اكتملت فصول الصفقة، وها نحن الآن أمام فصل جديد من فصول هدر المال العام، بحجة تنظيف نهر الليطاني ومعالجة تلوث بحيرة القرعون على يد مافيات الفساد في هذا البلد، وإلا كيف نفسر إقدام الدولة عبر وزاراتها ومؤسساتها المعنية على معالجة نتائج التلوث، لا معالجة أسبابه؟
انطلقت الأعمال المفترض أنها ستضع حدا لكارثة التلوث، لكن ما نفع تنظيف البحيرة من السموم والترسبات طالما أن مجاري الصرف الصحي ومخلفات المصانع ستعود بالقاذورات والملوثات الى البحيرة والنهر؟
المسؤولون يستفيدون في بلد “التنفيعات” والسمسرة، أما المتضرر فيدفع الثمن من جيبه وصحته، فيما المكاسب مقسمة سلفا، والليطاني سيظل يئنّ تحت وقع السياسات المجتزأة، فضلا عن الكوارث التي تعتبر منصة لتمرير الصفقات المشبوهة.
لكن تبقى ثمة بارقة أمل، وتعتبر تجربة أهالي بلدة القرعون نموذجا جديرا بالاهتمام، وتؤكد أن تضامن الناس هو السبيل الأمثل لمواجهة الموت المقنع، فقد استطاعوا تجفيف القناة المارة داخل البلدة، وتخلصوا نهائيا من الملوثات والأمراض، فيما يروي المزارعون الذي كانوا يستفيدون من مياه البحيرة بمياه نظيفة للمرة الأولى منذ عشرات السنين، مستعيضين عن مياه الصرف الصحي بمياه الآبار الجوفية.
في هذا السياق، واكب موقعنا ما هو قائم الآن على مستوى النهر والبحيرة، في محاولة لرصد ما آلت إليه الأوضاع مؤخرا.
لجنة المتابعة في القرعون
بدايةً، تحدث الشيخ منير رقية باسم لجنة متابعة في البلدة لـ greenarea.info، فقال: “ما نزال نتابع تنظيف القناة بعد أن جفت مياهها، وأصبحنا في المرحلة الأخيرة، أما بالنسبة إلى مشروع الليطاني والبحيرة، وهو أساس البلاء، فإننا نعمل وإن بخطى بطيئة قليلا لمتابعة الضغط على الدولة لتقوم بمشروع جدي للتنظيف، وهناك توجه الآن كما تعلمون لتنظيف البحيرة، ولكن المبلغ المرصود هو نوع من دعاية وتنفيعة، لأن العمل الصحيح يبدأ بمعالجة أسباب التلوث وليس معالجة نتائجه، وهناك المعامل والكسارات، ويفرغون المياه من البحيرة في اتجاه الجنوب، والرائحة الآن تعم المنطقة، وتناهى إلينا أن الموظفين في مصلحة مياه الليطاني ما عاد في مقدورهم تحمل الرائحة، وسمعنا أن رئيس مصلحة الليطاني أشار إلى أن أنواع التلوث تؤثر على أجهزة الضخ وأجهزة توليد الطاقة، وكأنه يقول أننا أصبحنا في مرحلة خطرة، ولا نعرف إن كان هذا الأمر سيحرك همة الدولة من أجل المعالجة”.
ولفت إلى “اننا نتحمل كلفة أعمال التنظيف كأهالي ومجلس بلدي”، وعرض لزيارة المسؤولين، مشيرا إلى “انهم ضغطوا علينا في موضوع المزارعين بعد أن جففنا القناة وأوقفنا ضخ المياه إلى البساتين، والتي تمر من بيوتنا ومؤسساتنا”، وقال رقية: “الحكومة تجاوبت ونشكرها، عبر الهيئة العليا للاغاثة لجهة التعويض على المزارعين، بما مكنهم من تأمين بدائل عن مياه البحيرة، تمثلت في استجرارها من مياه الآبار، والآن ما عادوا يستخدمون المياه الملوثة في ري مزروعاتهم، وقدموا لهم مساعدات مالية معقولة بما يمكنهم من استغلال مواسمهم، وإعادة تأهيل الآبار، وهي موجودة أساسا لكن كلفة استغلال مياهها أكبر من كلفة استغلال مياه الليطاني”.
… والبلدية
رئيس بلدية القرعون يحيى ظاهر عرض لـ greenarea.info لورشة العمل القائمة لجهة تنظيف مجرى القناة، وتمنى أن “تنفذ المشاريع المقرة لبحيرة القرعون ومجرى نهر الليطاني والتي أنجزت دراساتها، وهذا الأمر الأهم بالنسبة إلينا، لأنه كفانا دراسات، ولا بد من البدء بالاعمال”.
وردا على سؤال حول عملية إفراغ مياه بحيرة القرعون، قال: “ان العمل بدأ الاثنين الماضي، ولكن لا يشمل البحيرة بكاملها، وما هو قائم يمثل إفراغ جزئي للمياه”، لافتا إلى انه “عمل روتيني تقوم به المصلحة المعنية كل سنة لتنظيف الترسبات في قعر البحيرة، ولكن منذ ثلاث سنوات لم تبادر الى هذه الخطوة، ولذلك كانت هناك هذه الترسبات”، أي أن الورشة ليست نتاج خطة العمل المقترحة على صعيد الليطاني والبحيرة.
قديح: النهر اليوم في أسوأ حالاته
وقال الخبير البيئي في مجال علوم الكيمياء والسموم والمستشار في موقع greenarea.info الدكتور ناجي قديح: “اقتنع المسؤولون جميعا أن مياه البحيرة ملوثة، ولا يمكن الاستمرار على ما هي عليه، فقرروا إفراغها، ومن جهة يوجهون كميات أكبر نحو بسري والأولي، ومن جهة ثانية فتحوا مخارج النهر، والمجرى الذي كان جافا حولوا إليه المياه بمعدل 2 متر مكعب في الثانية، بحسب علمي”، وأشار إلى أن “النهر اليوم في أسوأ حالاته، فمن جهة تأتي المياه الملوثة من البحيرة، ومن جهة ثانية مجاري الصرف الصحي التي كانت تصب في الجزء الجاف من المجرى الآن تحركت مع المياه، وعمليا يحتوي النهر الآن كل أشكال التلوث”.
وقال قديح: “لا أعرف إلى أي مدى هذا الإجراء (ذكي)، لاننا بدأنا إفراغ البحيرة قبل أن نوقف مصادر التلوث، ولا نعرف ان كانت ثمة بعض الأموال يريدون صرفها وإيهام الناس انهم يعملون ويفرغون البحيرة وينظفونها”.
بالنسبة إلى القناة في القرعون، قال: “كانت تأخذ المياه من البحيرة لري البساتين”، ولفت قديح أنه “عمليا، أي تدخل لمعالجة التلوث لم يبدأ بعد”، ورأى أن “هذه الكتلة الضخمة من المياه الملوثة في البحيرة يريدون تخفيفها، وهذا أمر يتطلب الكثير من الوقت، وتتطلب أشهرا عدة لإفراغها، إذ لا يمكن إفراغها دفعة واحدة، كي لا تتسبب بحدوث فيضان، ولذلك يجري الآن إفراغها بطريقة تدريجية وبطيئة”. وعن مصير المياه الملوثة، قال قديح: “تذهب إلى البحر”.