بين مؤتمر تغير المناخ الذي استضافته فرنسا العام الماضي، وبين نظيره الذي يستضيفه المغرب في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، يسابق الباحثون الوقت والتغيرات الحاصلة لأن حدّ الدرجتين المئويتين يمكن تسجيله بحلول عام 2050، حتى إذا تحققت التزامات “اتفاق باريس” بالكامل. وقد كشفت الدراسات الاخيرة ان كافة تلك التحركات المكوكية للحد من تفاقم تداعيات الاحتباس الحراري، لن تعود نافعة في العام 2050، وبات أمر مضاعفة المجهودات الدولية هو الاساس، وكشف علماء أن ارتفاع درجة حرارة الأرض سيتجاوز حاجز درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية بحلول 2050، إذا لم تضاعف الحكومات جهودها للحد من انبعاثات الغازات المسببة لارتفاع الحرارة.
وقال العلماء إن خطط نحو 200 حكومة بخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون ضعيفة للغاية، إلى درجة يتعذر معها الوفاء بأهداف اتفاقية باريس للتغير المناخي المعلنة في كانون الاول (ديسمبر)، بهدف إحداث تحول جذري عن استخدام الوقود الأحفوري والاتجاه إلى مصادر الطاقة المتجددة.
وقال روبرت واتسون الباحث البريطاني – الأميركي، الذي شارك في إعداد الدراسة، والرئيس السابق للجنة الأمم المتحدة للتغير المناخي في تصريح لـ “رويترز” أن “أمامنا مشكلة بالفعل”.
وحددت اتفاقية باريس هدفا بألا يزيد متوسط درجات الحرارة في العالم عن درجتين فوق مستويات حقبة ما قبل الثورة الصناعية، وشجعت على السعي من أجل تحقيق هدف أصعب بقصر الزيادة على 1.5 درجة فقط.
وأضاف واتسون “إذا كانت هذه الحكومات جادة حقا بشأن السعي لتحقيق هدف الدرجتين، فإنها بحاجة إلى زيادة جهودها ضعفين أو ثلاثة أضعاف حيال ما تعهدت به في باريس”.
ورأى واتسون وزملاؤه أن حد الدرجتين المئويتين “يمكن تسجيله بحلول عام 2050 حتى إذا تحققت التزامات (باريس) بالكامل”.
ويقول “برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة”، إن انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، والناجمة في الأساس عن حرق الوقود الأحفوري تسجل حاليا نحو 54 مليار طن في العام، وينبغي تقليصها إلى 42 مليار طن بحلول 2030، حتى يتسنى إبقاء الحرارة تحت حد الدرجتين.
وقد سبق لدراسات عديدة ان حذّرت من بلوغ انبعاثات غاز الدفيئة الناشئة عن الأنشطة البشرية أعلى مستوى لها في التاريخ.
وفي ضوء ما يحدثه تغير المناخ من تأثيرات في التنمية الاقتصادية، والموارد الطبيعية، وحالة الفقر، أصبحت معالجته تشكل عنصرا معقدا في إطار إنجاز التنمية المستدامة، وسوف يضمن التوصل إلى حلول لتغير المناخ بصورة غير مكلفة ومتصاعدة، عدم تعثر التقدم المحرز على مدار العقود السابقة بسبب تلك الظاهرة، وتمتع اقتصادات البلدان بالصحة والقدرة على التكيف. وكان موضوع اتخاذ اجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ وآثاره من الاهداف الرئيسية في عملية التنمية المستدامة للامم المتحدة.
وقد خلصت جهود الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ الى انه في الفترة بين عامي 1880 و 2012، ارتفع متوسط الحرارة في العالم بما قدره 0.85 درجة مئوية. وتتعرض المحيطات للاحترار، حيث تشهد مساحة الثلوج والجليد انكماشا، ومستوى سطح البحر ارتفاعا. وفي الفترة بين عامي 1901 و 2010، ارتفع متوسط مستوى سطح البحر عالميا بمقدار 19 سنتيمترا، حيث تمددت المحيطات وذاب الجليد بسبب الاحترار. وانكمش مسطح البحر الجليدي بالقارة القطبية بشكل متتابع في كل عقد من العقود منذ عام 1979، وفقدان مسطح جليدي مساحته 1.07 مليون كيلومتر مربع على مدار كل عقد من الزمن.
وفي ضوء التركيزات الراهنة وتواصل انبعاثات غازات الدفيئة، أشار التقرير الى انه من المحتمل أن يتجاوز الارتفاع في درجة الحرارة عالميا في نهاية هذا القرن 1.5 درجة مئوية، قياسا على الفترة بين عامي 1850 و 1900 بالنسبة لجميع السيناريوهات باستثناء سيناريو واحد. وسوف تتعرض محيطات العالم للاحترار وسيستمر ذوبان الجليد. ومن المقدر أن يرتفع مستوى سطح البحر بما مقداره 24-30 سنتيمترا بحلول عام 2065، و 40-63 سنتيمترا بحلول عام 2100. وسوف تستمر بدأب معظم جوانب تغير المناخ لدى كثير من البلدان حتى في حالة وقف الانبعاثات.
وقد ارتفعت في العالم انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون (CO2) بنحو 50 بالمئة منذ عام 1990.
وتسارع النمو في الانبعاثات في الفترة بين عامي 2000 و2010 بأكثر مما كان عليه في كل عقد من العقود الثلاثة الملضية.
ولا يزال يتسنى، لدى الاستعانة بمجموعة واسعة من التدابير التكنولوجية والتغييرات في السلوكيات، اقتصار الارتفاع في متوسط الحرارة عالميا على درجتين مئويتين قياسا على مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وسيفضي إحداث تغييرات مؤسسية وتكنولوجية رئيسية إلى تهيئة فرصة أفضل من ذي قبل، تسمح بعدم تجاوز الاحترار العالمي لتلك العتبة.