حبيب معلوف – السفير
وقّع وزير البيئة محمد المشنوق أمس، مع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد التوصيات المتعلقة بتطبيق القوانين والأنظمة البيئية، في وقت تستباح الطبيعة اللبنانية وبيئة كل مواطن يومياً بالعديد من الجرائم البيئية، الكبيرة منها والصغيرة.
صحيح أن تقدماً ما قد حصل مع صدور القانون الرقم 251 في العام 2014 ومن ثم تعيين محامين عامين بيئيين في 6 محافظات (بيروت، جبل لبنان، الشمال، الجنوب، البقاع والنبطية) بالإضافة إلى قضاة التحقيق في هذه المحافظات.
وصحيح ان المرسوم الذي حمل الرقم 3989/2016 والذي صدر مؤخّراً قد نص على إنشاء ضابطة بيئية وحدد عدد أعضائها ونظم عملها، كما ان وزير العدل قد أصدر قراراً حمل الرقم 3330 بتاريخ 10/11/2015 لتعيين خبراء ومنهم خبراء بيئيون، إلا أن كل ذلك لم يحدّ من ارتكاب الجرائم البيئية ولا ساهم في قمع أي مخالفة من المخالفات التي زادت مؤخراً بدلاً من أن تخفّ! ففي مراجعة اولية للارتكابات التي تحصل مؤخراً، يتبين ان العلة، كما هي الحال دائما في عدم تطبيق القوانين او في الاحتيال عليها.
مؤشرات عدم الكفاية وقلة الوضوح كثيرة. فما الذي يفسر عدم تطبيق قانون منع التدخين في الأماكن العامة؟ وما الذي يفسر اقتصار الجدل بالأمس على قضية خصخصة المعاينة الميكانيكية، دون التطرق الى عدم تطبيق قانون السير لناحية مراقبة الانبعاثات من عوادم الآليات على انواعها (الظاهرة بالعين المجردة) والتي تقتل اللبنانيين كل يوم، وبينهم شرطة السير الأكثر تعرضاً للانبعاثات؟
كما نريد أن نفهم، هل قطع شجرة جريمة بيئية لا تُغتفر وإنشاء سدود وقطع طرق مجاري المياه واقتلاع الصخور وتدمير الثروات الطبيعة والانظمة الايكولوجية البرية والنهرية والبحرية منها وردم آلاف الهكتارات بالردميات… مسألة فيها نظر؟
بناء على اية فلسفات بيئية واية دراسات صدرت التوصيات التي تحمل صفة القانونية والبيئية؟ وماذا تركنا للأجيال الآتية التي لديها الحقوق نفسها (كما للإنسان الحالي) بالاستفادة من المياه العذبة الطبيعية ومن النظم الايكولوجية ومن الوصول الى الاملاك والمساحات العامة على انواعها؟
الكثير من القوانين او من القواعد القانونية باتت تحتاج الى مراجعة، مثل «الطعن في التراخيص الإدارية المُضرّة بالبيئة» الذي يُفترض أن يتمّ أمام مجلس شورى الدولة. فهل هذا الأخير مهيّأ للقيام بهذا الدور؟
وهنا يطرح السؤال: كيف تمّ الترخيص لإنشاء السدود من دون دراسات للأثر البيئي، ومن دون تقييم بيئي استراتيجي لاستراتيجية المياه؟ وكيف يمكن لإدارة ما في الدولة اللبنانية أن تقوم بإنشاءات كبيرة من دون دراسات مسبقة، في طليعتها الالتزام بالمخطط التوجيهي لترتيب الأراضي وبدراسات تقييم الأثر البيئي؟
هذه الأسئلة تنطبق على مشاريع الإدارات الرسمية لانشاء السدود السطحية من دون دراسات للأثر البيئي، كما في جنة وبقعاته، كما تنطبق على مشاريع انشاء معامل الاسمنت التي تتجاوز كل المعايير البيئية والتي لا تأتي من ضمن خطط ترتيب الأراضي ولا ضمن استراتيجية التنمية المستدامة التي لم تنجز بعد!
بالإضافة الى الاسئلة المتعلقة بردم البحر ومشاريع النفايات «الطارئة»، بدل المستدامة، بعد أكثر من ربع قرن على نهاية الحرب الأهلية، واستسهال رفع المسؤوليات ورميها على البلديات، من دون وجود استراتيجيات وقوانين وخطط تحدد المسؤوليات والمعايير والمواصفات!
منذ زمن بعيد، لم تعُد حجة مخالفي القوانين البيئية بعدم وجود صلاحيات لوزارة البيئة لقمع المخالفات ومكافحة الجرائم البيئية مقبولة. باتت هناك قوانين ومراسيم ناظمة، والخوف أن ليس في وزارة البيئة إمكانيات للقيام بهذه الدراسات، خصوصاً عندما تكون المشاريع المقدمة بموازنات كبيرة وأضرارها البيئية كبيرة ايضاً.
بين التوصيات التي تم إقرارها أمس والتوقيع عليها بين وزير البيئة ورئيس مجلس القضاء الأعلى، التأكيد على المسؤولية المشتركة بين السلطتين التنفيذية والقضائية في حماية البيئة وزيادة عدد الخبراء البيئيين في جدول الخبراء المحلّفين لدى المحاكم بعد إخضاعهم لامتحان تحدد دقائقه وزارة البيئة بالتعاون مع مجلس القضاء الأعلى. وإخضاع الخبراء البيئيين المحلفين لدى المحاكم للتدريب المستمرّ.
لكن ماذا عن تدريب الجسم القضائي؟ وكيف سيتمّ الفصل بين البيئي والسياسي والاستثماري والديني… في وقت بات معظم المخالفات التي تم رصدها مؤخراً على أراضٍ تديرها السلطات الدينية، وبات الفساد الديني يتجاوز الفساد السياسي بأشواط؟