متصل، استقبل وزير الزراعة أكرم شهيب رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان لمتابعة البحث في ملف النفايات، وذلك على ضوء ما جرى في اجتماع لجنة المال والموازنة النيابية بالأمس، وايضا على ضوء الجولة التي قام بها النائب ابراهيم كنعان اليوم على كافة المعنيين بهذا الملف، وذلك للتوصل إلى حلول تراعي ما بين الحلول اللامركزية وبين الإستمرار في تنفيذ الخطة الحالية للنفايات، باعتمارها الحل الممكن في الوقت الراهن بانتظار أن تصبح البلديات جاهزة وقادرة للدخول في الحل اللامركزي.  

وبعد جوجلة الأفكار التي استقاها النائب كنعان خلال جولته هذا اليوم، خلص الإجتماع إلى التأكيد بانه لا أحد يريد أن تبقي النفايات في الشارع، وبناء على ذلك جرى التوصل إلى بلورة المزيد من الأفكار الإيجابية التي يمكن التعويل إليها للإنتهاء غدا من الأزمة الراهنة، وذلك على ضوء الإجتماع الذي سيعقد مع اتحادات البلديات المعنية.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This