لا يزال النقاش العلمي حول جدوى استخدام مادة فليورور البوتاسيوم (Fk) أو فليوراد البوتاسيوم KF2 H2O في مكافحة تسوس الاسنان تحتدم بين مؤيد ومعارض.
ولا يبتعد لبنان عن هذا النقاش، بعد ان أقر مجلس النواب في ٢٩ آب (أغسطس) 2011 قانوناً جديداً حمل الرقم 178 ينص على إلزامية أن يحتوي الملح المعدّ للمائدة أو للمطبخ في لبنان، على مادة أيودور البوتاسيوم (kI) أو ايودات البوتاسيوم ( KIO3) ومادة فليورور البوتاسيوم (Fk) أو فليوراد البوتاسيوم KF2 H2O. قبل ان يتراجع وزير الصحة وائل أبو فاعور عن انفاذ هذا القانون على وقع الحملات التي شنها انصار حظر استخدام هذه المادة في مكافحة تسوس الاسنان، سواء من خلال فَلْوَرة المياه كما هو معتمد على نطاق واسع في الولايات المتحدة الاميركية، أو فلورة الملح على غرار ما هو معمول به في العديد من الدول الاوروبية.
وجاء قرار أبو فاعور بتجميد مفاعيل القانون المذكور، بعد توصية من الهيئة العلمية في الجامعة الاميركية في بيروت التابعة لمركز Knowledge to Policy -K2P، تقول بضرورة عدم اضافة مادة الفلور الى الملح في لبنان بحجة محاربة تسوس الأسنان. كما توصي دراسة الجامعة الاميركية التي اعدها كل من رشا فضل الله وفادي الجردلي وفاطمة غدار ولما الحمد بـ “إعادة تقييم الصيغة الحالية لقانون المعالجة بملح الفلورايد بسبب ما قد ينتج عنه من تأثيرات صحية سلبية عارضة. وتطبيق برامج صحة الفم والأسنان كآلية بديلة في مجال الصحة العامة، لتعزيز الوعي والممارسات الإيجابية في ما يتعلق بصحة الفم والاسنان، والحد من تسوس الاسنان عبر أساليب لا توجب التناول المباشر لمادة الفلورايد وإدخاله إلى الجسم”.
جديد الجدل العلمي حول مادة الفلورايد، دراسة صدرت قبل يومين عن المجلس الوطني للصحة والابحاث الطبية في استراليا، خلصت الى ان استخدام مادة الفلورايد في مياه الشرب، هو اجراء آمن ويساعد في مكافحة تسوس الاسنان. وتكمن اهمية هذه الدراسة انها تستند الى عينة بحثية واسعة النطاق، وصفت بانها المسح الاشمل الذي تناول هذا الموضوع ، بالمقارنة مع عينات ومسوح سابقة. ويخلص التقرير الى ان فلورة المياه تخفف انحلال وتسوس الأسنان عند مختلف الشرائح العمرية بنسبة ٢٦ و ٤٤ بالمئة. اما العيب الوحيد الذي تسببه فلورة المياه، بحسب الدراسة، فيكمن في تغير درجات اللون داخل الاسنان، او ما يعرف بـ fluorosis، وهو نقص التمعدن من مينا الأسنان الناجم عن ابتلاع الفلوريد الزائد خلال تشكيل المينا، ويظهر كمجموعة من التغيرات مرئية في المينا. وخلصت الدراسة الى انه ليس هناك صلة بين فلورة المياه وبين الامراض السرطانية والامراض الاخرى التي تسبب خللا وظيفيا في جسم الانسان.
وبحسب التقرير الاسترالي، فإن السبب الرئيسي الذي دفع المجلس الوطني للصحة والابحاث الطبية في استراليا الى اجراء هذه الدراسة، هو الجدل الذي يسود المجتمع الاسترالي حول جدوى فلورة المياه لمكافحة تسوس الاسنان، في بلد يعاني سكانه من ارتفاع معدلات التسوس بشكل قياسي. ودفع هذا الجدل الى مقاطعة المياه المفلورة ورفض استخدامها من قبل شرائح واسعة من المجتمع بذريعة تسببها بالعديد من الامراض، وابرزها النقص الحاد في الكالسيوم داخل العظام.
وتقول الدراسة ان الاعلام الاجتماعي اسهم على نطاق واسع في تضخيم حجم الضرر الذي يسببه استخدام الفورايد لمكافحة تسوس الاسنان، خصوصا عبر فلورة المياه، وذهب البعض الى حد اطلاق نظرية مؤامرة تقول بأن فلورة الملح هدفها قتل السكان بشكل بطيء والقضاء على ذكائهم وقدرتهم على العيش، وغيرها من الادعاءات التي لا تستند الى رأي علمي يتمتع بمصداقية.
وتقول الدراسة ان ما عزز النقاش السلبي حول الفلورايد، أن هذه المادة مصنفة سامة في ما لو تم ادخالها الى الجسم بجرعات مرتفعة، في حين انها آمنة ومفيدة اذا اتخذت بمعدلات محددة بحسب ما يوصي الاطباء، ومنظمة الصحة العالمية توصي احياناً بسحب الفورايد من المياه الطبيعية بسبب ارتفاع نسبتها، في حين توصي في اماكن اخرى بإضافة الفلورايد الى المياه لكي تصل الى المعدل المطلوب لمكافحة تسوس الاسنان.
وبحسب دراسة سابقة للمجلس الوطني للصحة والأبحاث الطبية في استراليا نشرت عام ٢٠٠٧، فإن المعدل الآمن والموصى به للفلورايد في المياه هو 0.6 – 1 جزء في المليون، وتقول الدراسة الجديدة، انها سعت الى تحديث جميع المعطيات المتعلقة بالفلورايد بالاستناد الى ٣٠٠٠ دراسة علمية وتقرير نشرت حول العالم منذ العام ٢٠٠٧ الى اليوم.
ولقد نشرت الدراسة بصيغة مسودة اولية وطرحت للنقاش العلمي من قبل العموم واصحاب الاختصاص قبل ان تصدر بصيغتها النهائية، لكن المجلس يقول انه لن يأخذ بعين الاعتبار الدراسات التي تعنون تحت مسمى fluoridesux والتي تتحدث عن مخاطر قاتلة لاستخدام الفلورايد. وخلصت الدراسة الى ان فلورة المياه هو اجراء آمن ويجب الاستمرار به.
بالطبع فإن هذه الدراسة لن تحرك الملف في لبنان، كون الخيار الذي اتخذته الحكومة بداية التسعينيات من القرن الماضي حول فلورة المياه، قد استبعد على الفور نتيجة عدم وجود مياه عمومية صالحة للشرب وتصل مجاناً الى السكان. لكن الفئة المعارضة لخيار فلورة الملح، شنت هجومها لاعتبارات عديدة ، ابرزها ان القانون قضى بالزامية اضافة مادة الفلورايد الى الملح، وهو امر لو طبق لسبب مخاطر مرتفعة سواء لجهة الملح المستودر، او لجهة التصنيع المحلي الذي يعاني من ضعفه وغياب الرقابة عليه، ما ادى تاريخياً الى خلل واضح في معدل زيادة المصانع المحلية اللبنانية لمادة أيودور البوتاسيوم (kI) أو ايودات البوتاسيوم (KIO3) المفيدة جداً لصحة الانسان، ما دفع الى احالة وزارة الصحة العام الماضي، للعديد من المصانع الى القضاء المختص، فكيف سيكون الحال لو قام هؤلاء باضافة مادة الفلورايد الى الملح ولم يراعوا المعدلات الموصى بها دولياً؟
ستفرح الدراسة الاسترالية الجديدة من دون شك أنصار فلورة الملح في لبنان، وعلى رأسهم العميد السابق لكلية طب الأسنان في الجامعة اللبنانية البروفسور منير ضومط والمدير العام لوزارة الصحة الدكتور وليد عمار الذين يؤكدون أن فلورة الملح تجربة عمرها 60 سنة في سويسرا وغيرها من الدول الأوروبية، وقد تبنتها منظمة الصحة العالمية، وأن الدخول المنتظم لكمية قليلة من الفلور يساعد على تراجع لافت بنسبة تسوّس الأسنان، خصوصاً وأن معدلات التسوس عند الأطفال في لبنان هي الأعلى في العالم.
بالمقابل، يرى العديد من الخبراء في لبنان وابرزهم الدكتور عماد محفوظ والدكتور عمر عبيد، أن مخاطر جدية محدقة تهدد صحة الإنسان إذا أضيفت مادة “الفلورايد” الى الملح، ويذهب هؤلاء الى حد اعتبار مادة الفليور سامة، وقد انضمت إليهم في هذه الحملة جمعية حماية المستهلك والهيئة اللبنانية للبيئة والانماء والجامعة الاميركية في بيروت، والذين اوصوا وزير الصحة وائل أبو فاعور بتجميد العمل بالقانون رقم 178، الامر الذي لا يزال ساري المفعول حتى تاريخه، علماً انه يوجد في السوق اللبناني ملح مستورد يحتوي على اليود والفلورايد في آن معاً، الامر الذي يتيح لمن يرغب باستخدامه.