فضت لجنة المناقصات في “مجلس الانماء والاعمار” العروض المالية لمناقصة معالجة النفايات في بيروت وعدد من اقضية محافظة جبل لبنان، التي طال انتظارها، وهي تشكل العمود الفقري لانتظام قطاع ادارة النفايات المنزلية الصلبة، حيث أعلن ان العارض الفائز هو ائتلاف شركة الجهاد للمقاولات اللبنانية (المملوكة من جهاد العرب) مع شركة Soriko البلغارية.
ويتضمن دفتر شروط هذه المناقصة الذي اعده الاستشاري رفيق خوري وشركاه، تشغيل وصيانة وتطوير منشآت الفرز والمعالجة القائمة حالياً (معملي الفرز في الكرنتينا والعمروسية ومعمل تسبيخ النفايات العضوية في الكورال).
وكان “مجلس الانماء والاعمار” قد اعلن عن هذه المناقصة في ٤ حزيران (يونيو) ٢٠١٦، وحدد المهلة القصوى لتقديم العروض في ٤ تموز (يوليو) ٢٠١٦، ولاحقاً جرى تمديد المهلة لغابة ٢٥ تموز (يوليو) ٢٠١٦، ثم ممدت المهلة لغاية ٨ آب (أغسطس) ٢٠١٦، ولقد تقدم الى هذه المناقصة التي يفترض ان تستمر لغاية اربع سنوات الشركات التالية: ائتلاف شركة حمود للتجارة للمقاولات اللبنانية (المملوكة من قاسم حمود) مع الشركة المصرية لإعادة تدوير النفايات ECARU، ائتلاف شركة باتكو اللبنانية (المملوكة من أنطوان أزعور) مع شركة Daneco Impianti الإيطالية وائتلاف شركة الجهاد للمقاولات اللبنانية (المملوكة من جهاد العرب) مع شركة Soriko البلغارية.
وتبين ان درس العروض التقنية والادارية للعارضين الثلاثة، قد ادى الى استبعاد ائتلاف شركة حمود للتجارة للمقاولات اللبنانية مع الشركة المصرية لإعادة تدوير النفايات ECARU، وذلك لعدم مطابقتها الشروط الفنية المطلوبة في دفتر الشروط، الامر الذي ادى الى حصر المنافسة بين العارضين الاساسية (العرب وازعور).
التمديد الاولى والثاني لمهلة قبول الطلبات، جاء بناء على طلبات من الشركات التي اشترت دفتر الشروط والتي طلبت خطياً معلومات اضافية عن الخدمات المطلوب تنفيذها، واعتبرت ان دفتر الشروط لا ينص عليها بشكل واضح، كما جرت محاولات عدة من قبل وزير الداخلية والبلديات لإمرار قرار في مجلس الوزراء يستبعد بيروت من هذه المناقصة، بحجة ان بيروت سوف تطلق قريباً مناقصة مستقلة لجميع خدمات ادارة النفايات المنزلية الصلبة، الامر الذي رفضه رئيس الحكومة تمام سلام. وكان يفترض في ما لو تم استبعاد بيروت عن هذه المناقصة ان يتم الغاؤها حكماً، لأن ذلك كان يستدعي الاستغناء عن منشآت الفرز والمعالجة القائمة حالياً في النطاق العقاري لبيروت، والتي تضم معمل الفرز في الكرنتينا ومعمل تسبيخ النفايات العضوية في الكورال.
المفاجأة الاكبر في هذه المناقصة، تمثلت في ان دفتر الشروط الخاصة بها تضمن معالجة ٢٦٠٠ طنا يومياً من اجمالي النفايات الناتجة عن محافظة بيروت وجبل لبنان، ما عدا قضاء جبيل والتي تصل الى قرابة ٣٢٠٠ طنا.
ويؤكد مصدر في “مجلس الانماء والاعمار” انه ليس بالضرورة ان تكون النسبة الاجمالية التي ستدخل الى مركزي الفرز في الكرنتينا والعمروسية ٢٦٠٠ طنا فقط، لان قدرة هذين المركزين تستوعب أساساً كامل الكمية الناتجة عن المنطقة الخدماتية التي تضم بيروت وجبل لبنان ما عدا قضاء جبيل، لكن السبب الذي دفع المجلس الى اعتماد رقم ٢٦٠٠ طنا، هو ان العديد من البلديات قد خرجت عملياً من العقد المركزي واستقلت بإدارة نفاياتها، كما ان نفايات قضاءي الشوف وعاليه (ما عاد بعض المدن الساحلية) غير مشمولة بعقدي الطمر في الكوستابرافا وبرج حمود – الجديدة، لذلك فهي غير محتسبة ضمن مناقصة المعالجة ايضاً، ويفترض ان يتم اطلاق مناقصات اخرى لقضاءي الشوف وعاليه تشمل مركزا للفرز والمعالجة ومطمرا صحيا، بحسب ما نص قرار مجلس الوزراء الذي لم يبلغ “مجلس الانماء والاعمار” حتى اللحظة بموقع هذه المراكز، لكي يتم اطلاق المناقصات على اساسها. يقود هذا الاجراء الى استنتاج اولي، وهو ان الكلفة الاجمالية للمناقصة التي يفترض ان تترجم بعقد موقع مع الشركة الفائزة ليست الا كلفة تقديرية اولية على اساس ٢٦٠٠ طن يومياً، اما الكلفة الحقيقة فيجب ان تحتسب على اساس السعر الافرادي للخدمات، مقدرة على اساس الكمية الاجمالية المسجلة على قبان الوزن عند مدخل مركزي العمروسية والكرنتينا للفرز، اضافة الى الكمية الاجمالية للتسبيخ التي يفترض ان تبدأ بثلاثمئة بحسب القدرة الحالية لمعمل الكروال، وترتفع تدريجاً بعد تطويره وتجهيزه ليستقبل يومياً ٧٥٠ طنا من النفايات العضوية، علماً ان الكمية التقديرية المتوسطة لكمية النفايات التي ستعالج في معمل الكورال على امتداد اربع سنوات ستصل الى حوالي ٢٧٥ الف طن سنوياً، سيذهب منها مجدداً قرابة ٣٥ بالمئة الى الطمر باعتبارها “مرفوضات” غير قابلة للاستخدام الزراعي.
ويتبين من نتائج العروض المالية التي تم فتحت امس ان الشركتين المؤهلتين قد تقدمتا بالاسعار المبينة بحسب هذا الجدول:

Screen Shot 2016-09-03 at 12.19.55 PM

 

لا يمكن تحليل الاسعار الواردة اعلاه بالاستناد الى السعر الاجمالي للعقد على امتداد اربع سنوات، اولاً، لان هذا السعر مقدر على اساس ٢٦٠٠ طن يومياً، وهذا الرقم يتسند الى الكمية المقدرة وليس الكمية الفعلية التي سترد الى مركزي الكرنتينا والعمروسية. لذلك فإن المقارنة الاصح هي تلك المستندة الى السعر الافرادي للمعالجة على اساس الطن. ويتبين ان شركة “باتكو” قد سعرت كلفة فرز طن النفايات بـ 16.92 دولارا، في حين ان شركة “الجهاد” قد سعرت هذه الكلفة بـ 15.05 دولارا، وبذلك يكون فرق السعر بين العرضين 1.87 دولار للطن الواحد وهو فارق ضئيل نسبياً، لكن الفارق الاكبر هو في السعر الافرادي لمعالجة طن النفايات عن طريق التسبيخ في معمل الكروال، حيث بلغ سعر شركة “باتكو” 15.06 دولارات، في حين بلغ سعر “شركة الجهاد” 9.05، اي بفارق 6.01 دولار اميركي للطن. ويطرح هذا الفارق علامات استفهام كبيرة حول طريقة المعالجة التي ستعتمدها “شركة الجهاد”، والفترة الزمنية المقدرة للتسبيخ والفيلتر الذي سيُعتمد لازالة الرائحة ونوعية السباخ المنتج ومدى جودته، وخلوه من المواد الصلبة والمعادن الثقيلة الناتجة عن اختلاط النفايات العضوية بنفايات سائلة ملوثة وسامة، مثل الزيوت الصناعية والمواد الكيميائية الناتجة عن النفايات المنزلية (بقايا الادوية ومواد التنظيف والبطاريات والدهان ومواد التجميل) وغيرها من المواد البالغة كميتها الاجمالية حوالي اربع بالمئة من اجمالي الكمية الناتجة عن كل منزل. وبالتالي يفترض ان يوضح “مجلس الانماء والاعمار” والاستشاري الذي اعد دفتر الشروط والاستشاري المفترض ان يفوز بعقد المراقبة، ما اذا كانت كلفة ٩ دولارات اميركية كفيلة بإنتاج مواد مسبخة ناتجة عن النفايات العضوية وقابلة للاستخدام الزراعي، أو ان ما سينتج سيعاد طمره ايضاً باعتباره من المرفوضات!
والى حين ان تتضح الصورة النهائية لهذا العقد وموعد توقيعه، وتوقيت بدء العمل به، يمكن الاستنتاج أن شركة الجهاد للمقاولات حرصت على اعتماد سياسة “حرق الاسعار” بطريقة غير مسبوقة بهدف الامساك بالقطاع، على ان تعمد لاحقاً الى التفاوض على العقود والخدمات والمطالبة تعديل اسعارها بالاستناد الى الخدمات المقدمة، سواء لجهة النوعية او الكمية. ومع اعلان فوز جهاد العرب بمناقصة المعالجة، تكون “شركة سوكومي” قد خرجت نهائياً من القطاع، بعد ان امتنعت عن التقدم الى مناقصات المطامر والمعالجة، وبعد ان امسكت بهذه الخدمات في بيروت وجبل لبنان منذ العام ١٩٩٨.
ان التبسيط السياسي يقود الى اعتبار فوز جهاد العرب بمناقصة معالجة النفايات مجرد تركيبة! لكن التحليل القائم على عروض الاسعار والمنافسين والتركة السياسية والخدماتية لهذا القطاع، يقود فعلا الى الاستنتاج كيف ربح جهاد العرب ولماذا؟ فالرجل، ومن يقف وراءه ومن تطوع للوقوف الى جانبه مؤخراً من داخل الحريرية السياسية وخارجها… أدهى بكثير مما يعتقد البعض.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This