تقع القاسمية بالقرب من مدينة صور، وهي آخر حوض لليطاني قبل مصبّه في البحر، تقع في حيرة من أمرها في علاقتها مع نهر الليطاني. فقلب البلدة يحنو على مزارعيها المنتشرين على نحو أربعة آلاف هكتار والذين ترتبط مواسم معظمهم بقناة الري المسحوبة من محطة الزرارية، فيما يرق قلبها نفسه لمصير نحو عشرين استراحة تنقطع أرزاقهم مع «حبس» النهر في قناة الجر ومنعه عن مجراه الأساسي.
يعتبر المزارعون أنهم غير معنيين بالمتنزهات ومشكلتها، فيما يشعر أصحاب الاستراحات بالغبن لتغليب وظيفة النهر الزراعية على السياحية والحياتية للناس وللعائلات التي تعيش من هذا القطاع. هنا، في القاسمية، لا حديث عن تلوّث الليطاني لكون المجرى فارغاً حتى من المياه الملوثة والموحلة، ولكن ليس من النفايات الصلبة وبقايا الحيوانات ومخلفات بعض الاستراحات.
هنا يصبح المزارعون رهن نمط الضخ من نفق مركبا من تحت سد القرعون، وكذلك فتح المياه في أسفل بحيرة القرعون مباشرة لكون مياه الليطاني في الجنوب، والمتأتية من روافده في الحوض السفلي لا تكفي وحدها.
وفي القاسمية، كما في البقاع وبقية الجنوب، ليس تلوث الليطاني تفصيلاً صغيراً في حياة الناس. فها هي مصلحة الليطاني قد أوقفت المترين المكعبين اللذين فتحتهما إلى القاسمية من أسفل بحيرة القرعون قبل شهر من اليوم بعدما هدد أهالي يحمر بتكسير منشآتها وتجهيزاتها بسبب الروائح الكريهة والقاتلة التي اجتاحت بلدتهم التي يمر فيها مجرى النهر.
وعليه لم تعد الكمية التي تضخها المصلحة من نفق مركبا بغزارة مترين مكعبين أيضاً تكفي أربعة آلاف هكتار في القاسمية، عدا الأضرار التي يلحقها التلوث بشبكات الري.
يعتبر المزارع كامل رمال، وهو كان موظفاً سابقاً في مصلحة الليطاني، أن تلوث النهر لا يؤثر كثيراً على زراعات القاسمية لكونها تعتمد بشكل أساسي على بساتين الموز والحمضيات ومؤخراً الأفوكا «يعني نحن نزرع أشجاراً مثمرة لا خضاراً ورقية هشّة وسريعة التأثر بالملوّثات ومكوّناتها».
يتحدث رمال عن خسائر مزارعين كثر سدت الرمول والوحول شبكات الري التي تكلف آلاف الدولارات «تعتمد الشبكات على الري بالنقطة، يعني مجاريها صغيرة وتسدّها الرمول». هناك يغيّر المزارعون شبكاتهم بعد كل فترة من استعمالها بعدما يقفلها التلوث بالوحول وغيرها من النفايات.
أما كميات المياه التي لا تلبي حجم الطلب عليها فيحاول المزارعون «تدبير أنفسهم بين بعضهم البعض». يقول رمال «مثلاً أنا عندي بئر ماء، وعليه أترك دوري في عدان المي لجيراني لكي لا تيبس بساتينهم وتتلف مزروعاتهم».
صحيح أن حفر الآبار ممنوع قانوناً في الجنوب كما في كل لبنان من دون ترخيص. لكن تكفي جولة في الجنوب، والقاسمية في قلبه، لندرك أن هناك عشرات لا بل مئات الآبار المخالفة وغير المرخصة. مع هذه الآبار الجوفية جفّت ينابيع عدة وخصوصاً في فصل الصيف مما يزيد الأزمة تعقيداً.
يقول رمال إن المحطة تحاول تعويض النقص عن طريق تجميع بعض الينابيع الجوفية في المنطقة في برك تعيد ضخها إلى المزارعين في القاسمية «وهذا يحل جزءاً من المشكلة».
وعند احتساب تأثير قلة المياه على المزارعين اقتصادياً، يؤكد رمال أن أمثاله ممن يملكون آباراً جوفية يروون منها مزروعاتهم ولا يعتمدون بشكل كلي على مياه الليطاني، يجنون مواسمهم شهراً كاملاً قبل المزارعين المرتبطين بمياه المصلحة. «وعندها، أي بعد شهر من اليوم، تهبط أسعار المنتج الزراعي فيخسرون فورة الموسم وأسعار البدايات العالية».
ويمكن أن يؤدي تأخر جني المحصول بسبب قلة المياه إلى كساد مواسم بعض المزارعين، مع انخفاض الطلب وارتفاع العرض.
نقص المياه يؤثر أيضاً على حجم الثمار التي لا تكبر كثيراً بسبب قلة الماء وعدم تشبعها بالري، على سبيل المثال لا الحصر.
هذه الخسائر يسقطها أبو حسن سعد، مزارع من القاسمية، على وضعه «بدأ جاري بقطف موسم الموز فيما أنا سأنتظر عشرين يوماً إلى شهر، لأنني لا أملك بئراً لري أرضي». قصد أبو حسن شقيقه المغترب واستدان منه بعض المال ليتمكن من إرسال بكره إلى الجامعة في بيروت وتسجيل بقية أولاده في المدرسة: «قلت لأم حسن الله بيعينك بكرا بتموّني بس نبلش نقطف، أجّلي مونتك شوي».

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This