تعتبر النشويات أو الكربوهيدرات Carbohydrate (تعرف بالسكريات مجازا)، مصدرا سريعا جدا للطاقة بالمقارنة مع الدسم والبروتينات، والكربوهيدرات، كما هو معروف، هو المادة الغذائية الوحيدة في الجسم التي يمكن إنتاج الطاقة منها دون الحاجة إلى الأوكسجين، ولكي يستطيع الدماغ وسائر أجزاء الجهاز العصبي المركزي القيام بوظائفهم في تنظيم الجسم، لا بد من توفر الغلوكوز Glucose (سكر بسيط أو أحادي)، كونه مصدر الطاقة الرئيس لهذا الجهاز الهام، كما أن نقص الغلوكوز في الدم يؤدي إلى ضعف عمليات التفكير والتركيز الذهني، وبالتالي تكثر الأخطاء في المواقف التي تحتاج إلى سرعة التفكير وحسن التصرف، ولكي يستطيع الجسم استخدام الدسم كمصدر للطاقة، فإن وجود الكربوهيدرات ضروري لكي يستطيع الجسم استخدام الدسم كمصدر للطاقة، لهذا فمن حيث مكافحة السمنة فإن تناول الكربوهيدرات ضروري لكي يستطيع الجسم التخلص من الدهن الزائد من خلال استخدامه كمصدر للطاقة، وليس كما يعتقد من يرغبون بالتنحيف.

وفي حياتنا اليومية والعملية، فإن الكربوهيدرات من الخبز إلى البطاطا والمعجنات، غالباً ما ترتبط في أذهاننا بالأفكار السلبية والسمنة المفرطة، فمن زيادة الوزن إلى مضار الكربوهيدرات المكررة والسكريات وغيرها، ثمة ما يشبه الإجماع على أن الكربوهيدرات ليست أفضل غذاء.

ولكن، لم تكن هذه النظرة المعتادة تجاه الكربوهيدرات، إذ اختلف منظور عالم الإعلانات وأخصائيي التغذية تجاهها عبر التاريخ، وتراوحت النظرة العلمية والعامة عن الكربوهيدرات، التي تتضمن السكريات، عبر القرون في مراحل نوجزها على النحو الآتي:

 

المرحلة الأولى

 

منذ مليوني عام، أي في العصور السحيقة، لم تكن ثمة حمية متوازنة، كانت عفوية في ذلك الزمن ومكونة من اللحوم والكربوهيدرات، ولم يكن الإنسان قادراً على الوصول إلى التطور الذهني الذي وصل إليه.

 

المرحلة الثانية

 

قبل ثلاث آلاف عام، كان الخبز والنبيذ أحد أهم الأطعمة في مصر القديمة واليونان، وثمة آثار ومنقوشات ورسومات توثق ذلك، بينها صورة تمثال من حجر كلسي لرجل مصري وهو يقوم بفرد خبز الشعير، الذي كان يستعمل لصناعة البيرة (الجعة)، وتظهر صورة ثانية زوجة الفرعون وهي تقدم له الخبز المتخمر، وهذا أول توثيق لاستخدام الانسان الخميرة في صناعة الخبز منذ 3500 عام.

 

المرحلة الثالثة    

 

في العام 1917 قام المخترع الأميركي أوتو رويدر Otto Rohwedder بتطوير أول آلة تقطيع خبز أوتوماتيكية، وكان ذلك بعد أن تطورت صناعة الخبز ورسخت مكانتها كصناعة مستقرة تخدم سكان المدن، وفي تلك الفترة، بدأت المصانع بإنتاج خميرة الخبز Yeast bread لتستخدم بدلا من الخميرة البلدية، مما أرسى استقرارا معينا في الصناعات الغذائية بشكل عام.

 

1-1

 

المرحلة الرابعة

 

وفي سنة 1972 تقدم الطبيب وخبير التغذية روبيرت أتكنز Robert Atkins بفكرة أن الامتناع عن تناول الكربوهيدرات سيجعل الجسم يحرق الدهون، ويعتمد الدكتور أتكنز في برنامج حـمية (ريجيم) البروتين على البروتينات بأشكالها، من دون استهلاك دهون أو سكريات، وذلك من أجل تحفيز الجسم على استهلاك الدهون والشحوم من الجسم لإنتاج الطاقة نظراً لقلة مخزون الجسم من السكر.

وقد ثبت بالفعل أن حمية (ريجيم) البروتين تستطيع أن تقوم بتنحيف الجسم وتخفيف الوزن الكلي بصورة فعالة، إذ لا يشعر المتبع لهذه الحمية بالجوع، لكن في المقابل قد يؤدي طول فترة إتباع حمية الدكتور أتكنز إلى الإصابة بـ “النقرس” Gout، المعروف بـ “مرض الملوك” Disease of kings، وذلك بسبب زيادة استهلاك اللحوم.

 

المرحلة الخامسة

 

في ثمانينيات القرن الماضي، بينت دراسات عدة أن الحميات قليلة الكربوهيدرات تساعد في تقليص حجم الأورام في أجسام فئران المختبرات، مثل سرطانات البروستات والدماغ.

 

المرحلة السادسة

 

في العام 1991، اكتشف العلماء أن أثر الكربوهيدرات السلبي لا يقتصر على زيادة الوزن فحسب، بل أيضاً على تحفيز إفراز هرمونات تجعل الجسم مدمناً عليها، بحسب كتاب “حمية مدمن الكربوهيدرات” The Carbohydrate Addict’s للطبيبين ريتشل وريتشارد هيلير Richard & Rachael Heller، هذا الكتاب يؤكد على نظرية أن بعض الناس لا يستطيعون السيطرة على الرغبة الشديدة في تناول أطعمة الكربوهيدرات بسبب البنكرياس المنتج للأنسولين أكثر من اللزوم، ما يؤدي إلى زيادة الوزن.

 

المرحلة السابعة

 

في العام 2012 أظهرت دراسة أن الأطعمة الغنية بالسكر والكربوهيدرات تؤذي صحة الدماغ.

 

هذه المسيرة المتعثرة والطويلة للكربوهيدرات عبر التاريخ تجعل منها مادة مؤذية إذا تعاطينا معها بمبالغة، وفي المقابل، لا بد من وجودها في غذاء الانسان، ولكن بالحدود المناسبة وباعتدال.

*أستاذ في الهندسة الغذائية – جامعة البعث (حمص)

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This