حبيب معلوف – السفير
اعادة فتح الطريق واستئناف العمل في «الخطة المرحلية» لمشكلة نفايات العاصمة والضواحي وقسم من جبل لبنان، وعدم تراكم نفايات جديدة على الطرق مؤخرا، لا تعني ان الموضوع سلك من جديد طريق الحل. الأزمة في بداياتها ومرشحة لان تأخذ مسارا دراماتيكيا أكثر تأزما. فلا الخطة المرحلية (السيئة اصلا) والتي تعتبر «امرا واقعا» برأي واضعيها، تسير كما يجب، ولا الخطة المستدامة باتت معروفة المعالم ومحددة المسؤوليات.
بالنسبة الى الخطة المرحلية التي تقضي بتقاسم ما يقارب 3000 طن يوميا تنتج من بيروت والضاحية والقسم الاكبر من جبل لبنان (باستثناء جبيل التي لها مكبها وتؤجره سرا هنا وهناك)، بين مطمري برج حمود والكوستابرافا كما بات معروفا، فانها تتعثر يوما بعد يوم. فحزب «الطاشناق» يرفض دفن النفايات، التي تراكمت في الشوارع دون فرز اثناء اعتصام الكتائب غير المسؤول، في مطمر برج حمود، لا سيما في الجزء الاول من اول خلية يفترض أن تجهز بعد غد الجمعة، وهي بالتالي ستبقى في امكنتها وتتحول الى وباء دائم مع اقتراب موسم هطول الامطار!
وليس خافيا على أحد أنه حصل تأخير في اعمال الردم والطمر في برج حمود بسبب مجريات «الاعتصام الكتائبي»، من دون ان تحصل أية محاسبة أو مساءلة، لا رسمية ولا شعبية، خصوصا لمن يسمون «فتية الاحزاب والجمعيات»، ممن تسببت مقترحاتهم و «حركاتهم» بتأزم الموقف أكثر مما كان مأزوما.
اما في موقع «الكوستابرافا»، فتشير المعلومات الى أنه تم اكتشاف الكثير من الردميات التي كانت تغطي النفايات المتراكمة في «الباركينغ» لحين انجاز الردم والخلية الاولى للمطمر. ويتم التفكير الآن بنقل هذه الردميات مع قسم من تلك التي تراكمت بعد عدوان تموز 2006، الى الحفرة الكبيرة قرب جدار المطار في المكان الذي طمرت فيه النفايات بدءا من صيف 2015 والتي سحب بعضها الى مطمر الناعمة في الفترة الاخيرة (بين 80 و90 الف طن) قبل إقفاله وبقيت الكمية الاكبر التي يتم اقتراح طمرها بالردميات اياها وتحويلها الى حديقة.
ضياع المسؤوليات
كما ضاعت المسؤوليات في ما يخص ادارة المرحلة المستدامة. وها هو مجلس الوزراء يزداد تخبطا في قراراته، فبعد ان كلف وزير الداخلية بتشكيل لجنة للمتابعة، لا سيما مع البلديات واتحاداتها، لإدارة «مرحلة اللامركزية النفايتية»، وعدم دعوة وزير الداخلية لأي اجتماع لهذه الغاية لمدة طويلة، وبعد ان طلبت بلدية بيروت الانفصال عما تسمى «الخطة المستدامة»… عاد مجلس الوزراء وكلف وزير الزراعة أكرم شهيب بإضافة الموضوع المستدام وقضية بلدية بيروت الى اللجنة التي يرأسها. ثم عاد وزير الداخلية ودعا الى اجتماع منذ فترة قصيرة للإشادة بخطة احدى البلديات لإدارة النفايات (غوسطا – كسروان) التي لم تنسق مع اتحاد بلديات كسروان، ولا مع وزير الزراعة، وبغياب أي دور لوزارة البيئة! وبرغم تفسير وزير الداخلية بأنه رفض التدخل في مناقصات المرحلة الانتقالية معتبرا ان الاشراف على المرحلة المستدامة واللامركزية من اختصاصه، بقي السؤال: من يدير هذه المرحلة المستدامة؟ ومتى يحسم مجلس الوزراء (إذا اجتمع) هذه المسألة ومحاولة الخروج من قراراته المتناقضة، ليعرف مجلس الانماء والاعمار على أي اساس ستجري مناقصات المرحلة المستدامة، وما هو حجم وقدرة المحارق المولدة للطاقة من النفايات والمناطق الجغرافية التي تشمل هذه الخطط، خصوصا ان مصير منطقة الشوف وعاليه لم يقرر بعد، كما لم يحسم خيار انفصال بلدية بيروت عن الخطط المعتمدة؟
تدخل الامم المتحدة
في هذه الاثناء، ومع كل هذا التخبط، دخل برنامج الامم المتحدة للبيئة (اليونيب) على خط مساعدة الحكومة اللبنانية على وضع استراتيجية مستدامة لإدارة النفايات، وزار المدير الاقليمي لهذا البرنامج اياد ابومغلي الاسبوع الماضي المسؤولين اللبنانيين، لا سيما وزيري الزراعة والبيئة وأطلعهم على تطور هذه المهمة التي بدأت مع الكتاب الذي ارسله رئيس الحكومة اثناء تفاقم الازمة لطلب المساعدة وانتهت بوضع تقرير عن المهمة السابقة للبرنامج واقتراح المساعدة في وضع الاستراتيجية للمرحلة المستدامة، وقد ابلغ ابومغلي المسؤولين الأسبوع الماضي انه تم اختيار مستشارين لبنانيين (بالإضافة الى الاجانب) لهذه الغاية، الدكتور علي يعقوب (مستشارا تقنيا) وكاتب هذه السطور (مستشارا اعلاميا).
فكيف ستكون مهمة برنامج الامم المتحدة للبيئة الذي يعتبر اعلى سلطة بيئية في العالم، في ظل هذا التخبط الذي تعيشه الدولة اللبنانية، وهل سينجح في مهمة وضع الاسس الاستراتيجية لإدارة النفايات والتشريعات الضرورية المترجمة لها؟ وهل سيتم وقف او تجميد كل التعهدات والقرارات الحكومية، لا سيما خيار التفكك الحراري وانشاء المحارق، وموضوع اللامركزية السطحي الذي لم يلحظ كيف تتعثر معظم مشاريع المعامل مع البلديات وبينها مشاريع الهبات من الاتحاد الاوروبي (آخرها توقف معمل في الكفور (النبطية) واحراق معمل آخر في بعلبك!) … لحين انجاز هذه الاستراتيجية (بالتعاون مع وزارة البيئة التي يفترض ان تستعيد دورها) والتي يفترض ان تحدد الاولويات والمسؤوليات والخيارات والتقنيات ومعايير اختيارها؟