سعدى علوه – السغير

عندما أنشئت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني في العام 1954 حددت أهدافها بالري من جنوب الطريق الدولية نحو العاصمة السورية، دمشق، أي من حدود بلدة قب الياس في البقاع الأوسط (على يمين الطريق) إلى القاسمية وصولاً إلى البحر قرب صور. يومها لم يلحظ قانون إنشاء المصلحة شمال الطريق الدولية من سهلي زحلة والفرزل وصولاً إلى العلاق، المنبع الأول لليطاني. وعليه، لا علاقة للمصلحة بتنفيذ مشاريع تسهل عملية ري المواطنين المتروكين هناك على يسار الطريق الدولية، وهو ما يشكل جزءا كبيرا من سهل البقاع يصل إلى الثلث تقريباً.
يقول المدير العام للمصلحة المهندس عادل حوماني لـ «السفير»: «نحن معنيون باستثمار كل مصادر المياه في محيط الحوض». وعلى سبيل المثال لا الحصر، «يقع نبع الطاسة في إقليم التفاح، وغيره من مصادر المياه عند الحدود مع فلسطين المحتلة ضمن صلاحياتنا، وسواء اكانت هذه المصادر المائية روافد لليطاني ام لا».
اليوم وبعد 62 عاماً على إنشائها لا بد من جردة حساب، وإن متواضعة، مع هذه المؤسسة العامة التي تعنى بأطول نهر في لبنان (بطول 170 كيلومتراً)، وحوض مائي (يشكل ربع مساحة لبنان تقريباً) ومعه المسطح المائي الأكبر في البلاد (بحيرة القرعون).
يضاف إليها تكاليف المشاريع الاستكمالية للمصلحة، وللمناسبة هي مشاريع مقرة منذ أواخر التسعينيات وأوائل السبعينيات، وعلى رأسها القناة 800 (قيد التنفيذ) وسدود خردلي والشومرية، للري جنوباً (قيد التلزيم) وبيسري (لجر مياه الشفة إلى بيروت بقوة 50 مليون متر مكعب).
وتستثمر المصلحة المياه عبر بناء السدود. ونفذ حتى اليوم سد القرعون فقط (في نهاية الخمسينيات)، وهناك سد الخردلي، المقرّ منذ العام 1970، و «تم تلزيمه اليوم بعدما انتهت الدراسات، ولم يبق سوى تأمين التمويل من الصناديق العربية والبنك الدولي أو الصندوق الكويتي، وصار جاهزا للتنفيذ»، وفق حوماني.
تبلغ سعة سد الخردلي مئة مليون متر مكعب بكلفة تصل إلى أربعمئة مليون دولار، كسد وليس لإنجاز القنوات والتوصيلات والتجهيزات كافة.
وتصل سعة سد الشومرية (كفرصير سابقاً) إلى 28 مليون متر مكعب، وتبلغ كلفته نحو مئة مليون دولار.
وبالتالي فإن ما نفذ من مشاريع المصلحة منذ إنشائها ولغاية اليوم هو سد القرعون، وجزء من القناة 900 لري البقاع الجنوبي، بالإضافة إلى قناة الزرارية التي تروي منطقة القاسمية قرب صور، ويتم تنفيذ القناة 800 حالياً.
وطبعا أنشأت المصلحة وشغّلت ثلاثة معامل لتوليد الطاقة الكهرومائية بقوة 190 ميغاوات.
ولكن المصلحة لم تتمكن من حماية المصدر الأساسي لاستثماراتها، وهو نهر الليطاني وحوضه وطبعا بحيرة القرعون في قلبه. يقول حوماني إن قانون إنشائها لم يمنحها صلاحية حماية النهر بل وزعها على وزارات الطاقة والمياه والأشغال (حماية الأملاك النهرية) والصحة والزراعة والبيئة والداخلية، و «لا تملك المصلحة أي صلاحية هنا»، وفق حوماني.
بغض النظر عن الجدل البيزنطي الدائر حول من المسؤول عن حماية النهر، فقد أصيبت مصلحة الليطاني في صميم استثماراتها. اليوم وبعد 62 سنة على إنشائها يبدو أنه «حكم عليها بالإعدام»، وهو ما يوافق عليه حوماني «إذا لم تحل مشكلة تلوث حوض الليطاني ونهره».
تزخر جوارير المصلحة بالمشاريع والدراسات مبدئياً. بعضها أخذ حيز التنفيذ والبعض الأخر قطع جزءا من تنفيذه كالقناة 800 وبعض ثالث تم تلزيمه، ورابع ينتظر التمويل، ولكن أي جدوى من كل هذه المشاريع؟ وقد سيبت الدولة الليطاني وناسه وتركت التلوث يقتلهم.
يبدو جلياً على الأرض أن مصلحة الليطاني ذاهبة إلى الشلل التام في الوضع الحالي. تكفي جردة حساب صغيرة على أهدافها وممتلكاتها واستثماراتها حتى يبدو هذا الكلام دقيقاً عبر:
ـ إعلان الموت السريري لنهر الليطاني وبحيرة القرعون، وهما المصدران الأهم لكل مشاريع المصلحة.
ـ ردم أهالي القرعون القناة 900 في 14 آب الماضي، ومنع مياهها عن كامل قرى القرعون ولالا وبعلول وصغبين (على الضفة الشرقية للبحيرة) وجب جنين وخربة قنافار، بعدما هجر تلوثها وروائحها أهالي القرعون وجلبت لهم الأمراض. والقناة 900 هي القناة الوحيدة المنفذة في البقاع على الليطاني لري ألف هكتار زراعي يحاول أصحابها ومستثمروها إنقاذ مواسمها الحالية بشراء المياه من الآبار الارتوازية.
ـ إعلان مصلحة الليطاني، وعلى لسان مديرها العام عادل حوماني لـ «السفير» توقف انتاج 190 «ميغا وات» من معامل الكهرباء في مركبا والأولي وجون، كانت تغذي الشبكة العامة، بسبب اهتراء المعدات ومجموعات التوليد التي ضربتها المياه الملوثة والصدأ وأدت إلى تعطلها. تحتاج أعمال صيانة المعدات المضروبة أربعة أشهر كأقل تقدير، وستتعطل بعد ذلك إذا ما استمر التلوث. ويقول حوماني إن توليد الكهرباء «كان المصدر الوحيد للربح في المصلحة بينما مشاريع الري كلها خاسرة».
ومع تعطل معامل الكهرباء وردم أهالي القرعون القناة 900 التابعة للمصلحة، لم يبقَ إلا قناة الزرارية التي تستعمل للري من منشآت مصلحة الليطاني قيد التشغيل. وتحمل قناة الزرارية المياه الملوثة نفسها بالمجارير والنفايات الصناعية والصلبة والمبيدات الزراعية.
ويعتبر حوماني أنه إذا لم تتم معالجة التلوث في النهر فإن المصلحة ومشاريعها مهددة. ومن ضمن هذه المشاريع القناة 800 التي يتم تنفيذها حالياً لري 13 ألف هكتار جنوباً ومعها سد الخردلي والشومرية وجر مياه الشرب من بسري إلى بيروت (50 مليون متر مكعب سنويا) كلها.
وعليه ينعى حوماني «دفع ملايين الدولارات لكي نوصل للناس مياهاً غير صالحة لأي شيء، لا بل مضرة بهم وبمزروعاتهم».
يذكر أن كلفة تنفيذ القناة 800 ومعها تشييد سدي الخردلي والشومرية وبسري تصل إلى مليار دولار من دون قنوات الجر واستكمال التجهيزات والتشغيل.
ويرد حوماني التأخر في تنفيذ بعض المشاريع برغم مرور عشرات السنين على إقرارها إلى الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب منذ العام 1978 ولغاية تحرير الشريط الحدودي في العام 2000، ومن ثم عدوان العام 2006.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This