على مدى عقود طوال ما تزال نفايات الإطارات موضوعة على قائمة البيئيين السوداء، فهي تتراكم في مكبات القمامة، وتغذي الحرائق السامة بشكل هائل، وتؤوي الآفات، وتحرق كوقود. في محاولة لتخليصنا من هذه الكارثة طور العلماء وسيلة جديدة لتحضير المطاط الصناعي، بحيث أنه بمجرد التخلص من هذه المواد، فإنها تتحلل بسهولة إلى لبناتها الكيميائية لتمكين استخدامها في صناعة إطارات جديدة وغيرها من المنتجات.
عرض الباحثون عملهم في معرض الاجتماع الوطني ٢٥٢ للجمعية الكيميائية الأميركية American Chemical Society (ACS)، وهي أكبر جمعية علمية في العالم. وألقيت في الاجتماع الذي انعقد خلال ثالث أسبوع من شهر آب (أغسطس) الحالي أكثر من 9000 محاضرة من مجموعة واسعة من المواضيع العلمية.
جمعية مصنعي المطاط
يقول الدكتور روبرت طوبا، أحد أهم الباحثين الرئيسيين في هذا المشروع “نريد أن نصنع ما هو خير للمجتمع والبيئة”، الفكرة الأساسية وراء هذا المشروع تتمثل في أخذ المنتجات الثانوية من مخلفات الصناعات البتروكيماوية، وتحويل بعضها إلى مواد كيميائية ذات قيمة مضافة قابلة للتكرير في الإطارات وغيرها من التطبيقات.
وفقا لـ “جمعية مصنعي المطاط” Rubber Manufacturers Association تم طرح ما يقارب ٢٧٠ مليون من اطارات السيارات في الولايات المتحدة في عام ٢٠١٣، أي أكثر من إطار واحد لكل إنسان بالغ في أميركا، الآلاف منها قد جمعت في مكبات القمامة، ولأن هذه الإطارات غير قابلة للتحلل، فإنها تبقى إلى أجل غير مسمى. أكثر من نصفها تسخر لتصبح وقودا مستمدا من الإطارات، فتمزق وتخلط مع الفحم وغيرها من المواد للمساعدة في تغذية أفران الإسمنت، ومصانع عجينة الورق وغيرها من المعامل. لكن خبراء البيئة قلقون من الانبعاثات الناجمة عن هذه الممارسات التي تضيف الكثير من الملوثات الضارة للهواء.
يتمثل أحد الحلول الممكن استخدامها لمعالجة مشكلة الإطارات المنتهية الصلاحية، في تصنيع إطارات جديدة من مواد قابلة للتحلل. منذ عام ٢٠١٢، قام فريق من الباحثين برئاسة الدكتور حسان س. بزي، من فرع جامعة تكساس الموجود في قطر بالعمل على هذا الخيار. بدأ الفريق عمله من جزيء أساسي يدعى البينتين الحلقي cyclopentene، تمثل حلقيات البينتين والبينتادين cyclopentadiene كمكونات رئيسية ذات قيمة منخفضة متوفرة في مخلفات تكرير البتروكيماويات، وعلى وجه الخصوص في عملية التكسير الحراري لجزيئات C5، والتي تنتج عدة هيدروكربونات مؤلفة من خمس ذرات كربون.
وبالتعاون مع زملائه في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، تم تجريب مواد محفزة لوصل جزيئات البينتين الحلقي بعضها بالآخر لبلمرتها في تحضير سلاسل بلمرات البينتين polypentenamers والتي تشبه المطاط الطبيعي.
في وقتنا الحالي، يستخدم منتجو المطاط الاصطناعي البوتادايين butadiene في عملية الإنتاج، ولكن تكلفة البوتادايين قد ارتفعت مؤخرا، ما فتح الباب أمام المنافسات. فرجع الدكتور روبرت طوبا إلى البينتين الحلقي كبديل محتمل. وأظهرت الحسابات النظرية أن بلمرة البينتين الحلقي ثم تفكيكها تحت ظروف تفاعل خفيفة نسبيا – وبالتالي تتطلب الحد الأدنى من الطاقة والنفقات – يجب أن يكون ممكنا.
“لقد قمنا بدراسات نظرية للتنبوء بجدوى تجميع ثم تكرير مواد إضافات الإطارات الناجمة عن بلمرات البينتين في حين استخدام اسلوب بلمرة تفاعل التبادل في فتح الحلقات المتوازن” كما توضح انتصار هليل من الجامعة ذاتها، وتضيف “ثم قمنا بدراسات تجريبية فوجدنا أن مفهومنا يعمل بشكل جيد للغاية.”
دراسات واعدة
باستخدام الروثينيوم، وهو معدن انتقالي يلعب دور عامل تحفيز، قام الباحثون ببلمرة البينتين الحلقي عند درجة حرارة صفر مئوية، وثم قاموا بتفكيك المواد الناتجة عند درجات ما بين ٤٠ و ٥٠ مئوية. فهي درجات حرارة منخفضة نسبياً ولا تتطلب الكثير من الطاقة. بالإضافة إلى ذلك، تمكن الفريق من استعادة ١٠٠ بالمئة من المواد الأولية الداخلة في تحضير العديد من إضافات الإطارات القائمة على بلمرات البينتين.
تجرى حالياً دراسات جديدة تعمد لخلط هذا المطاط الصناعي مع مواد إطارات أخرى كالمعادن والمواد المالئة (كالحشوات). ويسارع الباحثون لإجراء تجارب بأحجام صناعية لمعرفة ما إذا كانت صناعة هذه الإطارات عملية وممكنة واقعيا.
اضاف طوبا: “في حين كانت الدراسات الأساسية واعدة جدا، ونحن واثقون بذلك، فإن شريكنا المصّنع سيسعى باستمرارية هذا المشروع من خلال تقديم المواد إلى السوق.”
تجدر الاشارة إلى أن “الجمعية الكيميائية الأميركية” American Chemical Society، هي منظمة موثقة من الكونغرس الأميركي، لا تسعى للربح تضم بما يقارب 175000 عضوا، وهي أكبر جمعية علمية في العالم، ورائدة عالميا في توفير سبل الوصول إلى البحوث المتعلقة بالكيمياء، من خلال جداول بيانات متعددة ومجلات ذات مراجعة أقران ومؤتمرات علمية، ومكاتبها الرئيسية في واشنطن العاصمة، وكولومبوس، أوهايو.
