المشهد على شاطئ كفرعبيدا أمس كان نابضاً بالحياة، مئات المحبين لشاطئ كفرعبيدا الذي يعتبر من اكثر الاماكن العامة التي يرتادها الناس، تحولت إلى واحدة من المساحات العامّة، و”هايدبارك” للدفاع عن الأملاك البحرية العامة، التي تتعرض لانتهاكات صارخة على طول الشاطئ اللبناني. وتخلل التحرك نشاطات بحرية ورياضية نظمتها الجمعيات المشاركة في هذا النشاط البيئي، كما توقفت عدد من الزوارق في بحر كفرعبيدا المهدَّد.
ويعد شاطئ كفرعبيدا كنزاً جيولوجيا وايكولوجياً وتاريخياً وبيئياً وثقافياً. مساحة شاسعة مطلة على البحر يؤمها آلاف الزوّار للتمتّع بالبحر والتنزّه والسباحة. انتهاكات عديدة تعرض لها هذا الشاطئ خلال فترة الحرب الاهلية، لكن الخطر الاكبر الذي يهدده اليوم يتمثل بتجديد مرسوم ردم شاطئ كفرعبيدا الذي صدر عام 2007، لصالح “شركة إنماء الشواطئ اللبنانية” يجيز ردم 37 ألف متر من الشاطئ، بسبب امتلاكها ثلاثة عقارات على شاطئ كفرعبيدا تبلغ مساحتها الإجمالية 19357 متراً، لكن اغلبها موجود فوق الطريق العام وليس على الشاطئ، إلا أن الشركة نجحت في تمرير مرسوم من وزارة الاشغال العامة يجيز انشاء نفق تحت الاوتستراد، ما يسمح باعتبار هذه العقارات متصلة ببضعها، ما يعد مخالفة اضافية ارتكتب من خلال المراسيم الاستثنائية التي سخر لها الوزراء من مختلف القوى السياسية توقيعاتهم السخية! ورغم نجاح وزارة البيئة بتقليص مساحة الردم إلى 4 آلاف متر، سوف تؤدي الاعمال المنوي تنفيذها الى تدمير كامل الميزات البيئية والتنوع البيولوجي الذي يتميز به هذا الشاطئ.
ويشتمل شاطئ كفرعبيدا على نتوءات صخرية طبيعية وبرك بحرية وكهوف صغيرة يعود عمرها إلى آلاف السنين. ويمثل هذا الكيان الطبيعي، إضافة إلى رأس الشقعة والمنطقة القائمة بين البياضة ورأس الناقورة، آخر الشهود على ما كان عليه المنظر الطبيعي على الشاطئ قبل تعرضه لضغوط حركة العمران.
الاعتصام نظمته مجموعة من شباب كفرعبيدا، وانضم إليهم عدد من الجمعيات الاهلية والبيئية، رفضا لمشروع المرسوم الموافق عليه في مجلس الوزراء بتاريخ 25 آب (أغسطس) 2016 والذي يرخص لـ “شركة انماء الشواطئ اللبنانية” بإشغال مساحة من الاملاك العمومية البحرية في منطقة كفرعبيدا. وشارك في هذا التحرك عدد كبير من النوادي الرياضية البحرية وتعاونيات صيادي الاسماك.
واكدت الناشطة في حملة انقاذ شاطئ كفرعبيدا كلارا خوري، رفض هذا المشروع اذا لم يتم اشراك العامة فيه ولم يؤخذ رأيهم، ولم يتم اعادة درس الامور البيئية من قبل الوزارة المعنية، اي وزارة البيئة، ورفض اي إشغال للاملاك العامة البحرية، اي ردم البحر أو اي انشاءات على الصخور والمياه. واعلنت خوري “استمرار التحرك حتى النهاية واللجوء الى القضاء حتى تحقيق المطالب اذا لزم الامر”.
بدوره اكد الخبير في إدارة الثروات الحيوانية واستزراع الاسماك الدكتور منال نادر، في حديث لموقع greenarea.info ان “الصخور على شاطئ كفرعبيدا نادرة الوجود على شاطئ البحر الابيض المتوسط، وتتمتع بدور حيوي في التنوع البيولوجي واستدامة الثروة السمكية والبحرية، واي اعمال ردم في المنطقة تغير مسار التيارات البحرية، وبالتالي تؤذي الثروة السمكية والبحرية على هذا الشاطئ والشواطئ المجاورة. وتعد المغاور الموجودة في المنطقة موئلاً لبيض السمك، وبالتالي فأعمال الردم ستؤدي الى هجرة السمك، لذا نشدد على الرفض القاطع لاي اعمال ردم”.
المعمارية والباحثة المدينية عبير سقسوق رأت ان “انقاذ شاطئ كفرعبيدا يعني كل سكان لبنان”، وقالت: “المشهد واضح من جبيل الى كفرعبيدا وعدلون والدالية، شركات تشتري الاملاك وتستخم المراسيم والقوانين الاستثنائية، لذلك فإن قضيتنا واحدة ويجب ان نعمل سوياً من أجل انقاذ الشاطئ اللبناني”.
من جهته طالب الناشط المدني الدكتور بشير أبي سلوم في حديث لموقع greenarea.info “الحكومة اللبنانية عموما ووزارة البيئة خصوصا تحويل هذا الشاطئ الى محمية طبيعية”، كما ذكر بالخطة العامة لتصنيف الاراضي والمصدق عليها بمرسوم جمهوري رقم 2366 صادر عام 2009، واستنادا لدراسات عديدة صادرة عن وزارة البيئة وعن م”جلس الانماء والاعمار” وعن منظمات دولية ومحلية.
ووقع المشاركون على عريضة تطالب الحكومة بالتراجع عن المرسوم النافذ رقم 955 وجميع تعديلاته كما بإلغائه نهائيا، وتناشد كل النواب والوزراء وفاعليات المنطقة الوقوف الى جانب المعترضين لتحقيق هذه المطالب، خصوصا وان مخططات المشروع لا تحترم حتى مضمون ما تم الموافقة عليه من قبل الحكومة، مما يوحي بعدم الثقة لاي اتفاق او حل.
تفيد المعلومات ان موافقة مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة على مشروع مرسوم يرمي الى تعديل خريطة المرسوم النافذ حكما رقم 955 تاريخ 21/11/2007، المتعلق بإشغال أملاك عمومية بحرية في منطقةكفرعبيدا العقارية وفقا لرأي وزارة المالية، لم يكن ليمر لولا تغيب وزير الخارجية جبران باسيل عن الجلسة. فهذا المرسوم المدرج على جدول اعمال المجلس منذ فترة طويلة جداً، كان يقابل دائماً بفيتو وزراء التيار الوطني الحر الحماسة البرتقالية” ضد مشروع ردم الشاطئ في كفرعبيدا، تتخذ طابع الخصومة المناطقية والسياسية مع وزير الاتصالات بطرس حرب المتحمس للمشروع والداعم له.
هذا في مجلس الوزراء، اما لناحية الشركة، فتفيد المعلومات ان اصحاب “شركة إنماء الشواطئ اللبنانية” قد تراجعوا عن المشروع في الفترة السابقة لاسباب عائلية، قبل ان ينجح الورثة في استعادة زخم نشاطهم الاستثماري، ويعودون الى طرح تنفيذ المرسوم “الاسود” الذي يحمل الرقم 955، والذي يعتبر وصمة عار على جبين كل من وزارة الاشغال العامة التي اجازته، ووزارة البيئة التي توهمت وأوهمت لجهة إمكانية تقليل ضرره من خلال تعديلات طالبت بإدخالها على خرائط المشروع، عبر دراسة الاثر البيئي، فوقعت “عن قصد” في المحظور، ووافقت حكماً على المس بشاطئ أوصت الخطة الوطنية لترتيب الاراضي بحمايته.