نشر أمس “سودان تريبون” Sudan tribune تقريرا مهما عن واقع المياه في ظل التغير المناخي، ودور الاتحاد الاوربي في تطوير الخطط المناخية الوطنية المحلية، وخطط تحقيق الانتقال إلى اقتصادات تكافح تغير المناخ وتخفض من انبعاثات غاز الكربون.

التقرير عبارة عم مقال ذُيِّل بتوقيع رئيس بعثة الاتحاد الأوربي في السودان جان ميشيل دموند Jean Michel Dumond بالنيابة عن كل سفراء دول الاتحاد الاوربي المعتمدين لدى السودان، تناول دو الاتحاد الأوروبي حيال التحديات الدبلوماسية لقضايا المياه العابرة للحدود، خصوصا وأن السودان معني بقضية نهر النيل، وأن الاتحاد الأوروبي والعديد من الدول الأعضاء فيه يدعمون مبادرة حوض النيل، والشراكة الإقليمية التي تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة من خلال الانتفاع المنصف والاستفادة من الموارد المائية المشتركة، فضلا عن دور السودان في تشجيع دول الحوض الأخرى لضمان ادارة الطاقة الكهرومائية النظيفة بشكل تعاوني، ومتابعة المناقشات الجارية بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير.

 

المياه وتغير المناخ العالمي

 

ومما جاء في التقرير أن “الماء هو الحياة وتوافر المياه يتضرر من تغير المناخ العالمي”، ففي كانون الأول (ديسمبر) الماضي، اجتمعت 195 دولة في باريس للتفاوض على اتفاق عالمي بشأن المناخ في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. وكانت النتيجة الموافقة على أول اتفاق للمناخ والذي يحدد خطة عمل عالمية لوضع العالم على الطريق الصحيح لتجنب التغير المناخي الخطير عن طريق الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري الى اقل من درجتين مئويتين.

وللتأكيد عزمت ووافقت الدول على مواصلة الجهود للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى درجة ونصف الدرجة، والآن، وبعد عشرة شهور من هذه النتيجة التاريخية لا يزال الاتحاد الاوربي ملتزم باتفاق باريس، وقد أعرب الاتحاد الاوربي عن تقديره للدور الفعال والبناء للسودان في تنسيق الموقف الافريقي في باريس. وبهذا، ليس هناك مجال للتهاون بعد نجاح مؤتمر باريس، فمن أجل رؤية انخفاض الانبعاثات يتحقق، نحتاج تحويل كلماتنا إلى أفعال.

في عام 2016، شهدنا مؤشرات مشجعة من شركائنا حيث حرصوا على الحفاظ على الزخم السياسي غير المسبوق في دعم العمل المناخي حول العالم. فقد وقعت أكثر من 180 دولة حتى الآن على اتفاق باريس، وأنهت 22 دولة إجراءات التصديق المحلية لتصبح أطرافا في الاتفاقية. ويشجعنا كذلك أن نعلم أن السودان حاليا في طريقه إلى التصديق على اتفاقية باريس.

 

تصميم سياسات المناخ المحلية

 

إن التصديق على الاتفاق وحده لن يخفض من انبعاث الغازات، ويعزز إجراءات التكيف والتمويل، ولكن بنفس القدر من الأهمية تأتي الخطوات التي ستتخذها الدول لتلبية الالتزامات التي قطعت في باريس، بدءا من السياسات والأطر التشريعية اللازمة لتطوير خطط وطنية وقوية للحفاظ على المناخ في اطار النهج الدولي.

كما أن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه قد صمموا على تنفيذ توجهات مؤتمر باريس، ففي أوروبا نحن نتحرك قدما في تصميم سياسات المناخ المحلية بمقترحات جديدة، من شأنها أن تساعدنا على تحقيق هدف خفض الانبعاثات لدينا من 40 بالمئة على الأقل بحلول عام 2030، وتحول دولنا إلى اقتصاد منخفض الكربون. وفي الاتحاد الاوربي نحن نستمع جيدا للمخاوف من أن اتخاذ إجراءات ضد تغير المناخ قد تؤثر على النمو الاقتصادي، ولكن مع التجربة وجدنا أن العكس هو الصحيح: فقد انخفضت انبعاثات الغازات لدينا بنسبة 23 بالمئة منذ عام 1990، في حين أن الناتج المحلي الإجمالي نما بنسبة 46 بالمئة في نفس الفترة في أوروبا، وخلال هذه السنوات خلقنا فرص عمل جديدة في أوروبا، وتم تدشين اعمال تجارية وتقنيات ومزايا تنافسية تعدنا لنكون اقتصادات جديدة ومتوافقة مع حماية المناخ.

في السودان مثلا، فإن الاتحاد الأوروبي يدعم منذ فترة طويلة المشاريع التي تدل على أهمية بناء القدرات في مجالات مكافحة تغير المناخ، فعلى سبيل المثال، هناك مشروع وادي الكوع للمياه في شمال دارفور، والذي يقدم مثالا فريدا من نوعه حيث تتفاعل المؤسسات والمجتمعات بشكل منتظم لتنفيذ قرارات مستنيرة للحفاظ على الموارد الطبيعية والتي تواجه مخاطر مثل المياه، كما أن هذا المشروع يعطي الأولوية لدور المرأة في تعزيز الحفاظ على البيئة وتوفير سبل العيش الكريم.

 

الالتزام بدعم السودان

 

يمتلك الاتحاد الاوربي أكثر من عقدين من الخبرة في تطوير وتنفيذ سياسة حماية المناخ الطموحة، ولكننا نعرف أن العديد من شركائنا في الدول الأخرى يفعلون ذلك للمرة الأولى، ونحن مستعدون أن نتبادل الخبرات والدروس المستفادة، لان لدينا تعاونا واسعا مع بعض من شركائنا الرئيسيين في دول أخري.

وقد أثبت الطقس المتقلب في الآونة الاخيرة عواقب وخيمة على السودان، فظاهرة “النينيو” ادت الى جفاف هذا العام تأثر منه بشكل مباشر 1.2 مليون شخص، وتبع الجفاف امطار وفيضانات غزيرة في بعض المناطق نفسها. منذ 2015، خصص الاتحاد الأوروبي مبلغ 509 مليون يورو لدعم كل الدول في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية الأكثر تضررا من أزمة الأمن الغذائي الناجمة عن ظاهرة “النينيو”، لقد تم تخصيص ثلاثين مليون يورو منها لدعم العمل الانساني في السودان والذي وفر المساعدات الغذائية للمتضررين.

إن الاتحاد الأوروبي ملتزم بدعم السودان وغيره من الدول والتي يمكن ان تتعرض لتغيرات في المناخ. وقد خصص الاتحاد في ميزانيته مبالغ مقدرة لدعم الدول بقيمة ثمانية مليون ونصف مليون يورو في تطوير مبادرات صمود المجتمعات المحلية تجاه تغير المناخ، فضلا عن تحسين قدرة السلطات المحلية والجهات المعنية لمنع ومعالجة تغير المناخ بطريقة مستدامة. وتهدف هذه المخصصات الى استفادة المجتمعات الريفية والمناطق النائية التي تتميز بارتفاع معدلات التدهور البيئي، بما في ذلك التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، إلى جانب انخفاض التنمية البشرية والمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية فيها. وسوف تشمل مناطق مثل شمال دارفور وكسلا ونهر النيل والولايات الشمالية حيث ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض هطول الأمطار، وتقلبات في نهر النيل، وزيادة سرعة الرياح قد أدت إلى انخفاض المحاصيل الزراعية، وانخفاض الإنتاج الحيواني، وزيادة تآكل ضفاف النهر وتدهور الأراضي.

وبخصوص مشاركة السودان في مفاوضات المناخ، فقد تم وضع الصيغة النهائية لمساهمة السودان المقررة على الصعيد الوطني للفرد (INDC) لتخفيض انبعاث غازات الكربون قبل اجتماع المناخ العالمي القادم، بدعم نشط من الاتحاد الأوروبي.

كما أن فرنسا الآن تدرس تعزيز المساعدات التنموية الرامية إلى التركيز على تغير المناخ، حيث طورت فرنسا علاقة وثيقة جدا مع جميع الجهات ذات المصلحة بتغير المناخ في السودان خلال فترة الاعداد لمؤتمر باريس. وفرنسا الآن تساهم بالفعل في مشروع تنفيذ تدابير التكيف مع تغير المناخ لبناء قدرة المزارعين والمجتمعات الرعوية، والمشروع ينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ولاية القضارف.

وبالإضافة إلى ذلك، خصصت المملكة المتحدة مبلغ عشرة مليون جنيه استرليني لدعم السودان في تحقيق فهم أفضل ودمج قضايا المناخ والبيئة في البرامج والخطط والسياسات. أن هذا الدعم يعترف بأهمية البيئة والموارد الطبيعية للناس والاقتصاد ومخاطر نتيجة لتغير المناخ في السودان. وقد خصصت المملكة المتحدة أيضا مبلغ سبعة وعشرون مليون جنيه استرليني لدعم المجتمعات الريفية في شرق وغرب السودان للتكيف بشكل أفضل مع المخاطر المناخية من خلال تحسين فرص حصولهم على الموارد المائية وإدارتها.

 

برامج حصاد المياه

 

أما بالنسبة لألمانيا، فهناك مشروع ثلاثي بين السودان ومنظمة الايقاد ووزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الاتحادية الالمانية. حيث تقوم منظمة GIZ الالمانية بتحديد مناطق في كسلا والقضارف لبناء مدرجات مياه للحد من تدهور الأراضي الزراعية. وتعمل المنظمة مع المجتمعات المحلية لزيادة قدرتهم على التأقلم مع تداعيات تغير المناخ من خلال إدارة موارد المياه الشحيحة بكفاءة أكبر.

في حين أن لهولندا دورا تقليديا في استصلاح الأراضي من البحار، ففي السودان تقوم هولندا بدعم مبادرات جعل استخدام مصادر المياه المحدودة بكفاءة أكبر في شرق السودان. كما أن برامج حصاد المياه المبتكرة والري على نطاق صغير سيزيد من مساحة الأراضي الصالحة للزراعة للمزارعين المحليين وسيعزز من التنمية الريفية. في آذار (مارس) 2016 استضافت هولندا ورشة عمل الدبلوماسيون الاتحاد الاوروبي، والذين يعملون في مجال دبلوماسية المياه في منطقة شرق النيل. وركزت ورشة العمل على منطقة النيل الأزرق وطرق اكتشاف وربط أنشطة الاتحاد الأوروبي في هذا المجال، وقدم دبلوماسيون مشاركات حول الأنشطة الممكنة بما في ذلك السفراء وممثلي الحكومة السودانية المصرية والاثيوبية.

بالإضافة الى وضع استراتيجيات وخطط المناخ على المدى الطويل، هناك إجراءات نحن جميعا بحاجة إلى أن نتخذها الآن في بضعة أشهر فقط، فإن الدول ستجتمع في مراكش لإضافة التفاصيل الفنية لاتفاق باريس السياسي. من بين المواضيع على طاولة اجتماعات مراكش هي بناء القدرة على العمل، ومعالجة الخسائر والأضرار المرتبطة بتغير المناخ، ووضع خارطة طريق لتحقيق أهداف تمويل المناخ. قبل هذا الاجتماع تهدف الدول الى التوصل الى اتفاق حول الحد من انبعاثات الغازات الصادرة من الطيران والتخلص التدريجي من الغازات المستخدمة في التبريد وتكييف الهواء.

والدور ليس محصورا بالحكومات فحسب، ولكن على الشركات والمدن ومؤسسات المجتمع المدني كافة أن تلعب دورا حاسما في تقديم العمل على أرض الواقع لإحداث الفرق.

إن القطاع الخاص في السودان كان حاضرا مثل منظمات المجتمع المدني، وشارك بقوة في الدعوة بشأن قضايا تغير المناخ، وكان حاضرا خلال المناقشات التي جرت في مؤتمر باريس.

لقد كان مؤتمر باريس لتغير المناخ لحظة حاسمة في حماية كوكب الأرض من أجل الأجيال القادمة. يجب أن نحافظ على هذا الزخم في الأشهر والسنوات المقبلة، ان انخفاض الانبعاثات، وزيادة أمن الطاقة وكفاءة الطاقة تعتمد النمو القائم على الابتكار، سينتفع منها الناس والثروة الحيوانية والبيئة والاقتصاد. هناك الكثير من العمل للقيام به، ويتطلع الاتحاد الأوروبي إلى استمرار الشراكة مع السودان.

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This